ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    المرور يستعرض أحدث التقنيات في إدارة الحركة المرورية بمؤتمر ومعرض الحج    محافظ القطيف يرعى انطلاق فعالية «منتجون» للأسر المنتجة    100 ألف وظيفة تستحدثها بوابة الاستثمار في المدن    152 رحلة عبر تطبيقات نقل الركاب في كل دقيقة    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    صندوق الفعاليات الاستثماري يعزز قطاعات الرياضة والثقافة والسياحة والترفيه في المملكة    «أفواج جازان» تقبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    نوّه بدعم القيادة لتمكين الاستثمارات.. أمير الشرقية يدشن أكبر مصنع لأغشية تحلية المياه    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    نفذتها "أشرقت" بمؤتمر الحج.. وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    فيصل بن خالد: تطوير التعليم يتطلب العمل وفق خطة واضحة    رينارد يتحدث للإعلام.. وعودة الثلاثي المصاب    القيادة تعزي الرئيس التركي    الشرع: سورية اصبحت حليف جيوسياسي لواشنطن    البديوي: اعتماد المرحلة الأولى لنظام «النقطة الواحدة» بين دول الخليج    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    "تنظيم الإعلام" تقدم مبادرة "التصريح الإعلامي المبكر" ضمن مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    وزيرا الثقافة والتعليم يدشنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    المملكة تدعم جهود إرساء السلام في العالم    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العراق والجيوسياسة النفطية
نشر في الحياة يوم 17 - 12 - 2002

اعاد قرار مجلس الامن 1441 الصادر بالاجماع، ثم الموافقة الغير مشروطة عليه من العراق بعد ايام، النقاش حول تأثيرات الازمة الحالية على سوق النفط على المدى القريب والمتوسط. ومع التسريبات المتقصدة الكثيرة اليوم عن الاستعدادات العسكرية والتصريحات من مختلف المسؤولين الأميركيين لا يشك الاّ قليلون بأن التدخل العسكري ليس ببعيد.
أما بالنسبة للنفط فالبرغم من رفض الجامعة العربية في اجتماعها في القاهرة في العاشر من الشهر الماضي أي استعمال للقوة، ليس هناك من يعتقد بأن طلب العراق فرض مقاطعة نفطية على أي من دول التحالف العسكري سينفذ. هكذا نجد، مع انخفاض التوتر والتزام اعضاء "أوبك" الرئيسيين تجهيز الأسواق مهما كانت الظروف، بدء أسعار النفط بالتراجع. ويتوافق هذا التوجه مع المؤشرات الرئيسية للربع الأول من السنة المقبلة التي تتوقع فائضاً نفطياً في الأسواق.
التوقع العام هو أن الأسعار ستشهد زيادات طفيفة لجهة الأسعار نتيجة احتكاكات محتملة خلال جولات التفتيش،، الاّ ان العمليات العسكرية نفسها ستؤدي على الأرجح الى خفضها. ويواصل المحللون عموماً اقتناعهم بانخفاض الأسعار على المدى المتوسط. وتقوم تحليلات هؤلاء، اضافة الى اعتمادها على المؤشرات الأساسية، على أفتراض أن السياسة النفطية لادارة الرئيس جورج بوش تتلخص بتحويل العراق الى عنصر مساعد على اعادة صياغة سوق النفط في الشرق الأوسط.
الاحتلال العسكري للعراق و"نظرية المؤامرة"
السيناريو الأكثر شيوعاً لمرحلة ما بعد الأزمة يتوقع تغييراً في النظام في بغداد لصالح الولايات المتحدة، من ضمنه اعادة توزيع البنية التحتية للتصدير لصالح الشركات الأميركية، والزيادة السريعة للانتاج حتى لو كان ذلك ضد "أوبك"، وربما في النهاية خروج العراق من المنظمة. كما تتوقع السيناريوات الأكثر جرأة استعمال العراق أساساً لتطوير سوق حرة للنفط في الشرق الأوسط، ما يشجع زيادة الانتاج وخفض الأكلاف والأسعار، وحتى اعتماد مقياس جديد في منطقة الخليج أكثر صدقية من مقياس دبي، يتكون من النفط العراقي الخام يغطي كميات أكبر والنفط وينتجها عدد من الدول خارج "أوبك". سيناريو تطوير سوق حرة لنفط الشرق الأوسط عدا "أوبك" تغطي عموم المنطقة سيؤدي في النهاية الى خفض الأرباح، خصوصا بالنسبة للمنتجين، ويقدم حلاً بنيوياً على المدى البعيد لمشكلة العرض. حسب هذا الافتراض ستبقى الأسعار منخفضة نسبياً عدداً من السنين، وتقل على الأرجح عن نطاق ال22 الى 28 دولار للبرميل الذي حددته "أوبيك"، لأن تطورات كهذه بالطبع ستزعزع استقرار المنظمة وتدمر فاعليتها.
