"البيئة" تطلق خدمة إصدار رخصة ممارسة النشاط الزراعي عبر منصة "نما"    شارع السمحانية يجمع بين الطراز النجدي الأصيل والمعاصرة الحديثة    الشؤون الإسلامية بجازان تنظم محاضرة نسائية بقرية المدرك بعنوان «خطورة هجران القرآن الكريم» مساء اليوم    تُعلن شركة معاهد طيبة العالية للتدريب عن استحواذها على أكاديمية "إلسو" لتعليم اللغة الإنجليزية (ELSO)    ضبط أكثر من (23) ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    أمانة الطائف تطرح حديقة الملك فيصل للاستثمار    البركة الخيرية" تخدم أكثر من 38 ألف مستفيد خلال الربع الثالث 2025    عمادة الدراسات العليا والبحوث تطلق برنامج "التمكين البحثي المتقدم" لتعزيز جودة البحث العلمي    أكتوبر يجمع نجوم الصيف والشتاء في سماء عرعر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    بحضور السواحه.. الطلاب السعوديون يحتفون بالبروفيسور عمر ياغي    يايسله مدرب الأهلي: أداؤنا غير متوقع أمام الشباب    مدرب الشباب: الحكم أهدى الأهلي ركلة جزاء    الشباب يخطف نقطة ثمينة من الأهلي في دوري روشن للمحترفين    رئيس مجلس الشورى يستقبل عددًا من رؤساء المجالس والوفود التشريعية الخليجية    القبض على يمني لترويجه مادة الحشيش المخدر في عسير    زيلينسكي يعرض تزويد أميركا بآلاف المسيّرات مقابل صواريخ «توماهوك»    مدرب نيوم: فريقنا غير جاهز حالياً للمنافسة على لقب الدوري السعودي    بنزيما يعتذر لجماهير الاتحاد    24 ألف وحدة سكنية باتفاقيات مع شركات صينية كبرى    الأخضر يتقدم في التصنيف العالمي    قريبًا.. كورنيش بيش بحلّة جديدة تواكب التطور وتحتفي بالجمال    روسيا تعلن القضاء على 10685 جنديا أوكرانيا خلال أسبوع    وزير الصحة يختتم مشاركته في أعمال الدورة 72 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    الذهب يتراجع من ذروة قياسية بعد تصريحات ترامب عن الرسوم الجمركية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    جمعية عطاء تواصل تنفيذ برنامج "نور قناديل" لتعليم الأمهات    سالم الدوسري يُعلق على جائزة الأفضل في آسيا    المنتدى السعودي للإعلام يعقد ورشة "جسور الإعلام" في كان    ليلة طرب.. السلطان وموضي والطلاسي يشعلون حماس جماهير جدة    خطيب المسجد الحرام: العبد الموفق يعيش في خير لم يسأله ونعيم لم يتوقعه    خطيب المسجد النبوي: الدعاء سلاح المؤمن وسبيل الثبات في الشدائد    ابتدائية مصعب بن عمير تعقد لقاءً توعويًا مع أولياء الأمور حول اختبارات "نافس" والاختبارات المركزية    في أجواء أسرية بهيجة.. عقد قران المهندس خالد القحطاني    سخاء المدني أول سعودية متخصصة في طب الفضاء والطيران    اختيار السغودية رئيسة للذكاء الاصطناعي عالميا    د. عبدالحق عزوزي يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية    سباق الذكاء الاصطناعي تنافس بلا خط نهاية يهدد التوازن العالمي    هل استقام ظل لسلام الشرق الأوسط    النهائي يتجدد بين ألكاراز وسينر في "Six Kings Slam الرياض 2025"    آل الشيخ ل"الوطن": المملكة تسعى لنشر الإسلام الوسطي المعتدل في شتى أنحاء العالم    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    14 عالماً من جامعة الفيصل ضمن قائمة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم    إنقاذ حياة مريضة بتركيب صمام رئوي عبر القسطرة بدون جراحة    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    مائة معلم سعودي يشرعون في دراستهم بالصين لاستكمال برنامج ماجستير تعليم اللغة الصينية    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    بوتين للشرع: حريصون على استقرار سوريا.. تعاون ومشاريع شراكة بين موسكو ودمشق    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل ألاّ تتحول الإنتخابات العراقية إلى مسرحة للسياسة
نشر في الحياة يوم 19 - 12 - 2004

وزير الدفاع العراقي حسين الشعلان لا يتلعثم ولا يتردد، يخوّن بالجملة ودون تمييز، يعتبر آية الله علي السيستاني والقائمة الانتخابية التي رعى تكوينها امتدادا لإيران، وهذه الأخيرة "أخطر عدو" يتربص بالعراق وبالعرب، متعهدا بوقف ما أسماه "الزحف الأسود" الذي يتهدد بلاده.
