وادي "الفطيحة" أجواء الطبيعة الخلابة بجازان    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    "الأرصاد": تنوع مناخ المملكة يعكس الواقع الجغرافي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات قاتل الشيخ راغب حرب وخاطف الشيخ عبدالكريم عبيد . اسرائيل اختارت للقتل : المحرض على مقاومة الاحتلال 1 من 3
نشر في الحياة يوم 25 - 07 - 2003

بعدما أمّ المصلين في مسجد بلدته جبشيت القريبة من مدينة النبطية في جنوب لبنان، جلس الشيخ راغب حرب ليل الخميس في 16 شباط فبراير 1984 داخل المسجد وقرأ "دعاء كُميل"، ثم ردد أدعية أخرى دفعت بعض الذين كانوا يحيطون به الى الشعور بأن الشيخ، إمام بلدتهم وعضو الهيئة الشرعية في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وعضو تجمع علماء جبل عامل، اصبح على موعد قريب للقاء ربه. اقترب منه ابن بلدته الحاج محمود يونس وقال له "شرفنا يا شيخنا في البيت كي نسمع الأخبار الجديدة من ايران التي تفرح القلوب". اعتذر الشيخ في البداية، ثم استقل بعد دقائق سيارته واتجه الى منزله في الطرف الجنوبي الشرقي لجبشيت. لم يكن احد من أهله هناك فترجل الى منزل جاره الحاج محمود يونس على بعد نحو 50 متراً وبقي هناك قرابة 20 دقيقة.
يعتقد الحاج محمود بأن "اعتذار الشيخ قد يكون نابعاً من الخطوات الامنية التي كان يتخذها في تنقلاته وكان يشعر بأنه هدف للاحتلال الاسرائيلي. وفي تلك الليلة بالذات كان الهدوء يعم جبشيت ولم نشعر بشيء غير عادي. دخل منزلي في التاسعة والنصف ليلاً. وكما هو معروف في تلك المرحلة لم تكن الفضائيات موجودة. كنا نستطيع التقاط بث تلفزيون لبنان والتلفزيون الاسرائيلي فقط. لم نتمكن من متابعة نشرة أخبار تلفزيون لبنان، فطلب الشيخ راغب ان نشاهد النشرة الاسرائيلية".
بعدما تابع الشيخ راغب آخر التطورات في ايران، استأذن من الحضور وهمَّ بالخروج متجهاً الى منزله، ماراً قرب سور يبعد بضعة امتار عن مدخل البيت. فور خروجه وانعطافه يميناً اطلق مجهولون النار عليه فانهار على الفور. يقول الحاج محمود يونس: "سمعنا طلقات رصاص كأنها أطلقت من رشاشات مزودة كواتم للصوت. هرعت وراء الشيخ فوجدته يتخبط بدمه". وكبّر الحاج فهرع من كان في المنزل وعدد من اهل القرية لينقذوا شيخهم الذي كان من الشخصيات الاولى التي حاربت عملية التطبيع بين اسرائيل وشيعة الجنوب اللبناني في تلك الفترة.
وذكرت مصادر امنية مختلفة عبر وسائل الاعلام يومها ان ثلاثة مسلحين يستقلون سيارة، كمنوا للشيخ بالقرب من منزله واطلقوا عليه النار فأصابوه برصاصتين في جسده. لم تعرف هوية منفذي الجريمة، لكن الجميع كان واثقاً بأن اسرائيل وراء اغتياله.
تكشف "الحياة" للمرة الاولى تفاصيل دقيقة لم تكن معروفة من قبل عن عملية اغتيال "شيخ الشهداء" كما يلقبه أهل الجنوب، وعن افراد المجموعة المنفذة، وكذلك الاجتماعات المكثفة بين جهاز "الموساد" الاسرائيلي وعناصر مجموعة الاغتيال المكونة من خمسة.
منهم من راقب وأمّن طريق الانسحاب، ومنهم من تابع تحركات الشيخ راغب وأعطى معلومات عن تنقلاته عبر جهاز اللاسلكي الى المجموعة التي كانت تنتظر بالقرب من منزله في جبشيت. تألفت المجموعة التي اغتالته من ثلاثة بينهم الضابط في ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" المنحلة وابن بلدة جبشيت حسين علي عباس الذي اعترف للمرة الاولى منذ 19 عاماً بأنه شارك في عملية الاغتيال التي هزت المجتمع اللبناني، وأدلى بتفاصيل دقيقة عن طريقة الاغتيال وأسماء المشاركين.
