ماذا حدث لعادل إمام؟ سؤال عجز مشاهدو فيلم "أمير الظلام" عن الإجابة عنه. كان عادل إمام وحيداً متفرداً على مدى سنوات طويلة. وأياً كان الرأي في المستويين الفني والفكري لديه فإنه لم يكن مقلداً لأحد أبداً. بل على العكس كان له الكثير من المقلدين. اما أن يحاول عادل اللحاق بالركب أو بالأحرى حجز مرتبة متقدمة في سباق الصيف يحركه هاجس البقاء على القمة أو حتى المشاركة فيها - بغض النظر عن شكل الفيلم أو الشخصية التي يلعبها - فذلك يعني ببساطة أنه يلقي بتاريخه الفني جانباً، والسبب ان فيلمه هذا، وهو من إخراج ابنه رامي إمام، يشكل خطوة أخرى في التراجع بعد "هاللو أمريكا". القصة التي تشارك في كتابتها خالد سرحان وحمدي يوسف هي عبارة عن شذرات مستقاة من الأعمال الفنية العربية والعالمية التي تناولت شخصية الكفيف. وكذلك جاء السيناريو الذي كتبه عبدالفتاح البلتاجي وتامر عبدالمنعم محاولاً الجمع بين هذه النثرات من دون وجود سياق فني يجمعها إضافة الى تفاصيل وقصص جانبية دخيلة لم تخدم السيناريو بل أضرت به. لا يستطيع المشاهد أن يرى في الفيلم بأكمله سوى بطله سعيد المصري عادل إمام أو "الجنرال" كما يسميه شباب الدار - أما بقية الشخصيات فليست إلا أنماطاً تسعى لتأكيد بطولة عادل إمام من طريق الترادف او التضاد مثل مدير دار المكفوفين يوسف داود، وعاليا شيرين سيف النصر. وأما الشباب المقيمون في دار المكفوفين. فليسوا بشخصيات، ولكن مجرد كائنات هلامية تتحرك في الخلفية، إذ لم نر أي ملمح خاص لدى أي منهم سوى أن أحدهم يحب العزف على الكمان ... بينما سيادة منطق البطل تحجب وتلغي محاولة منح أي مساحة لأي شخصية أخرى. وفي عودة الى شخصية سعيد المصري لا بد من التوقف عند مشاهد لا نعتقد انها تليق بفن عادل إمام. ففي مشهد البداية وبعد تعنيف مدير الدار لبطلنا لا يرد هذا، لكنه يبصق في منديله الورقي ويرميه أمامه على المكتب. وعندما يصطحبه أحد الحراس الى غرفته، يضربه الجنرال على مؤخرته بالعصا. ويتكرر هذا النهج. فتكون تعرية أجساد الشباب المترهلة دافعاً مصطنعاً للضحك عندما يطلب أحد الشباب اصطحابهم إلى حمام السباحة في أحد الفنادق فيخدعهم ويصطحبهم إلى نافورة عامة، حيث يتجمع حولهم المارة، وتُسرق ملابسهم. وتستمر مسيرة الأجساد إلى مترو الأنفاق، ويتكرر ركوبهم عربة السيدات. مرة الجنرال بمفرده وأخرى برفقة الشباب. وحينما يعترضه أحد المارة وهو يسير برفقة زوجته المحجبة، يقنعه الجنرال بأن المناسبة هي مولد سيدي العريان... فيخلع الرجل ملابسه ويسير معهم. وحينما يصلون إلى الدار تكون التظاهرة استقطبت بصنع مئات المشاركين بينما يعتلي الجنرال حصانه صدق أو لا تصدق. هنا لا بد من القول ان اعتراضنا على مشهد الأجساد المترهلة، ليس بدافع أخلاقي فقط، ولكننا ضد القبح المجاني غير المبرر، وهو ما تكرر في مشهد قيام سعيد بإعطاء حقنة شرجية تحوي مشروباً كحولياً لمدير الدار بعد تجريده من ملابسه. كذلك إسقاط الحوار الذي يحمل إيحاءات في مشهد اصطحابه عاليا إلى متجر الملابس النسائية. أما سبب دخول عاليا المتجر فهو شراء ثوب لأن ثوبها تبلل بالماء. وبمنطق الرغبة نفسه في افتعال الضحكات تدخل معه عاليا إلى دورة مياه رجالية وهي منغمسة في الحديث دمن ون أن تدرك ذلك إلا اخيراً. وقصة تعرفه الى عاليا بدأت في الديسكو الفاخر عندما عزف على البيانو ثم رقص معها من دون أن تعرف أنه كفيف. هكذا ركبت المشاهد وتتابعت لتثبت أن الجنرال - على رغم أنه متقدم في العمر وكفيف وقادر على صنع كل شيء. وإذا كان الشيخ حسني في "الكيت كات" يحلم بركوب الدراجة النارية، فلماذا لا يحلم جنرالنا بقيادة طائرة وهو الطيار وبطل حرب أكتوبر السابق؟ ولأن الظروف دائما تقف مع بطلنا، حينما تصطحبه عاليا لركوب الطائرة يتغيب الطيار ويدفعه المساعد رضا حامد الذي تعرف اليه، إلى قيادة الطائرة من دون ان يدرك أنه مكفوف ومن دون أن تستطيع عاليا إيقافه عن نزواته. هنا لم ينقذ المشهد حتى ولا لقطات الغرافيك التي أمضى رامي عاماً كاملاً في إنجازها. ولم ينقذه حوار رضا حامد غير المفهوم. وبالطبع تتحطم الطائرة ولكن بطلنا وحبيبته لا يصابان بأي أذى! أما الخط الأكثر إقحاماً واختلاقاً هو خط الإرهابيين ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية ونجاح بطلنا سعيد المصري في إنقاذه. ترى هل يكفي أن تأتي بمجموعة أشخاص ضخام الحجم يرتدون ملابس غريبة ويدخن أحدهم السيجار ويتحدثون الإنكليزية لندرك أننا أمام عصابة إرهاب دولية؟ الغريب أن الضابط الذي فتش سيارات الإسعاف لم يرتب في أشكالهم، ولم يرتب حتى في كون سائق الإسعاف يدخن السيجار ! والأكثر غرابة أن يقوم أحد أفراد العصابة أثناء الإعداد لعملية الاغتيال باغتصاب فتاة من نزيلات الدار. لقد بذل رامي جهداً تقنياً. ولكن الإخراج مبدئياً يجب أن ينطوي على قيمة أكبر تتخطى حركة الكاميرا أو براعة الانتقال من لقطة الى أخرى وهي: وجود رؤية. فهل وجود الرؤية يفترض وجود مشهد في أوائل الفيلم يتحدث فيه الجنرال إلى مشجعي أحد الفرق الأفريقية بلغة غير مفهومة على غرار هونجي بونجي... فيخرون له خاشعين ويصطحبونه في مسيرة ضخمة نحو دار المكفوفين. في لفتة قد لا يفوتها ان تجد من يتهمها بالعنصرية؟ إزاء هذا كله نتساءل: ترى ألا يستحق عادل إمام وقد بلغ ذروة إبداعه كممثل فنان في السنوات الأخيرة، أعمالاً أفضل من "أمير الظلام" وأكثر تماسكاً واقناعاً.