يتصور البعض أن لاستراتيجية الولايات المتحدة أهدافا سرّية لدعم سياسة نفطية من هذا النوع، من ضمنها احتلال العراق عسكريا. وترى أعداد متزايدة من النخب في العالم العربي أن الأميركيين لن يجدوا خيارا ازاء خطر تفكك العراق أو على الأقل اضعاف حكومته سوى اقامة ادارة دولية مباشرة بنفوذ أميركي قوي لمدة طويلة، مشابهة لاحتلال الحلفاء لألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية أو ما تشهده كوسوفو حاليا. حسب النظرية فان هذه ستكون المرحلة الأولى لخطة أوسع لتفكيك كل الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، من بينها العربية السعودية، الى دويلات يسهل التحكم بها، ضمانا لتوسيع احتياطات المنطقة دون أي عائق.
وعلى رغم الشك بصدقية "نظرية المؤامرة" هذه لا يمكننا ان نستبعد تماما أن الولايات المتحدة ترغب في الحصول على المزيد من الحلفاء النفطيين في هذه المنطقة المهمة ضمانا لتلبية احتياجاتها المستقبلية الى الطاقة. وسيكون من شأن بروز العراق، الذي يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، حليفا لها تخفيف وزن ونفوذ المملكة العربية السعودية، التي يثير مستقبلها في الآونة الأخيرة المخاوف في الولايات المتحدة. ما يقوّي هذا النوع من التكهنات في العالم العربي اصرار أميركا على توجيه الضربة العسكرية حتى لو لم ينتهك العراق في شكل جدي القرار 1441 وعدم تشجيعها لأي خطوات بديلة لزحزحة النظام العراقي. ويسمح هذا لنا بتفهم المخاوف والصمت لدى قادة دول المنطقة والقوى السياسية فيها. وقد يؤدي هذا التصور لدوافع الولايات المتحدة الى تعبئة القوى المعادية لسياستها في المنطقة ويثير المعارضة لها ازاء خطر انتقال عدم الاستقرار الى الدول المجاورة، وما يعنيه ذلك من الحاجة الى حضور عسكري هائل وبالغ الكلفة قد لا يستطيع بالرغم من ذلك ضمان استمرار تدفق النفط.
التوجهات الممكنة خلال الأزمة
اذا اخذنا خطوة اضافية في تحليلنا، سنجد أن السيناريو النفطي اعلاه، المؤدي الى اقامة سوق حرة، ممكن التحقيق. لكن تفحصا أدق يبين أن ذلك يتطلب عددا من الشروط، التي يصعب التوصل الى البعض منها. والواقع ان هناك رغم التوافق المتزايد البروز الكثير من الغموض حول الجدول الزمني وسلوك الأطراف ذات العلاقة ومستتبعات التدخل العسكري. وعلينا توضيح بعض العناصر التي قد تعيق هذه الآلية:
1- الحرب ليست حتمية: أولا، فيما يخص التدخل العسكري، ورغم الترجيح الكبير لحصوله، ليس هناك ما يشير الى حتميته. وهناك احتمالان آخران لا يجب استبعادهما. الأول أن صدام حسين، مدركا انه يقامر بوجوده، وبعدما برهن على حذقه في الافلات من الورطات في السابق، يقرر تدمير كل أسلحة الدمار الشامل اذا كان لا يزال يمتلكها. ثم يحاول بعد ذلك تنفيذ شروط القرار 1441 بكل ما امكن من الدقة كي يتجنب العقوبات التي ينطوي عليها الامتناع. في هذه الحال سيضطر الأميركيون الى الهجوم باستعمال أي ذريعة ممكنة لازالة نظام صدام حسين، اذا كان هذا حقيقة هو هدفهم. الاحتمال الثاني ان النتائج التي يتوصل اليها المفتشون الدوليون لن تكون سلبية تجاه العراق، فيعمل الأميركيون، بعد اقتناعهم بالمخاطر التي يحملها تدخل عسكري أحادي أو ضعيف التأييد، على توحيد الصف العربي وكذلك الأطراف الدولية المهمة الأخرى للتعامل ديبلوماسياً مع الأزمة العراقية. ويعني اعطاء صدام حسين مهلة جديدة عدم انطلاق الآلية النفطية المذكوره اعلاه، ويبقى انتاج العراق محدوداً للمستقبل المنظور.
