من الصعب أن يكون الكاتب روائياً وناقداً في وقت واحد، إلا أن الجامعي التونسي محمود طرشونة، الذي برز روائياً وقاصاً منذ أصدر "نوافذ"، استطاع أن يتبوأ مكاناً مميزاً في الساحة النقدية من خلال كتبه عن محمود المسعدي وبخاصة بعد تخصصه بالأدب المقارن الذي صدر له فيه "مئة ليلة وليلة". جديد طرشونة كتاب "من أعلام الرواية في تونس" الصادر عن "مركز النشر الجامعي" 321 صفحة وهو دراسة شاملة عن الرواية التونسية تعتبر الأولى في نوعها، إذ غطت مسار الروائيين المحليين منذ الإرهاصات الأولى من مطلع القرن الماضي مع صالح سويسي وصولاً الى الأجيال الجديدة. ضم الكتاب ثلاثة عشر فصلاً استهلها الناقد بمقدمة عامة عن الأدب التونسي وظروف نشأة فن الرواية في تونس لينتقل الى استعراض التجارب الخاصة لتسعة روائيين من مدارس مختلفة هم: بشير خريف من جيل الرواد ومحمد عروسي المطوي ومصطفى فارسي ومحمد صالح الجابري وعبدالقادر بلحاج نصر وعمر بن سالم وحسن نصر ومحمد هادي بن صالح ومحمد الباردي، واختتم الكتاب بقراءة استشرافية في مستقبل الرواية التونسية. واعتمد طرشونة في منهجه النقدي على النص "فهو المنطلق والمنتهى" برأيه، إلا أنه ربط روائية الرواية بما تتضمنه من قيم انسانية وأساليب مستطرفة وصور شعرية بحثاً عن علاقة النص بمرجعياته. ويعتقد المؤلف أن "تراكم المنتوج الأدبي في تونس منذ الاستقلال بدا يفرز آثاراً تتسم بالنضج وتضيف الى المكتبة العربية نصوصاً مهمة تعتبر علامات مضيئة وتساهم بقسط وافر في بناء ثقافة عربية لها خصوصياتها وتدعم أركان الهوية في زمن يصارع الأدب من أجل البقاء والصمود في وجه ثقافة الاستهلاك الغازية عبر وسائل الإعلام الحديثة". لكن ذلك لم يبعده عن مبحثه المتصل بالرواية، فهو درس مسالك الأدب التونسي الحديث على ضوء مقياسين أساسيين هما معرفة النصوص والنظر اليها عبر معيار الأدبية. ويمكن القول إن كتاب طرشونة هو أول عمل يتناول الرواية التونسية في منهج نقدي متحرر من الأكاديمية الجافة مع التزامه قواعد البحث الصارمة.