قد يكون مثل ذلك الخطر ماثل فعلا، لكن كلام وزير الدفاع في حكومة إياد علاوي، إذ توخى الشطط اللفظي وأسرف فيه، أخفق في تشخيصه وخصوصا في الإقناع به. وقد لا ينجح إلا في استثارة طائفة بأسرها، أو منطقة من مناطق العراق بأكملها، طالما أن قائمة آية الله السيستاني تعكس طيفا من التمثيلية، السياسية والفئوية, لا يستهان باتساعه، إذ ضمت عددا من أحزاب الشيعة، إضافة إلى مكونات قبلية-سنية ومن طوائف أخرى.
وهذا ناهيك عن أن وزير الدفاع العراقي يخطئ إذ يموضع السجال الانتخابي وقد جاءت تصريحاته في عداده وفي إطاره على صعيد التخوين هذا، وتلك تهمة ليس أيسر من أن يردها عليه وينسبها إليه أحدهم، من طينته ولكن في موقع الاعتراض، يأخذ عليه انتماءه إلى حكومة نصبها الاحتلال، وقد يذهب مذهب المفاضلة بين "عمالة" و"عمالة" على مقتنا لمثل هذه العبارات ويرى أن ما كان منها لصالح إيران أقل وطأة وإثما.
والحال أنه يفترض في العراقيين أن يكونوا الأكثر حذرا والأكثر امتناعا عن تداول تهم التخوين في ما بينهم، وكفاهم في ذلك ما يوصم به منها، آتيا من الخارج، كل طوائفهم وفئاتهم، دون استثناء، فكل واحدة من هذه "خائنة" في نظر طرف ما. علما بأنه ليس بين العراقيين، أو سوادهم الأعظم والأعم، غير مواجه لضرورة خاضع لها، كابد نظاما سابقا لم يختره وفُرض عليه "تحرير" لم يُستشر لا في طرقه ولا وفي سائله ولا في أدواته ولا في توقيته، فإذا كل يواجه الوضع كما استطاع لا كما أراد، إذ أن هامش الإرادة ضيق بالغ الضيق على الجميع.
ومع ذلك، فإن "خطاب" التخوين هو السائد بين العراقيين على ما يبدو، وهناك من يصم به مجموعات بأسرها، بعضها يشكل أغلبية أو أقليات كبرى، الشيعة أو الأكراد، وذلك لعمري هو منطق التكفير عينه، في عمقه إن لم يكن في لفظه، إذ وحده من يأنس في نفسه الانتماء إلى قلة مصطفاة أو إلى "فرقة ناجية" يستسهل تعميم التخوين بمثل هذه الخفة وبمثل هذا اليقين.
يكون كل ذلك نزقا لفظيا، لا يُعتدّ به، من قبيل ما تحفل به الحملات الانتخابية عموما، خصوصا في البلدان الحديثة العهد بالاقتراع لم تألف منه إلا ما كان استفتاء لمبايعة مستبد. لكن الانتخابات العراقية ليست اقتراعا عاديا، في وضع آمن ومستتب، بل هي، بفعل تنظيمها تحت الاحتلال، وبفعل الاحتقان الأهلي الذي يستبد بالبلاد، وبفعل تنظيمها وفق أجندة يبدو أنها تستجيب إرادة أميركية لا تبالي كثيرا باستعدادات البلد، قد تضع العراق أمام احتمالات تصدع وانشقاق جارفين.
