أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    رحلة نجاح مستمرة    الحزم يتعادل سلبياً مع الأخدود في دوري روشن    خان يونس.. للموت رائحة    «مسام» يفكك كميات ضخمة من المتفجرات في قارب مفخخ قرب باب المندب    فيصل بن بندر يرعى حفل تخريج الدفعة ال15 من طلاب جامعة شقراء    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    « أنت مخلوع »..!    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    "تمزق العضلة" ينهي موسم طارق حامد مع ضمك    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    سلة الهلال تقصي النصر وتتأهل لنهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    تعليم عسير يحتفي باليوم العالمي للتوحد 2024    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "الفنون الجميلة" لغوته : الكلمات حين تعجز الألوان
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 2003

كتب في كل شيء يتعلق بفنون زمانه وآدابها وآثارها. كتب الفلسفة والشعر والرواية والنقد وفي بعض العلوم. وكتب أيضاً في النقد وفي اللغة، وغاص حتى في روحانيات الشرق وغيبياته وفي التاريخ وأسراره. ووصل الى حد كتابة الرواية العاطفية. وهذا ما جعله فريد عصره، وواحداً من أكبر الأدباء - المفكرين في تاريخ الفكر الأوروبي خلال القرون الثلاثة الأخيرة على الأقل. غير انه، هو الذي أبدع كتابة في نظرية الألوان وفي البصريات بخاصة، لم يجد طوال حياته وسيلة تمكنه من أن يرسم. فهو كان يحب، أيضاً، أن يكون رساماً، وموسيقياً ونحاتاً إذا أمكن. ولكن يبدو أن باعه في هذه الفنون التطبيقية كان قصيراً. ويروي أن أسفاً كبيراً تملكه طوال حياته من جراء هذا الواقع السلبي. غير انه، ببصره الثاقب، وكمية المعارف الهائلة التي احتوى عليها عقله ووجدانه، عرف على مراحل مختلفة من حياته، كيف يبدل هوسه بأن يكون رساماً - وموسيقياً ونحاتاً - بانصراف الى الكتابة عن الفن. فكانت كتاباته في هذا المجال أشبه بلوحات أخاذة، وقطع موسيقية ومنحوتات.
انه وولفغانغ غوته، أديب المانيا الأكبر خلال الربع الأخير من القرن الثامن عشر، والثلث الأول من التاسع عشر. الأديب الذي يعرفه كثر من العرب، خصوصاً، بكتابه "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" الذي عرف كيف يمجد فيه الحضارة الإسلامية في شكل لم يطاوله أي أديب غربي آخر. غير ان ما نحن في صدده هنا هو كتاب لغوته يحمل عنواناً في غاية الاختصار والبساطة: "الفنون الجميلة". والطريف ان هذا العنوان الموحي بأن الأمر يتعلق بدراسة أو بحث اكاديمي، يخفي وراءه مجموعة شعرية لا أكثر... بمعنى ان العنوان هو لمجموعة من القصائد كتبها غوته في مراحل متقطعة من حياته، وتدور كلها حول فنون جميلة. والأصل في هذا العمل قصائد وجد بعضها في مجموعة لغوته عنوانها "أشعار" حين طبعت للمرة الأولى في العالم 1815، ثم أضيفت اليها اقسام أخرى في طبعات لاحقة.
ومن الواضح ان دراسة متمعنة لهذه القصائد كفيلة بأن تضعنا، حقاً، ازاء موقف غوته تجاه الفنون الجميلة... علماً أن هذا الموقف لم يكن أبداً موقفاً واحداً جامداً، بل كان موقفاً متغيراً تبعاً للحقب والظروف، ذلك ان القصائد المعنية هنا كتبت، كما أسلفنا، في فترات متتابعة امتدت خلال الجزء الأكبر من حياة غوته. وإذا كانت القصائد نشرت، في المجموعة، تبعاً لسنة نشرها أو كتابتها للمرة الأولى، فإن الأولى بينها تكون قصيدة "العابر"، حتى وان كان الباحثون في حياة غوته يقولون ان طابعها الحماسي العاطفي ما كان ليؤهلها لتكون ضمن المجموعة. غير ان أهميتها، مع هذا، تنبع من كونها تظهر حماسة الشاعر المبكرة للفن الكلاسيكي وللطبيعة، إذ تجمع في طيات أبياتها، بين نظرية فنكلمان الشهيرة في الفن، وبين انجيلية جان - جاك روسو ونظرته الى الطبيعة. وبعد ذلك تأتي قصيدة "أغنية الفنان الصباحية" التي يقول الباحثون عنها انها تعبر خير تعبير عن المرحلة التي كان فيها غوته متأثراً بهوميروس وبالملاحم الاغريقية القديمة. وبعد هذه القصيدة ينشر غوته في العام 1775 قصيدة "أغنية الفنان" التي تعارض تماماً ولع غوته بالاغريق، لتطلب من الطبيعة الوحي ب"توسيع مدى الوجود الضيق حتى يتمكن من معانقة الأبدية". وفي العام 1812 يرسل غوته الى زميليه الفيلسوفين رينهاردت وهامبولدت نص قصيدة جديدة له عنوانها "كم كبيرة هي ديانا الأيفيزية". وهي قصيدة ذات منحى فانتازي حتى وإن لم تكن في جوهرها فانتازيا، إذ ان غاية الشاعر منها كانت الرد على نص كان المفكر جاكوبي نشره بعنوان "عن الأمور الالهية وعن سبر أغوارها". وقال غوته هذا صراحة، حتى في رسالة أخرى بعث بها الى جاكوبي ويقول فيها انه يحزنه ان يرى واحداً من تلامذته ينحو الى ابدال الإلهة ديانا بغيرها من الآلهة، بعد أن كان هو - أي غوته - كرس حياته كلها من أجل مجد ديانا والتعبير عن مكانتها السامية في عالم الشعر والأفكار. وقد اعتبر هذا الموقف، من جانب النقاد، رداً حاسماً وواضحاً على نزعة جاكوبي الغيبية الصوفية، كما اعتبرت القصيدة بالتالي، أحد أهم النصوص التي تنم عن موقف غوته من الدين والشعر والفكر سواء بسواء.
