بدأ مسلسل "العطار والسبع بنات" يحصد إعجاباً جماهيرياً في العالم العربي قد يصل الى مستوى الإعجاب بسلفه "عائلة الحاج متولي" على ما تقول نسبة المشاهدة التي تكشفها بعض استطلاعات الرأي في الصحافة العربية. غير ان هذا الإعجاب لا يستطيع ان ينفي ان في هذا المسلسل الكثير من اجواء ذلك المسلسل سواء في التأليف ام في الإخراج ام في التمثيل الى حد يمكن القول معه ان "العطار" يقلّد "الحاج متولي" تقليداً واضحاً على مستوى الصناعة التلفزيونية كصناعة، مع بعض التغيير الضروري طبعاً. كأن الكاتب مصطفى محرّم والمخرج محمد النقلي "ابتكرا" سكة شعبية تلفزيونية وفي سرعة قياسية تحولا الى اسيرين داخلها، لا يجرؤان على الخروج من "سحرها" حتى ولو ادى ذلك الى تفصيلهما قصة شبيهة في مناخاتها لا في تفاصيلها وسيناريو يكرر "اللعبة" ذاتها، وحوارات تعتمد "اللغة" عينها، وأداء ممثلين يشربون من المعين نفسه، وكادرات ونمط وإخراج وديكورات تكاد لا تفرّقها إلا في ما ندر عما رأت العين وحفظت الذاكرة من مسلسل "الحاج متولي". ويشبه الكاتب مصطفى محرم والمخرج محمد النقلي في هذه السياسة الإنتاجية المبنية على "تجربة" مسلسل نجح شعبياً، المطربين والمطربات الذين ما إن تنجح اغنية لهم من لون معين وبإيقاع معين وعلى مقام معين، حتى يمسكون باللون كخشبة خلاص ويروحون يشبعونه اغاني متشابهة ومستنسخة بحيث ينقلب هذا اللون الغنائي الى نقمة ليس على المطرب فحسب، بل ايضاً على الجمهور الذي لا يعود يحرّكه فضول الى معرفة او اكتشاف جديد المطرب، باعتبار ان الجديد ما هو إلا روتين مستعاد! وعلى رغم ذلك، لا يعجز مصطفى محرّم عن تركيب مواقف وتوليف احداث تشد الجمهور التلفزيوني الى مسلسله "العطار والسبع بنات". وهو اذ يحفر في قضية اجتماعية مهمة الذكور والإناث في المجتمع يدرك ان الأفكار المتعلقة بتمييز كهذا تعني الفئات الاجتماعية العربية كافة، فكيف اذا كانت مكتوبة برشاقة مزاج الحارة المصرية التي يعبّر عنها مصطفى محرم تعبيراً دقيقاً وغنياً يعطي أبعاداً وجدانية للشخصيات في المسلسل. وبهذا يمتلك مصطفى ادوات اساسية في جذب مشاهدي شهر رمضان الذين - عفوياً - يتعاطفون مع ما يحرّك مشاعرهم وأفكارهم اذا سلكت تلك الأدوات مسلكاً احترافياً يعتمد الواقعية الخاضعة لأيد تجمّل الواقع وتجعله اكثر قبولاً، ويركز على اخلاقيات الناس "الطيبين" في مواجهة الناس "الأشرار" لكن الذين لا يكرههم المشاهد، ويغفر لهم اخطاءهم، فالمعاني الإيمانية وقيم الفضيلة والتقاليد الاجتماعية في هذا الشهر حاضرة بقوة، وقلم مصطفى محرّم يفهم المعادلة القائمة بين اجواء رمضان هذه وأجواء مسلسلاته تلك جيداً، ويحرص عليها ويكرّسها، والتجاوب الجماهيري معها يعكس صواب ما يفعل محرم من وجهة نظر انتاجية "خاصة" توازن بين العرض والطلب. وإذا كان من غير الطبيعي نقد مسلسل "العطار" كنص قائم بذاته وفي شكل دقيق وكامل لكونه لم تكتمل حلقاته امام المشاهدين، فمن الطبيعي ان تتم مقارنة ما عرض من "العطار" مع "الحاج متولي" بناء على التشابه والتطابق في ذهنية المسلسلين، وقد ادى ذلك الى حالات مزج تلقائي. على ان ثمة خطأ فادحاً في اسلوب التمثيل وقعت فيه سمية الألفي بدور زوجة المعلّم صالح الأولى، وماجدة زكي بدور الزوجة الثانية ولم يقع فيه نور الشريف مطلقاً. الخطأ هو ان سمية الألفي وماجدة زكي بعدما كبرتا سناً في المسلسل وبلغتا من العمر عتياً ما زالت حركات جسديهما في الانفعال وفي التصرف وفي السير وكأنها حركات صبايا على رغم بعض الإقناع الذي في وجه سميّة العجوز، من دون الجسم. اما نور الشريف، فصاحب خبرة كافية جعلته يتحرك في شخصية عبد الرحمن كشاب فعلاً، اما في شخصية المعلم صالح فكان عجوزاً تماماً في الحركات والسكنات وحتى في طريقة التنفس. في "العطار والسبع بنات" اسرار جذابة، نابعة من احتراف. لكن ليس كل كاتب يتقنها ولا كل مخرج ولا كل ممثل؟