كان راغب حرب شاباً صغيراً مع اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 عندما هرب اهل قريته من منطقة النبعة في بيروت الى جبشيت خوفاً من ان يطاولهم بطش الحرب الاهلية. عادوا الى القرية تاركين وراءهم مصالحهم وبيوتهم في النبعة. وقف ابو راغب الذي كان يملك دكان سمانة وسط ساحة القرية وقال امام العائدين: "يا اخوان هذا دكاني، توجد فيه كل الحاجات المنزلية، ادخلوا وتبضعوا منه ومن يستطيع ان يدفع بدل ما يشتريه فليفعل، ومن لا يملك المال فليأخذ ما يحتاج إليه ويسدد لي عندما تتيسر أحواله المالية".
ترعرع راغب حرب في كنف ذلك الوالد الكريم المتواضع واكتسب منه كل الصفات الانسانية الحسنة التي تبلورت في فترة نضاله في الجنوب اللبناني. وتعلق بالعلوم الدينية مع بلوغه سن الشباب وأثناء دراسته في جبشيت ثم في النبطية. ويحكي ابن بلدته وزميله السيد هاني فحص ان الشيخ راغب تمشيخ قبل ان يدرس في النجف، وقبل ان يضع العمامة على رأسه. واكتسب حب الاطلاع على القضايا الدينية من والده ومن عمه شقيق والده محمد حرب الذي تزوج من ابنته فيما بعد. يقول السيد هاني ان "راغب حرب سعى الى صقل ذاته منذ الصغر، وكان يقرأ ويغوص في عالم الكتب الدينية قبل ان يغادر جبشيت الى الحوزة الدينية في النجف الاشرف". ويضيف انه كان يقصد مجالس الكبار في القرية ويستمع الى طريقة النقاش ويشارك في النقاشات احياناً "بأسلوب الكبار من حيث استخدام عبارات معينة وخاصة بالمجتمع المثقف. كما انه كان يرفع صوته مثل بقية الخطباء" كي يثبت حضوره بينهم.
يتحدث السيد فحص عن فترة امتدت بين منتصف الستينات وحتى منتصف السبعينات التي كونت شخصية الشيخ راغب حرب. سافر في منتصف الستينات الى النجف قاصداً العلوم الدينية هناك. تتلمذ على أيدي رجالات دين من الطراز الاول. ولكن قبل ان ينهي دراساته الدينية تسلم حزب البعث السلطة في العراق. وكما هو معروف كان حزب الدعوة أحد اكثر الاحزاب التي صنفها النظام البعثي في خانة الاعداء.
لم يكن الشيخ راغب عضواً في حزب الدعوة، لكن السيد فحص يقول: "اعتقدنا بداية بأن حزب الدعوة هو الحركة الدينية الاسلامية الشيعية الشبيهة بحركة الاخوان المسلمين في مصر. وتبين في ما بعد انه لم يكن كذلك. الشيخ راغب، مثل بقية العلماء الشيعة اللبنانيين الذين درسوا في النجف في تلك الفترة، كانوا مناصرين لحزب الدعوة لكنه شخصياً لم يكن عضواً فيه". على رغم ذلك أدرج الشيخ راغب في اللائحة السوداء لحزب البعث وطرد مطلع السبعينات من النجف وعاد قبل انهاء دراسته الى لبنان حيث قصد الحوزات الدينية الصغيرة وتابع دراساته الى ان تعمم. وأصبح من المشايخ الاوائل في جبشيت الجنوبية. وقبل ان يقوى عوده كان متأثراً باثنين من اهم علماء الدين الاسلامي في لبنان هما المرجع الاسلامي السيد محمد حسين فضل الله والامام محمد مهدي شمس الدين. ويجمع معظم الذين عايشوه على انه كان متأثراً تأثراً كبيراً بالشيخ شمس الدين.
ويقول السيد فحص: "كان الشيخ راغب الابن الروحي للشيخ محمد مهدي شمس الدين، كما كان الأخير الاب الروحي له الى درجة التقليد التام لكل أفكار الشيخ شمس الدين وتصرفاته. كان عندما يصعد الى المنبر ليلقي خطبة في المصلين يبدع ويبتكر مضامين الخطابات، لكنه كان يقلد الشيخ شمس الدين في طريقة الالقاء وحركات الوجه واليدين الى درجة ان من كان يسمعه ولا يراه كان يعتقد بأن الشيخ شمس الدين هو الخطيب".
هذه العلاقة الروحية التي جمعت الشيخ الشاب بالمرجع الاسلامي الكبير محمد مهدي شمس الدين جعلته يتجرأ على مناقشة مثله الاعلى ومعارضته في أمور مختلفة من دون ان يتذمر الشيخ شمس الدين منه.