صحيح أن الانتخابات هي الترياق الأمثل لنوازع الاقتتال الأهلي ومخاطره، تموّه النزاع وتذلله إذ تنزع عنه صفته المباشرة والسافرة، أي العنيفة، إذ تحوله إلى "لعبة" كلامية، إلى اقتتال رمزي، يفصح عن اختلافات المجتمع ولكنه يبقيها دون الانفجار، يمسرح المواجهة دون أن يلغ فيها، يحول الصراع إلى جدل، ويقنع بانتصار وبهزيمة، تنطق بهما النسب المئوية ولا يُحسم أمرهما في ساحات الوغى. ولكن ذلك صحيح نظريا فقط، ونزولا عند شروط محددة. أما إذا لم تسبق الانتخابات رغبة في العيش المشترك وإذا لم تتأسس على مثل تلك الرغبة، فهي قد تصبح ذريعة من ذرائع الفرقة والشقاق، مثلها في ذلك مثل أية ذريعة أخرى.
إذ ليس للانتخابات من مفعول سحري، يكفي أن يصار إلى تنظيمها حتى تؤول المجتمعات إلى الوئام، وذلك أمر بديهي يبدو أن الغالبية باتت ذاهلة عنه. ربما يعود ذلك إلى أدلجة الفعل الإنتخابي، وهي ما يبدو أنه من سمات السياسة الخارجية الأميركية، في عهد إدارة جورج بوش الحالية على نحو خاص. فهذه، ترى للانتخابات فضيلة إيديولوجية، أي مكتفية بذاتها، دون أن تعبأ كثيرا بفضيلتها العملية. كفى الانتخابات أن تُقام وتُجرى، لتبرهن على نجاح تحقق وعلى نتيجة أُدركت. لا يهم إن كانت أفغانستان قد أصبحت، بعد ثلاث سنوات من انهيار حكم طالبان، أكبر منتج للأفيون في العالم، وأن أمراء الحرب لا يزالون يسيطرون على عدد من مناطقها، أو ما إلى ذلك من الاعتبارات، المهم أن تجري انتخابات، يفوز فيها حميد كرزاي، وأن يُحسب ذلك من النتائج الباهرة لسياسة الولايات المتحدة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العراق، حيث يبدو أن الإصرار على بعض المواعيد، واعتباره مقدسا، كان أهم من تهيئة الظروف لتنظيم انتخابات لا تستثني طرفا من العراقيين، وتجري ضمن شروط أمنية ملائمة، أو أقرب ما تكون إلى الملاءمة، ولا تضيف ضغائن طائفية وأهلية إلى الاحتقان السائد. فهل تكون الولايات المتحدة قد غلبت هاجس البرهنة على أنها لا تتراجع أمام الإرهاب والإرهابيين، على كل اعتبار آخر.
ذلك الموعد الانتخابي لا دافع له، فالولايات المتحدة مصرة عليه، وكذلك الحكومة العراقية الموقتة، وكذلك أطراف عراقية نافذة عدديا وسياسيا ولا سبيل إلى الطعن في مشروعية إرادتها، لمجرد أنها لا تتماشى ولا تتطابق مع إرادة أو حسابات أطراف أخرى. وإذا كان لا بد من إجراء الانتخابات تلك، إذ لا خيار غير ذلك، فلتُخض على نحو يذلل مفاعيلها السلبية المحتملة على البلاد وتركيبها الهش، ولتكن لحظة البحث عن بعض عناصر الإجماع، مهما كانت ضئيلة ضامرة، حتى لا تكون الانتخابات فاتحة الاقتتال الأهلي ومقدمته.
والأمر هذا قد يعني سنّة العراق على نحو خاص، أولئك الذين ربما كانوا في حاجة إلى البحث عن طريق ثالثة بين مقاومة مسلحة لم تتحول إلى مقاومة وطنية شاملة على ما كانوا يأملون، وبين الركون إلى الانكفاء والإحجام والمقاطعة، بأن يبدأوا بلجم التطرف في صفوفهم، إن وُجد بينهم من كان قادرا على ذلك، مستلهمين في ذلك المؤسسة الشيعية، تلك التي عرفت كيف تعالج مشكلة مقتدى الصدر، فلم تترك له فرصة جرها نحو صدام لا تريده ولا أباحت للأميركان قتله.
صالح بشير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.