العجوز في الثانية والسبعين من العمر. ترك بلدته بريستول، قبل ثلاثة أسابيع، ترافقه زوجته للقيام برحلة سياحية إلى ربوع مدينة دوربان الساحلية الجميلة. الرحلة تحولت كابوساً مخيفاً استمر ثلاثة أسابيع، وإلى فضيحة هزّت سمعة مكتب التحقيقات الفيديرالية الأميركي "أف بي آي" وكل أجهزة الأمن الأميركية. الكابوس انتهى بعد ظهر أول من أمس. غسلته دموع الفرح. بدايته كانت في السادس من الشهر الجاري حينما اعتقلت الشرطة في جنوب افريقيا ديريك بوند، العجوز المتقاعد من مدينة بريستول البريطانية، بناء على مذكرة توقيف دولية أصدرها "أف بي آي"، اعتبرت الشيخ السبعيني واحداً من أخطر عشرة مجرمين دوليين. عائلة بوند استنكرت الأمر منذ البداية وردته إلى خطأ وإلى اشكال في الهوية. لكن "أف بي آي" كان حاسماً: الجد القابع في الزنزانة، والممنوع من أي اتصال خارجي أو حتى تلقي الطعام الذي تحمله اليه زوجته، هو مجرم عتيد. خطأ فادح من هذا القبيل قد لا يحتاج إلى ذكاء كثير لاكتشافه، لكن محققي "أف بي آي" استغرقوا ثلاثة أسابيع كاملة ورفضوا تصديق العجوز المنهك، وكانوا يعدون العدة لارساله الى الولاياتالمتحدة لمحاكمته. الخلط في الهوية يعود الى انتحال مجرم اسمه ديريك لويد سايكس، هوية ديريك بوند، منذ أكثر من 15 سنة. سرقة الهويات مسألة سهلة، وهناك الألوف الذين تُسرق هوياتهم كل سنة في بريطانيا، ويستصدر السارقون جوازات وبطاقات ائتمان وشهادات ميلاد باسم ضحاياهم، من دون أن يُكشف أمرهم في الغالب. سايكس مطلوب منذ خمس سنوات بسبب عملية احتيال وتسويق عبر الانترنت خسر ضحاياها ملايين الدولارات. شريك سايكس القابع منذ فترة في السجن، ساهم في تضليل المحققين. أول من أمس عُرضت عليه صورة ديريك بوند التي تسلمها "أف بي آي" من الشرطة في جنوب افريقيا، فسارع الى تأكيد أنها صورة شريكه الفار من وجه العدالة. لكن الأمور انقلبت فجأة. اتصال هاتفي مجهول المصدر أبلغ محققي "أف بي آي" في هيوستن بأن الشخص الذي يبحثون عنه موجود في لاس فيغاس، وأعطاهم رقمه الهاتفي، ورقم الجواز البريطاني الذي يحمله، والصادر باسم روبرت جيمس غرانت. الاتصال بفرع "أف بي آي" في لاس فيغاس سمح بتحديد العنوان ثم دهمه بعد ظهر الثلثاء واعتقال المجرم الحقيقي. الاتصالات التي جرت بعد ذلك، وضرورة إرسال مكاتبات رسمية مكتوبة إلى دوربان اقتضت 24 ساعة قبل اطلاق سراح بوند. الرجل الذي أهين أكثر من 21 يوماً كان بريطانياً وعجوزاً ومسيحياً وبريئاً، ومع ذلك تعرض لسوء معاملة من جانب "أف بي آي"، والبعض تساءل: "ماذا كان يمكن أن تكون حاله لو أنه أسود أو أسمر السحنة ومسلماً وملتحياً؟". جون لويس، الناطق باسم وزارة العدل الأميركية لم يستطع إخفاء حرجه وحرج كل العاملين في "أف بي آي". الفضيحة شكلت وصمة عار، ونموذجاً للقسوة التي قد تميز عمليات هذه المؤسسة العريقة. الناطق لم يستطع التعليق على حجم التعويض الذي يحق لبوند الحصول عليه، لكن المحللين يتحدثون منذ الآن عن ملايين الدولارات.