تلك الثقة جعلته وفياً للشيخ شمس الدين لكنها لم تمنعه من ان يبدي اعجابه بفقه السيد محمد حسين فضل الله وقدرته على ترجمة المسائل الدينية وتحليلها. ويقول السيد فحص ان "الفترة التي عاد فيها راغب حرب من النجف الى لبنان اتسمت بظهور شخصيتين جديدتين في الساحة الدينية اللبنانية، هما الشيخ شمس الدين والسيد فضل الله، حيث كانت لهما طلة دينية وفكرية اقتحامية جديدة لم يشهدها لبنان".
جاء حرب بطروحات دينية جديدة لم تشهدها الساحة اللبنانية من قبل، ابرزها تكريس ممارسة شعائر صلاة الجمعة في جبشيت. والجدير ذكره ان صلاة الجمعة اختيارية لدى الطائفة الشيعية بينما تكرسها الطائفة السنية. يقول السيد فحص ان "راغب حرب كان اول من شجع اهل جبشيت على ممارسة صلاة الجمعة، وعندما نجح في ذلك كانت جبشيت اول قرية شيعية في لبنان تقيم شعائر صلاة الجمعة"، وهذه الخطوات البعيدة من الانعزال الفكري والديني خلقت ظروفاً مناسبة لشخصيات دينية من طوائف مختلفة ان تنسج علاقات طيبة مع حرب.
كان الشيخ راغب شاهداً على الظروف المأسوية التي عاشها اهل الجنوب اللبناني ابان الاحتلال الاسرائيلي، لذا اندفع بعد الاجتياح الثاني للبنان سنة 1982 الى تجييش الشارع الشعبي الجنوبي من خلال خطاباته الدينية للنهوض ضد الاحتلال. فكان من المساهمين الاوائل الذين صنعوا نواة المقاومة المدنية الشاملة التي اتسمت بأساليب مختلفة لمحاربة الاحتلال انطلاقاً من الرمي بالحجارة حتى القيام بعمليات استشهادية.
هذا ما جعله هدفاً أمام البندقية الاسرائيلية، فحذره زملاؤه مما يخبئه له الاسرائيلي. ومن الشخصيات التي حذرته من ذلك مراراً السيد فحص الذي يقول: "اعتقلت قوات الاحتلال الاسرائيلي الشيخ راغب سنة 1983 لبضعة ايام، وهذا كان المؤشر الاول إلى ان اسرائيل تريد التخلص منه لأنه اصبح عقبة في طريق عملية التطبيع مع اهل الجنوب. فاسرائيل دخلت الجنوب وحاولت اقناع أهله الذين ضاقوا ذرعاً بالممارسات السيئة لبعض المنظمات الفلسطينية ضدهم، بأنها آتية لتحريرهم من الفلسطيني في الجنوب. وعندما اطلق الشيخ كان مثل الوردة التي لا تعرف قيمة عطرها. فهو في تلك الفترة انشهر وأصبح رمزاً للمقاومة المدنية في الجنوب".
طلب منه السيد فحص وعدد آخر من زملائه ان يبتعد قليلاً عن أضواء الاحتلال ويختفي عن الانظار لفترة لئلا يخسروه، "فطلبت منه الانتقال الى بيروت لفترة. وافق في بداية الامر فنزل الى العاصمة التي غادرها وعاد الى جبشيت بعد فترة زمنية قصيرة جداً".
كانت جبشيت بالنسبة الى الشيخ راغب بحره الذي لا يمكنه ان يغادره، وكان يشعر بالتعب إذا اجبر على الخروج منه. هذا ما حصل معه في بيروت. ويروي فحص ان علاقة الشيخ بجبشيت علاقة عشق "ففي احدى السفرات الى طهران نزلنا في الفندق ذاته هناك فسألني في احدى الليالي كم هي الساعة. أجبته كم الساعة بحسب توقيت طهران، فأتى جوابه مسرعاً، اريد ان اعرف كم الساعة الآن بتوقيت جبشيت".
كانت علاقة الشيخ راغب بالدول الاسلامية قوية وتتسم بالمحبة. كان يسافر دائماً الى الكويت التي لعبت دوراً مهما في مساعدة اهل الجنوب اللبناني على الصمود في وجه الاحتلال. اما إيران فكانت علاقته فيها فكرية ودينية على رغم "محاولات طهران الكثيرة عبر مشايخ لبنانيين ابعاده عن الشيخ محمد مهدي شمس الدين" كما يقول السيد فحص.
