ارتفاع اسعار الذهب    تراجع اسعار النفط    بيع صقرين ب (156) ألف ريال في الليلة ال 24 لمزاد نادي الصقور السعودي 2025    تعليم المدينة يدعو للمشاركة في المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    الإدارة العامة للمجاهدين تستعرض الحقيبة المتنقلة للاستطلاع الأمني    برعاية سمو الأمير سعود بن نهار انطلاق الملتقى الأول للفنون البصرية والنقد بالطائف    السعودية تستضيف قمة «TOURISE 2025» لصياغة مستقبل السياحة العالمية    إمارة منطقة مكة تشارك في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة    «أونروا»: هناك مدن دمرت بالكامل في غزة    وسط تحركات دولية وإدانة مصرية.. هيئة محاميي دارفور: «الدعم السريع» يرتكب مذابح في الفاشر    لجنة التنسيق البرلماني والعلاقات الخارجية للمجالس التشريعية بدول مجلس التعاون تعقد اجتماعها ال 22 بالمنامة    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لودية ساحل العاج    الاتحاد يخطط للتعاقد مع مدرب فرنسا    رونالدو: السعودية بلدي وسأعيش هنا بعد الاعتزال    أشاد بالتميز الصحي وأكد أن الإنسان محور التنمية.. مجلس الوزراء: الدولة تعتني بشؤون الحج والعمرة والزيارة    نحو نظرية في التعليم    مجلس الوزراء يوافق على نظام حماية المؤشرات الجغرافية وإنشاء محميتين بحريتين    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    نهى عابدين تشارك في فيلم «طه الغريب»    تعزيز حضور السينما السعودية في السوق الأمريكي    معاناة ابن بطوطة في كتابه    3.6 مليار دولار للضيافة بجدة التاريخية    وسط تعثر تنفيذ خطة ترمب.. تحذير أوروبي من تقسيم غزة    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    وزير الصحة: نعمل بتكامل وثيق لضمان سلامة الحجاج    وزير الحج يلتقي ب100 وزير ومفتي ورئيس مكتب شؤون حج ويحثهم على استكمال إجراءات التعاقد قبل 15 رجب    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    الأقل جاذبية يتمتعون بشهرة أعلى    «أحمر الشرقية».. برامج تأهيلية ودورات تخصصية    معايير تحديد سرقة رسومات الكاريكاتير    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    "مدني الرياض" يكثّف "السلامة" في المباني العالية    منطقة الحدود الشمالية الأقل في حالات النزيف والتمزق    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    الرئيس الأميركي يتعهد بمساندة سورية بعد لقائه الشرع    وزير الدفاع يستعرض الشراكة السعودية - الأميركية مع وزيري الخارجية والحرب    من أجل السلام    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    أزمة قانونية تلاحق ChatGPT    248 ألف سعودي يعملون بالأنشطة السياحية    3 آلاف وظيفة يولدها القطاع الصحي الخاص بالأحساء    حالة من الاستياء في سانتوس البرازيلي بسبب تصرفات نيمار    فهد المسعود ينضم إلى لجنة كرة القدم بنادي الاتفاق    أرقام الجولة الثامنة.. 20 هدف ونجومية سيلا سو ومشعل المطيري    الفتح يعود للتدريبات بعد الإجازة استعداداً لاستئناف دوري روشن    بيع 41 طنا من التمور يوميا    الفيلم السعودي.. قوتنا الناعمة الجديدة    "الشؤون الإسلامية" تعلن أوقات إقامة صلاة الاستسقاء بمدن المملكة يوم الخميس المقبل    مركز الحياة الفطرية: إدراج «الثقوب الزرقاء» و«رأس حاطبة» ضمن قائمة المحميات الوطنية يعزز الريادة السعودية في الحماية البيئية    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    أمير الشرقية يكرم مدارس المنطقة بدرع التميز والاعتماد المدرسي    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    برعاية ولي العهد.. وزارة العدل تُنظم المؤتمر العدلي الدولي الثاني    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع النهضوي الحضاري العربي : الواقع والأسطورة . صوغ العروبة عفوياً في لبنان وسورية المناهضين للتتريك ... والبحث عنها في الظروف المعقدة لعصر العولمة 2 من 2
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2002

كان من الطبيعي ان ينقل المشروع الحضاري النهضوي العربي الى لبنان فسورية فمنطقة الهلال الخصيب، أوَليس إسهام الكتّاب والمفكرين وأيضاً الصناعيين اللبنانيين والسوريين في نهضة مصر، يكاد يعادل احياناً اسهام زملائهم المصريين؟ كما كان من الطبيعي أيضاً ان يتصدوا كلهم للسلطنة العثمانية التي تستعمرهم.