في مقابل هذا تأتي قصيدة عنوانها "غزليات مهداة الى فلهلم تيشباين"، وتيشباين هذا كان رساماً صديقاً لغوته أمضى في رفقته فترة من الزمن في روما. أما النص نفسه، فإن غوته كتبه على شكل تقديم مبتكر لمجموعة من الرسوم حققها وأراد نشرها في مجموعة. والحال ان هذا النص الشعري انما يكشف، بحسب الباحثين "حنين الشاعر الكبير الى الفن التصويري الذي نما حبه لديه دائماً وبولهٍ كبير، وكان خلال حقبة ما من حياته يريد له ان يكون مهنته ومبرر وجوده". وغوته نفسه يفيد كثيراً حول هذا الأمر وحول خيبة أمله الكبيرة تجاهه في نص شهير له عنوانه "الشعر والحقيقة". والحال ان هذا لنص، اضافة الى هذه القصيدة، التي يحكي فيها غوته عن الرسم وكأنه فردوسه المفقود، منادياً ربات الالهام إن استطاعت مساعدته في ذلك، يقولان لنا الكثير حول أسى غوته لأنه لم يتمكن من أن يكون رساماً على الاطلاق، لا بالقلم ولا بالريشة، علماً أن هذه الحسرة ليست مبررة كلياً طالما اننا نعرف أن غوته خلّف رسوماً وبعض لوحات ذات مستويات فنية لافتة، وبعضها يضعه في مكانة متقدمة حتى بين كبار رسامي زمنه. ولكن نعرف من ناحية أخرى أن فناناً وكاتباً كان يسعى دائماً الى ان يدنو من الكمال، ما كان في وسعه أن يرضى حقاً عن انتاج ينجزه، ولا يكون في المكانة الأولى. حسناً... قد يكون فن غوته جميلاً ولافتاً، لكنه لا يتيح له أن يقف في مكانة أولى بين الرسامين... من هنا لا يبقى لديه سوى الحسرة التي طفق طوال حياته يعبر عنها، ولا سيما في هذه القصائد التي قال عنها الباحثون اننا قادرون على أن نجد فيها، على أية حال، الأحاسيس والمشاعر الرؤى المتناسقة نفسها التي يمكن هاوي الفن التشكيلي الحقيقي، ان يجدها في اروع اللوحات. لقد كتب غوته، هنا، اشعاره، في شكل جعلها تبدو كاللوحات الزاهية الملونة ولا سيما في مجال تحديد أطر اللغة الشعرية كما يحدد الرسام أطر لوحته الخطوطية. ومن هنا لم يكن بعيداً من الحقيقة ذلك الباحث الذي، إذ تناول قصائد غوته هذه، قال: "اننا في غوته الشاعر الذي كتب هذه القصائد طوال حقب وحقب من حياته الطويلة، لقادرين على أن نرى، حقاً، غوته الرسام... الرسام الذي خيل لغوته انه لم يكنه أبداً... لكنه كانه في حقيقة أمره".
وولفغانع غوته 1749 - 1832 كان رساماً بالكلمات، لكنه كان أيضاً فيلسوفاً في الحوارات المسرحية كما في رائعته "فاوست" وشاعراً في رواياته "لون في فيمار" و"اشجان فرتر" وحاذقاً محباً للتاريخ وللطبيعة غائصاً في سيكولوجية البشر، وفي خلفيات الأحداث، في كتابته للمسرح وللفلسفة وللنقد وللنصوص العلمية وبخاصة للشعر الذي كان كبيراً كلاسيكياً من كباره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.