2 - حكومة وسياسة نفطية جديدة للعراق: يرى كثيرون أن الهدف الحقيقي لاستراتيجية أميركا هو اسقاط النظام الحالي، وأن ليس من وسيلة سريعة لذلك سوى القوة العسكرية. وهكدا فإن الافتراض الأقرب الى الاحتمال يبقى شن الحرب على العراق، التي قد تكون سهلة نسبياً ولا تؤدي الى تدمير الكثير من مرافق النفط، بل ان صدام حسين قد يسقط حال دخول القوات الأميركية أرض البلاد. وقد قررت الولايات المتحدة في أي حال، حتى اذا لم يكن هناك تدخل عسكري، توجيه ضغوط واجراءات اخرى لتغيير النظام خلال الشهور المقبلة. وستعتمد سلطة الحكومة المقبلة الى حد كبير على ظروف الانتصار العسكري، خصوصا حجم الخسائر في المدنيين والدمار المادي نتيجة الغارات. وستكون مهمة تلك الحكومة أسهل اذا لم تكن هناك مقاومة واسعة للعمليات العسكرية الأميركية. واذا اخذنا في الاعتبار الانقسامات في صفوف قوى المعارضة لا بد أن نتوقع بعض المشاكل في تشكيل الحكومة، لكن ليس ما يدعو الى توقع هزة رئيسية في صناعة النفط.
3- قضية حصص "اوبك": ينبغي الاّ ننسى ان العراق كان احد الاعضاء المؤسسين الفاعلين ل"اوبك"، ولا تدين هذه العضوية بشيء لصدام حسين. على العكس تماماً، فهو لم يبد منذ تسلمه السلطة اي حماسة معينة للحفاظ على جبهة موحدة داخل المنظمة، وجعل بلاده تتخذ بعض الاحيان مواقف هامشية. والفكرة القائلة بان عراقاً جديداً سيكون حليفاً للولايات المتحدة لا تعني تلقائياً تبني سياسة عدائية تجاه "اوبك". ولدى اعضاء "اوبك" الآخرين عدد من الامثلة التي تؤكد ذلك. وحسب اعتقادي فان هناك رابطة عاطفية وسياسية لدى المدراء العراقيين لا يمكن ان تُلغى بعمل طائش واحد. وسيتعين على القادة الجدد بالتأكيد ان يأخذوا في الحسبان القيود الفعلية وموقف الاطراف الاخرى والحاجة الى الاراف بشرعيتهم من قبل بلدان مجاورة، واكثر هذه البلدان نفوذاً هم اعضاء في "اوبك". فلماذا سيناصبون "اوبك" العداء اذاً؟ يمكن بوضوح ان نتوقع مطالب قوية منهم بالعودة الى حصص الانتاج قبل ازمة الخليج في 1991، أي بمعنى آخر مستوى انتاج ايران. وعلى أية حال، فان قرارات عدة للمنظمة عالجت هذه المسألة بالفعل. كما يمكن ان نتوقع عقبة من اعضاء آخرين يبدون تردداً في خفض انتاجهم. وفي ما يتعلق بهذه القضية، نعرف بالفعل ان احدى القضايا الكبيرة ستكون موقف السعودية، المستفيد الرئيسي من الحظر المفروض في 1990. بالاضافة الى ذلك، لم يستبعد بعض المراقبين امكان ان يجري النظر ايضاً الى الافراط في الانتاج من قبل بعض الدول الاعضاء في "اوبك" كتمهيد لمفاوضات في المستقبل بشأن اعادة توزيع الحصص.