مطلع 1984 سافر الشيخ راغب الى طهران واجتمع هناك مع السيد فحص الذي قال له وقتذاك: "نريد الحفاظ على حياتك فأرجوك ان تفوت فرصة قتلك على الاسرائيليين". الا انه صمم على العودة الى جبشيت لاداء مهمته شيخاً للقرية وأحد اهم دعائم المقاومة المدنية في الجنوب اللبناني.
احد اصدقائه، الوجه الصيداوي المعروف الشيخ ماهر حمود الذي اشتهر ابان الاحتلال الاسرائيلي لمدينة صيدا والقرى المحيطة بها بخطبه الدينية التحريضية ضد الاحتلال الاسرائيلي، يقول: "كان الشيخ راغب شخصية شبه غامضة بالنسبة الى المحتل الاسرائيلي قبل الاجتياح. فأنا اتذكر انه سنة 1982 بدأت اجيّش الشارع الشعبي في مدينة صيدا ضد الاحتلال، وما أثار غضب اليهود انني استمررت في خطبي تلك حتى بعد انتخاب بشير الجميل رئيساً للبنان، وهاجمته يومها وهاجمت النواب الذين صوتوا له، فبدأت اسرائيل بملاحقتي".
اختبأ الشيخ ماهر في جبشيت عند الشيخ راغب، ويتذكر: "في أحد الايام كنت والشيخ راغب عائدين من احدى القرى الجنوبية الى جبشيت، فأوقفنا بعض الشبان وحذرونا من أن اليهود في القرية يبحثون عن الشيخ راغب. اعتقدت بداية بأنهم يبحثون عني لأن الشيخ لم يكن معروفاً عندهم".
بدأ نجم الشيخ راغب يظهر في ليل المقاومة اللبنانية وبعد احتلال اسرائيل جبشيت وضمها الى القرى الحدودية المحتلة. ذهب يتجول داخل هذه المناطق لتشجيع اهالي الجنوب على المقاومة. ويعتقد الشيخ حمود بأن قرار اغتيال الشيخ راغب صدر بعد الموقف الشهير الذي عرف عنه. "ففي أحد الايام أتت دورية اسرائيلية الى المنطقة التي يسكن فيها في القرية وترجّل الضابط الاسرائيلي من مركبته وأوقف شاباً صلب البنية وقال له دلنا إلى بيت الشيخ راغب. قال له الشاب ماذا تريدون منه؟ فأجابه الضابط انه يريد التحدث اليه. فقال له ان الشيخ راغب لا يتحدث مع المحتل. ورد عليه الضابط بأن هذا لا يعنيه وأصر على مقابلة الشيخ. فأجابه بأنه هو الشيخ راغب حرب ولكنه لم يكن معمماً. مد الاسرائيلي يده لمصافحته، فرفض. وقال له: "أنا لا أصافح جيش احتلال. ومن هنا انطلقت المقولة الشهيرة ان الموقف سلاح والمصافحة اعتراف. واعتقد بأن تلك المصافحة الفاشلة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وأدرك الاسرائيلي ان الشيخ راغب ليس من الشخصيات التي يمكن تدجينها".
يقول السيد فحص ان محاولات اسرائيل المتتالية للتقرب من الشيخ راغب ليست مستغربة. فهي مثل بقية جيوش الاحتلال التي تدخل بلداً جديداً لا تعرف احداً فيه، تريد أن تبني علاقات مع وجهاء القرية. ومن الشخصيات المهمة التي حاولت كسبها هي الشخصيات الدينية ومخاتير القرى. الا ان الشيخ راغب كان واعياً لما يخبئه المحتل واختار طريق الموقف الرافض للاحتلال.
خرج الشيخ في تلك الفترة عن كنف حركة "امل" وبدأ يعمل مع عدد من العلماء على تأسيس المقاومة المدنية الشاملة، كما انه لم يكن عضواً في "حزب الله" لأن الحزب لم يكن بعد احتل مكانة مهمة على الساحة العسكرية والسياسية اللبنانية.