وتتوالى في لبنان ومنطقة الهلال الخصيب عملية التصدي للعثمانيين على مرحلتين: الأولى النصف الثاني من القرن التاسع عشر مقارعة عملية التتريك، المرحلة الثانية الربع الأول من القرن العشرين الثورة على السيطرة التركية اكانت عثمانية السلطنة أم تركية عثمانية خالصة تركيا الفتاة ومن ثم جمهورية أتاتورك. المرحلة الأولى كانت ثقافية هدفها إحياء اللغة العربية نهض بها آل البستاني المعلم بطرس وخلفاؤه وآل اليازجي ناصيف وإبراهيم ومن سار على دربهما، وقد أدّت الى نتيجتين مهمتين:
الأولى، بدايات أدب عربي بمستوى القرن العشرين.
الثانية، بداية صوغ مفهوم العروبة فالوحدة العربية.
كان قد صار بادياً للعيان منذ أوائل القرن العشرين أن عمر السلطنة العثمانية لن يطول. إلا أن الاطراف التي تستعد للاستيلاء على تركتها كانت على خلاف جذري في ما بينها، وهي ثلاثة:
الأولى، حلفاء الحرب العالمية الأولى، أي بريطانيا وفرنسا اللذان وقعا معاهدة سايكس - بيكو عام 1916 بتقسيم المنطقة في ما بينهما، ولكن بريطانيا كانت تعهدت في العام ذاته للشريف حسين بامبراطورية عربية إذا أشعل الثورة ضد العثمانيين كما وعدت اليهود بمقر في فلسطين وعد بلفور - 1917.
الطرف الثاني، العرب الذين شرعوا منذ أوائل القرن العشرين بتشكيل أحزاب وميليشيات تجمعت مع بداية الحرب حول الشريف حسين وبدأوا بزحف نحو هدفه الأول دمشق بقيادة الملك فيصل بن الحسين.
الطرف الثالث، هم الأتراك الذين تجمعوا بادئ ذي بدء في تركيا الفتاة وهذه عزلت السلطان عبدالحميد وأحلّت محله دستوراً لمجمل الامبراطورية العثمانية. ثم تجمعوا حول مصطفى كمال الذي آثر التخلي عن الامبراطورية عام 1923 في مقابل جمهورية تركية علمانية.
أَوَبَقي ثمة مجال للمشروع النهضوي العربي بعد تقسيم الامبراطورية العثمانية وإعادة تقسيم المنطقة وفق المصالح الأجنبية. فكلمة الهلال الخصيب تشير الى منطقة جغرافية هي التي قسمت الى دويلات وبهذا امتنع وجود حامل ما، فلم يبق بعد ثمة حامل للمشروع في حين أن مصر كانت ولا تزال وستبقى موحدة جغرافياً وبالتالي سياسياً ولهذا بلغ فيها المشروع النهضوي غايته.
كثيرة هي المشروعات الحضارية في تاريخ الانسانية أشير منها الى اثنين لعلاقتهما المباشرة بنا، وفي خلفية الاثنين الثورة الفرنسية والثورة الصناعية الأولى:
المشروع الأول هو الأنوار في القرن الثامن عشر أي السير على هدى العقل وقد أدى الى العلمنة أي الفصل بين الدين والدولة.
المشروع الثاني القرن التاسع عشر إحلال الدولة القومية محل الامبراطوريات آخرها امبراطورية نابليون. وسوف تقلص في القرن الواحد والعشرين العولمة دور هذه الدولة. وقبل الاثنين في الغرب طبعاً - النهضة القرون 14- 15 - 16 التي أحدثت انقلاباً جذرياً في التربية، إذ أحلت في الدراسة محل نصوص عصر الوسيط، النصوص الاغريقية واللاتينية. فكانت لهذا الانقلاب نتيجتان مهمتان: الأولى اضافة محور الانسان في تصور الكون الى محور الله، وكانت اقتصرت عليه تربية العصر الوسيط، النتيجة الثانية هي أسلوب الدراسة فقد صار يقوم على قراءة كل نص بلغته ثم تحليله بدقة لابراز معناه. القراءة هذه أطلق عليها اسم انسانيات أو أنسنة الانسان ان صح التعبير. فثمة إنسان جديد بدأ يتكون هو إنسان اليوم الذي يتصرف في شكل يجعله مسؤولاً عن ذاته وعن عالمه وبالنتيجة عن العالم.