4- الموقف تجاه سياسة تسعير النفط: سيكون من الصعب تلبية الاحتياجات المالية لعراق يخضع لعملية إعادة بناء ويسعى الى الاستقرار الاجتماعي والسياسي مع تدني الاسعار والانتاج الذي سيبقى الى حد كبير، اياً كانت درجة الطوعية، مقيداً بطبيعة الاوضاع. لماذا سيتجاهل العراق الجديد كلياً الصيغة الحالية المعتمدة من "اوبك" التي تهدف ايضاً، مع مراعاة حصة السوق، الى تحقيق افضل دخل ممكن عبر الاسعار؟ اذا جرى الحفاظ على مستوى للاسعار يقرب من 18-20 دولار/برميل، من المحتمل ان تتخذ السلطات العراقية موقفاً عدائياً جداً تجاه "اوبك"، بما في ذلك شكل واسلوب معالجة الوضع. ومن شأن ذلك ان يدفع السوق على الارجح الى المراهنة على انخفاض في الاسعار. لكن تدني الاسعار، حتى الى أقل من 15 دولاراً للبرميل، سيمثل قيداً يغذي اهتمام العراق بسياسة التسعير التي تتبعها "اوبك".
5- فتح البنية التحتية لقطاع النفط في مرحلة ما قبل الانتاج: اذا اخذنا في الاعتبار تاريخ الاقتصاد العراقي في العقود الثلاثة الماضية والثقافة القومية السائدة في البلاد، وبالنسبة الى معظم اطراف المعارضة، يمكن ان نشك في ظهور حكومة ذات نزعة ليبرالية مفرطة على الفور. ويجب الاّ تضللنا وعود بعض المعارضين الموجودين حالياً في المنفى. فمن الناحية الواقعية، لا تملك هذه المعارضة الملاكات الكفوءة كي تتسلم السلطة فوراً. وسيكون ادامة انتاج النفط، او حتى زيادته، امراً حيوياً بالنسبة الى استقرار البلاد واعادة البناء. لذا ينبغي ان نتوقع رؤية عدد كبير من المدراء الموجودين حالياً في اماكنهم، على الاقل اولئك الذين لم يشاركوا بقوة في النظام الحالي. سيستمر هؤلاء في تشكيل غالبية الفرق التي تتفاوض بشأن قضايا النفط بالنيابة عن العراق. بالاضافة الى ذلك، لماذا ستحرم السلطة الحاكمة في العراق الجديد نفسها على الأقل اذا كانت سلطة مركزية من أداة مثل شركة النفط الوطنية، التي تستخدم للسيطرة على ارباح النفط، وبالتالي من احدى الادوات الفعلية للقيادة السياسية؟ اخيراً، لن يعني فتح التنقيب والانتاج النفطي في العراق بالضرورة عملية خصخصة كاملة، على الأقل ليس في المستقبل القريب، اخذاً بالاعتبار المشاكل المرتبطة بأي اعادة توزيع للانتاج. والارجح ان تتبنى أي حكومة جديدة - خصوصاً اذا شُكّلت من قبل الادارة الاميركية - موقفاً حازماً جداً كي تتجنب الشكوك ببيع المصالح الوطنية. وقد تميل الى اطلاق التنافس، بالاعتماد على اولئك الذين حصلوا بالفعل على وعود بعقود انتاج، مثل الشركات الروسية والفرنسية والصينية، ممن لن يوافقوا بسهولة على جعل اي من المشاريع التي حصلوا عليها عبر التفاوض موضع تساؤل. ويتوقع ان تكون المفاوضات صعبة. فلماذا ينبغي للشروط المالية والقانونية ان تكون مختلفة كثيراً عما هي عليه في بلدان اخرى في المنطقة؟
كيف سيكون رد "اوبك"؟
في حال وقوع حرب، يعقبها بسرعة قيام حكم جديد واستئناف الصادرات العراقية، سيتعين على "اوبك" ان تتعامل مع ثلاث مشكلات صعبة بشكل خاص قبل الصيف المقبل: الامتثال على صعيد الاننتاج، واعادة توزيع الحصص، والموقف ازاء المنتجين غير الاعضاء في "اوبك".
في حال وقوع حرب تؤدي الى توقف الصادرات العراقية لفترة معينة، ستستوعب السوق بسهولة مستوى الانتاج المفرط الحالي ل"اوبك"، الذي يراوح بين 5،2 و3 ملايين برميل يومياَ. واذا استمرت الحرب، ستؤدي التوترات المرتبطة بسلامة الامدادات الى إدامة ارتفاع في اسعار النفط بسبب المخاطر.