في نهاية فترة السبعينات ومطلع الثمانينات كان الشيخ راغب اصبح جاهزاً لينطلق بزاده العلمي واستخدامه في توعية أهل الجنوب على محاربة المحتل. كان ابن قريته حسين علي عباس الذي يصغره بثلاث سنوات شاباً صغيراً يدرس في دار العناية خارج مدينة صيدا حيث كان يقيم مع عائلته. يقول حسين من داخل سجنه في الدنمارك اليوم حيث يمضي عقوبة 8 سنوات سجناً، ليس لاغتياله الشيخ راغب حرب، بحسب اعترافاته، وانما بتهمة الاتجار بالمخدرات: "انا لبناني من جنوب لبنان ولدت في مدينة الخيام وهي قرية والدتي التي تنتمي الى عائلة العبدالله. والدي علي محمد عباس من جبشيت - الله يرحمه - كان يخدم في الجيش اللبناني وكان بطلاً في المصارعة الحرة ايام المدينة الرياضية. عشت كل الوقت في مدينة صيدا في مباني الجيش اللبناني. درست في مغدوشة ثم انتقلت الى دار العناية في عبرا. كان والدي رجلاً جيداً، اسأل اهل جبشيت عنه فنحن من الأسياد، يعني يوجد فينا الشيخ والسيد". ويشرح حسين عباس ان والده خطف "سنة 1979 او 1980 لم اعد اتذكر، من الشارع مع اربعة عسكريين من المكتب الثاني وسجن سنة في منطقة الفاكهاني" على أيدي منظمات فلسطينية كان لها القرار الامني والسياسي على قسم كبير من الاراضي اللبنانية وقتذاك. ويتابع ان والده اعتقل "بسبب اتهامه بضرب مواقع لفتح ومحاولة اغتيال مسؤولين فيها، أولهم الحاج اسماعيل الذي كان مسؤولاً عن الحركة في جنوب لبنان". ويصب حسين غضبه على "حزب الله": "أنا لم انسَ يوماً من الايام ان حزب الله قتل والدي عندما اطلقوا النار عليه في جبشيت. والدي لم يفعل شيئاً لأحد وما حصل مع ابو حسين ظلم".
ويروي اهل جبشيت في زيارة لهم في تلك القرية الوادعة التي تقع على تلال مدينة النبطية في جنوب لبنان والتي يسكنها نحو 15 الف نسمة، ان والد حسين عباس تعامل مع اسرائيل منذ سنوات طويلة، وان المقاومة اغتالته بسبب ذلك التعاون. ومن الواضح ان فقدان حسين لوالده في عملية اغتيال على ايدي رجال المقاومة زرع في نفسه الحقد الكبير على جميع المرتبطين بحركة مقاومة الاحتلال في لبنان. انخرط في صفوف ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" مطلع الثمانينات، "فأنا كنت شاباً صغيراً عندما انضممت الى "جيش لبنان الجنوبي". حملت السلاح وبدأت اقاتل في صفوف الجيش". ويوضح ان اسرائيل اوكلت اليه مهمات مختلفة، منها اعطاء التصاريح والتواصل مع عملائها خارج ما كان يعرف بالحزام الامني، ومهمات امنية وعسكرية اخرى.
عندما يُذكر اسم حسين عباس امام سكان قرية جبشيت تتبادر الى اذهانهم صورة تلك الشخصية التي نكلت وقتلت. يقول حسين: "انا معروف في قرى الشريط الحدودي، في ميس الجبل وبنت جبيل، في مركبا وحولا وبليدة ومعظم قرى الشريط الحدودي". لتاريخه اتجاه واحد وليس اتجاهات عدة، لذلك تقتصر هذه المحاولة على فترة تعامله مع الاحتلال. يروي حسين انه سافر الى الولايات المتحدة الاميركية سنة 1985 لفترة قصيرة ثم عاد الى الجنوب اللبناني وواصل تعامله مع اسرائيل. وتعرض سنة 1989 لحادث امني دفع اسرائيل إلى نقله الى داخل فلسطين المحتلة، ويقول: "بقيت في اسرائيل حتى نهاية 1991، خدمت وقتها عميلاً لإسرائيل في مناطق الضفة الغربية. ولكن عندما اختلفت انا والضابط الاسرائيلي الذي كان يعطيني مالاً ثمناً لأتعابي قررت مغادرة اسرائيل".
زوّر حسين جواز سفر لبنانياً وسافر بواسطته الى اسبانيا ثم الارجنتين، وحط بعدها في الدنمارك التي منحته حق اللجوء السياسي. اصطحب معه زوجته الاسرائيلية من عرب 1948 وانجب منها أربعة أولاد يعيشون جميعهم في الدنمارك. بعد مرور 19 عاماً على اغتيال الشيخ راغب حرب يعترف حسين علي عباس بالتفاصيل: كيف شارك مع مجموعة من عملاء اسرائيل في عملية الاغتيال.
طريق الوصول الى زنزانة حسين علي عباس لم يكن سهلاً. تنشر "الحياة" في الحلقة الثانية تفاصيل تكشف للمرة الاولى عن التخطيط لاغتيال شيخ المقاومة راغب حرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.