هذه كانت بداية أوروبا والهوية الأوروبية والانسان الأوروبي. ونحن مدعوون اليوم للتفاهم مع هذا الانسان.
وربما ان العولمة هي المشروع الحضاري المستقبلي للعالم الانساني. وهي حصيلة ثلاثة عوامل:
العامل الأول، الاعلام المعمم الذي ينقلك لتوه من إطارك المحلي الى عالم لا حدود له. ويكون ذوقك وحساسيتك ورأيك السياسي.
العامل الثاني، الترجمة التي تأخذ اليوم شكلاً معمماً في الدول الأكثر تقدماً. وبهذا تضع أمام الانسان المتقدم حاضر وماضي الانسانية.
العامل الثالث، الانترنت الذي يطلعك في كل ثانية على ما تود معرفته من علوم وآداب وأفكار، انه بمعنى ما موسوعة في متناول يدك.
إلا أن محاولة العولمة جعل العالم فسحة واحدة تصطدم بعقبتين من العسير تذليلهما: الأولى، كون الثقافة الأدبية بالمعنى الواسع لهذه الكلمة مرتبطة بلغة وهوية قوميتين. العقبة الثانية، هي انقسام العالم الى اثنين: الواحد متقدم والثاني متأخر. ذاك منتج وهذا مستهلك، فبأية قوة، بأية اعجوبة يمكن للمتأخر أن يتجاوز المسافة الحضارية بينه وبين المتقدم.
ما العرب والعروبة في عصر العولمة؟
للمشروع الحضاري بوصفه كذلك، كما ينتج مما تقدم، خاصتان ذكرتهما سابقاً. الأولى، كونه ينشأ عفوياً في مرحلة من مراحل تطور جماعة محددة المعالم أو الهوية الخاصة الثانية أقله سياسياً وثقافياً.
فمشروعنا نحن العرب كان، في مرحلة النضال ضد تركيا العثمانية وتركيا التركية إن صح التعبير من أجل الاستقلال عربياً في انطلاقته اللبنانية المعلم بطرس البستاني وابراهيم اليازجي والسورية نجيب العازوري الذي عاش في فرنسا ونشر كتابه عن الأمة العربية بالفرنسية عام 1905 بعنوان: يقظة الأمة العربية، كما نشر فريد أنطونيوس عام 1920 كتابه بالانكليزية اليقظة العربية. وخاتمة هذه السلسلة من الرواد زكي الأرسوزي الذي بدأ فور وصوله الى سوريا عام 1938 الدعوة الى أمة عربية واحدة.
اليقظة العربية هذه كانت عفوية، بريئة، خالصة، مجانية، ولكن في منطقة اعتبرها الأجنبي حيوية بالنسبة الى مصالحه، ففيها القناة السويس، والبترول وطريق البترول إضافة الى كونها موقعاً استراتيجياً في الحرب والسلم. فلم يكن في إمكانه أن يقبل إلا بالجامعة العربية ومشتقاتها مثل المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم ألكسو.
والأخطر شأناً من كل هذا وذاك هو السؤال عن الحامل لليقظة العربية شبيه مصر. فمنطقة الهلال الخصيب لا تشكل ولا في صورة من الصور وحدة سياسية أو ثقافية ما. والوحدة التي بشّر بها زكي الأرسوزي بقيت في حدود الآمال أو الحلم إذا شئت. ولهذا فعندما انتقلنا بين الحربين وبُعيد الحرب العالمية الثانية الى مرحلة وضع خريطة سياسية لمنطقة الهلال الخصيب تكاثرت القوميات، بعضها عاش على أنقاض حلم الأمة العربية مثل الحزب السوري القومي الذي أسسه أنطون سعادة عام 1932، أو لبنان الكبير الذي صار حقيقة واقعة حوالى 1935 عندما سلخت فرنسا خمسة أقضية من سورية وضمتها اليه، ناهيك عن اسرائيل التي غرست في قلب الوطن العربي والتي لا ندري ما إذا كانت تسهم اليوم في بعثرة العرب أو في تجميعهم.
فالكلام عن مشروع نهضوي حضاري عربي في الوضع الراهن أسطورة في أحسن الحالات أو أحياناً تجميع مفاهيم وشعارات في شكل مفتعل. فما العرب والعروبة والوحدة العربية في عصر العولمة؟ ذلكم هو السؤال المطروح علينا والذي نتصرف وكأننا أسقطناه من حسابنا.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.