نيويورك - أ ف ب - يشكل بدء العمل بنظام المحكمة الجنائية الدولية مع الحصول على تصديق ستين دولة عضواً، الذي تم اعلانه أمس في نيويورك، خطوة عملاقة في مجال العمل القضائي الدولي وإن كان لم يحظ بعد بالإجماع. ورحبت المفوضية العليا لدى الاممالمتحدة لحقوق الانسان ماري روبنسون بالعمل في المحكمة بصفته "حدثاً تاريخياً" كما اعتبره الاتحاد الاوروبي "خطوة بالغة الاهمية في الدفاع عن حقوق الانسان الاساسية وتأكيد القانون وإقرار العدل في العالم". والمحكمة التي ستتخذ من لاهاي مقراً لها، هي اول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية لا حدود لها زمنياً لمحاكمة مجرمي الحرب، ومرتكبي فظائع الابادة والجرائم بحق البشرية. وأكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك أول من أمس "للمرة الاولى، يتم تكليف هيئة قضائية دائمة، بضمان عدم افلات الجرائم المنفرة للضمير الانساني من العقاب على المستوى العالمي". ونصت معاهدة روما للعام 1998 التي وقعها حتى الآن 139 بلداً على تشكيل هذه المحكمة التي كانت تشكل مشروعاً لا بل حلماً نشأ في نهاية الحرب العالمية الثانية في اطار محاكمة نورمبرغ وطوكيو. وتنص المعاهدة على ان يبدأ العمل بنظام المحكمة في اليوم الاول من الشهر الذي يقع فيه اليوم ال60 بعد تصديق الدولة ال60 عليها، اي في الاول من تموز يوليو المقبل. واحتفل أمس بالحصول على 60 تصديقاً في مقر الاممالمتحدة، ليبدأ العد العكسي. وأكد الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان إثر توقيع معاهدة روما "انها خطوة عملاقة نحو تحقيق شمولية القانون وسيادته". ولكن بعد اربع سنوات، لم تحظ المحكمة بالإجماع بعد. فلا روسيا ولا الولاياتالمتحدة كانتا بين الدول ال60 التي صدقت على المعاهدة. فيما الصين التي تعاني مشكلات في التيبت، لم توقع عليها اساساً. في وقت أكدت مصادر ديبلوماسية في نيويورك ان ادارة جورج بوش تبحث في احتمال سحب توقيعها. وكانت الادارة الاميركية اعلنت ان من غير المطروح ان يتم صرف "دولار واحد" من موازنة الأممالمتحدة لتمويل المحكمة. وهي لا تخفي معارضتها لها. اذ عبر السفير الاميركي لشؤون جرائم الحرب، بيار ريتشارد بروسبر، في شباط فبراير الماضي عن معارضة شديدة للمحكمة امام لجنة في الكونغرس. وقال "ان الولاياتالمتحدة لا يمكنها ان تدعم محكمة لا تمتلك الضمانات الضرورية لمنع تسييس العدالة". وعلى صعيد اعم، ترى واشنطن ان من الافضل، في كل الحالات، الاعتماد على الهيئات القضائية الوطنية لمحاكمة جرائم الحرب، عبر مساعدتها في حال الضرورة على القيام بمهمتها. وفي حال لم يتسن ذلك، فإن محاكم مثل محكمة يوغوسلافيا السابقة ورواندا تصبح ممكنة، لكن شرط ان تكون ولايتها محدودة. ولم ينفع امكان قيام المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة المسؤولين عن الاعمال الارهابية الدولية في تليين الموقف الاميركي ازاءها. اذ اعتبر بروسبر ان هجمات 11 ايلول سبتمبر التي اسفرت عن مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص في نيويوركوواشنطن "لم تغير وجهة نظرنا". وفي مجال ترحيبها ببدء العد العكسي للعمل بنظام المحكمة، دعت الرئاسة الاسبانية للاتحاد الاوروبي في بيان أمس "الدول الباقية الى الانضمام سريعاً الى معاهدة روما، حتى تحظى محكمة الجزاء الدولية بأسرع ما يمكن، بدعم عالمي". وأكد الاتحاد الاوروبي "التزامه دعم الاسراع في بدء تشغيل المحكمة في مقرها في لاهاي". ورأى ان "محكمة الجزاء الدولية تستحق الدعم غير المشروط من الجميع" لأنها ستكون "عنصراً اساساً في مكافحة الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الإبادة والجرائم ضد البشرية وجرائم الحرب". وحيّت ماري روبنسون "هذا الحدث التاريخي والامكانات التي يمثلها بالنسبة الى حماية حقوق الانسان". وقالت في رسالة مكتوبة موجهة الى لجنة حقوق الانسان المجتمعة في جنيف: "أحيي كل الحكومات التي صدقت هذه المعاهدة الثورية على التزامها من اجل إقرار عدالة شاملة. وفي الوقت نفسه، ادعو كل الذين لم يفعلوا الى التوقيع وتصديق معاهدة روما، واعتبار ذلك امراً ذا اولوية". وقالت ان "محاربة الإفلات من العقاب لا يمكن ان تتم الا بمشاركة اعضاء الاسرة الدولية".