في حال اتباع مسار ديبلوماسي لحل الأزمة، وبالتالي تأجيل اي تغيير سياسي كبير في العراق، يمكن ان نفترض بأن الولايات المتحدة ستسعى على رغم ذلك الى إدامة الضغوط لتقييد صادرات النفط العراقية. وبموجب هذا الافتراض سيتم تمديد الشروط الحالية. ويمكن ان نتوقع عندذاك ان تحاول "اوبك" التوصل عبر التفاوض الى خفوضات في الانتاج في نهاية الشناء بمجرد العودة الى امتثال اكثر صرامة للحصص.
لذا، اياً كانت حصيلة الازمة، مع حرب او من دونها، سيبدو ان مستوى انتاج العراق سيكون احد المتغيرات الكبيرة في تجارة النفط العالمية في الاشهر المقبلة. وسيكون سلوك العراق بالتأكيد مركز اهتمام مناقشات داخل "اوبك" وكذلك بالنسبة الى مصدّرين آخرين. واذا بقي الطلب على النفط متردداً في بداية السنة المقبلة، قد تنخفض اسعار النفط الخام الى اقل من 22 دولار للبرميل بسبب اختفاء فرق السعر الناجم عن مخاطر الحرب وفي الوقت نفسه وجود فائض في العرض ارتفع الانتاج الحالي من اعضاء "اوبك" العشرة والعراق بالاضافة الى المنتجين خارج "اوبك" بما يزيد على 7،1 مليون برميل يومياً في 2002. اذاً، هل يمكن ان يتفق المنتجون على خفض كافٍ في الانتاج كي يتجنبوا هذا الهبوط في الاسعار او ان يرفعوه بسرعة اذا انخفضت الاسعار فعلاً؟
يشك بعض المراقبين في ذلك. واخذاً في الاعتبار سلوكهم في السابق وتجربة السنتين الماضيتين، فانني لست متشائماً الى هذا الحد. اولاً، لان قرار "اوبك" عدم زيادة مستوى الانتاج الرسمي في 2002، على رغم الضغوط، كان حكيماً. فباستخدام هذه الآلية المصطنعة، التي لم تصبح ممكنة الاّ بفضل مستويات الاسعار، قلّلت "اوبك" الصعوبات التي كانت ستواجهها عندما يتعين خفض الانتاج في الربيع المقبل: لن تُضطر الى التخلي رسمياً عن حصة في السوق الى المنتجين خارج "اوبك"، او الى تطبيق قاعدة التناسب التي تعني خفضاً رسمياً في حد الانتاج، وهو ما يصعب قبوله بالنسبة الى بعض البلدان الاعضاء. لذا يتضمن البديل خفض الانتا المفرط الحالي مع مستوى اكبر من الالتزام على صعيد الانتاج. هذا القرار لن يحتاج الى إقراره رسمياً ويمكن ان يُنفّذ على اساس براغماتي وطوعي يلعب فيه المنتجون الرئيسيون دوراً مهيمناً. ويمكن ل"اوبك" حتى ان تستمر في طلب المشاركة من قبل مصدرين آخرين.
لا شك ان هذا السيناريو ليس سهلاً، لكن خطر عودة دائمة الى اسعار متدنية وتصميم السعوديين المثبت على ضمان حصتهم من السوق يتخطون حصتهم بنسبة 12 في المئة يمكن ان يدفع الآخرين في اتجاه التزام وتضامن اكبر. ولا يمكن للحصول على حصة اضافية من السوق ان يبرر خفضاً في الاسعار الحالية. فالأفضل ان يجري التحلي بالصبر والانتظار لحين عودة الطلب قبل زيادة الانتاج. وحتى روسيا، حيث ما يزال الجدل بين الشركات والسلطات بشأن التعاون مع "اوبك" قائماً ومستعراً، لا يمكن ان تتجاهل القضية الى الابد اذا كانت تريد ان تبلغ المستويات المتوقعة في موازنتها للعام 2003 التي استندت الى سعر متوقع يبلغ 5،21 دولار للبرميل. انطلاقاً من هذه النقطة، يمكن ان ندرك مصلحة "اوبك" في الحفاظ على حد رسمي للانتاج يبلغ 7،21 مليون برميل يومياً في الاجتماع الذي يعقد في 12 كانون الول ديسمبر: انه سيترك بعض الهامش للمناورة في مواجهة تطورات مقبلة.
رئيس سابق لمنظمة "أوبك". وزير النفط الجزائري السابق. مستشار خاص لشركة "إس. جي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.