} لم يشهد لقاء بريطانيا الدولي لالعاب القوى الذي جرى الاحد الماضي على ملعب كريستال بالاس جنوبلندن، تسجيل اي ارقام قياسية جديدة... لكنه شهد ظاهرة مبتكرة لفتت الانظار بشدة: طغيان اللون الاصفر على الملعب وكل الاجواء المحيطة به. "الحياة" تساءلت عن السبب، فتبين ان الامر هو نتاج دراسات وابحاث استمرت قرابة العام حول تأثير الالوان على اداء الرياضيين. اختصاصي العلاج النفسي بات واحداً من اهم عناصر الاجهزة الفنية في كل المنتخبات والفرق التي تحترم حالها، لأنه يمثل صمام الامان قبل انفلات الاعصاب او تدهور المستوى الفني للاعبين من جراء مشكلات غير رياضية يمكن لها ان تعصف بمسيرتهم في الملاعب. ودأب هؤلاء الاختصاصيون على مواصلة البحث في شتى مناحي الحياة للتعرف الى السبل الافضل التي يمكن ان ترفع من اداء الرياضيين. فريق من شركة نوريتش يونيون البريطانية للتأمين، الراعي الرسمي لجائزة بريطانيا الكبرى لالعاب القوى، قام بابحاث موسعة حول تأثير الالوان على الرياضيين عموماً وممارسي العاب القوى خصوصاً. وكانت المحصلة النهائية لهذه الدراسات ان "اللون الاصفر هو اكثر الالوان التي تحفز على النجاح وتحقيق الافضل"، ولذا غاصت كريستال بالاس في مناسبة لقاء بريطانيا الدولي في "الاصفر". البطلة البريطانية الشهيرة دونا فرايزر التي شاركت في الدور النهائى من سباق 400 م في اولمبياد سيدني الاخيرة عام 2000، اوضحت ل"الحياة" انها شاركت في تجربة فريدة من نوعها لمعرفة تأثير الالوان على الحالة النفسية للاعبين ومدى تجهيزهم لخوض المنافسات "وتأكدنا ان الاصفر يمس العقل بقوة ويشيع البهجة في نفوس الرياضيين، كما انه يحفزهم لتقديم مستوى افضل لأنه يثير فيهم الحماسة ايضاً". واضافت "انها المرة الاولى التي تهتم فيها جهة ما بدراسة من مثل هذا النوع... شاركت في التجربة مع عدد من الاختصاصيين في علم النفس، وعانينا كثيراً قبل ان نصل الى هذه النتيجة. لكن المهم ان الجهد الذي بذلناه قد اتى ثماراً من الاكيد انها ستكون مفيدة في تطور الاداء ورفع مستوى رياضيي "ام الالعاب"، والاهم ان نتائج هذه الدراسة ستساعدنا على اعداد رياضيي النخبة في المستقبل... وربما تمثل الفارق بين بطل يتوج وآخر يخفق لأنه لم تتح له الاستفادة من هذه الابحاث". اللافت ان فرايزر لم تكن مقتنعة بفكرة هذه الدراسة قبل ان تشارك فيها "كنت اتعجب من هذه الابحاث لأنني لم اتوقع يوماً ان يكون للالوان كل هذا التأثير على الاداء الرياضي او المستوى الفني، بيد انني حققت اسرع زمن لي في الملاعب وانا اعيش في اجواء صفراء خلال هذه التجربة. لقد تحسن ادائي فعلاً في كل مرة كان فيها هذا اللون يحيط بي، ولذا فانني اجزم بان النتائج التي توصلنا اليها سيكون لها شأنها حتماً". قيادة فنلندية اجريت هذه الدراسة على عدد كبير من ممارسي العاب القوى في بريطانيا تحت اشراف واحد من اشهر اطباء علم النفس في اوروبا هو البروفسور الفنلندي يوري هانين، وهو اثبت بما لا يدع اي مجال للشك ان هناك منطقة محددة في المخ تربط بين الحالة النفسية والحالة البدنية عن طريق التركيز الذهني. واكد انه متى تحسن اداء هذه المنطقة انعكس الامر على مستوى الرياضيين. وبعد ابحاث طويلة اكتشف ان للالوان تأثير مباشر على هذه المنطقة... لكن اي لون هو الذي ينشط عملها اكثر؟ هذا هو السؤال الذي راح هانين يبحث عن اجابة له... في البداية اجرى دراسات سريعة استبعدت كل الالوان باستثناء الاصفر والاخضر، وكان لابد من تعميق الابحاث لاكتشاف اللون الاكثر تأثيراً من بينهما. ولذا اجريت تجارب عدة على مجموعتين من الرياضيين من اصحاب المستوى ذاته... الاولى احيطت بالاصفر والثانية بالأخضر، وكانت النتيجة ان تفوق "الصُفر" في كل السباقات التي تراوحت مسافاتها ما بين 100 م و800 م... ولفت ان في سباق 100 م تحديداً وصل الفارق الى نصف ثانية وهو مقدار كبير جداً قياساً لمسافة هذا السباق. العالم النفساني البريطاني ديفيد لويس، الذي يقدم برنامجاً تلفزيونياً، يتعلق بتأثير الالوان علي الانسان، من محطة BBC البريطانية علق على التجربة "اتضح فعلاً ان اللون الاخضر يهدئ النفس ويرخيها وهو ما اثر على اداء الرياضيين في هذه التجربة، لكن اللون الاصفر كان له تأثيره الايجابي على المنطقة التي تربط بين الحالة النفسية والحالة البدنية ما حرك الشعور الداخلي لدى اللاعبين واثار حماسهم فجاءت نتائجهم افضل". اما مارك ريتشاردسون الحاصل على ميدالية فضية لبريطانيا في العاب الكومنولث، فقال ان الرياضيين يستخدمون حالياً الموسيقى لتحريك هذه المنطقة قبل المنافسات "لكن اصبح علينا الآن ان نجهز انفسنا بالالوان ايضاً، لأنه اتضح من خلال هذه التجربة ان البصر لا يقل أهمية ابداً عن السمع في تجهيز عقل الرياضي ووصوله الى اعلى درجات الاستعداد النفسي والبدني لخوض السباقات". واكد جو فن عضو فريق البدل البريطاني ان الامر مثل له مفاجأة كبيرة "تفاجأت بأدائي في الاجواء الصفراء، لقد استطعت ان اقلل زمني نحو نصف ثانية خلال تدريبات 400 م. افكر جدياً الان في ان ارتدي نظارات باللون الاصفر قبل كل سباق لأرى كل ما حولي بهذا اللون الذي تأكد انه يمس العقل ويهيئه لتحميس الاعضاء الاخرى في اداء واجباتها بشكل افضل". ما إلك الا الاصفر الطريف في هذه الدراسة انها خلُصت الى ان تأثير اللون الاصفر له تأثيره الفاعل في تحسين الاداء عموماً وليس على الرياضيين وحدهم، لأن البروفسور لويس اكد ان المخ يلتقط موجات كهرومغناطيسية تؤثر على منطقة التفكير والاعداد النفسي وبالتالي على تصرفات البشر "ولذا فان نجاح اللون الاصفر مع الرياضيين يعني بالتأكيد نجاحه مع الآخرين، وعلى من يريد ان يؤدي عمله في شكل افضل ان يحيط نفسه بالاصفر لأن ذلك يزيد غالباً فرص النجاح. الالوان تؤثر حتماً على احاسيس البشر، لكننا اكتشفنا ان الالوان تؤثر ايضاً على ادائهم الذهني والبدني... والدليل ان المرء يشعر بالحرارة لو جلس في غرفة مطلية باللون الاحمر، وبالبرودة لو كانت زرقاء على رغم ان درجتي الحرارة في الغرفتين واحدة. الاخضر والبني والالوان الارضية الاخرى تجعل الانسان اكثر استرخاء، ولهذا السبب فان غالبية شركات الطيران تقبل على استخدام هذه الالوان داخل طائراتها". الاسمر لكن لابد من التوقف في هذا المجال عند ظاهرة لافتة اخرى، وهي ان السمر هم الاكثر فوزاً في سباقات السرعة. لقد سيطر البريطانيون والفرنسيون على سباقات المسافات القصيرة للرجال تحديداً بفضل عدائىن من السمر اتوا من جامايكا والغوادلوب وجزر الانتيل وطبعاً من افريقيا، فاختفى البيض من على منصات التتويج. ولأن الولاياتالمتحدة الاميركية لا تعتمد في هذه السباقات الا على السمر، فان الرجل الاسمر بقي مسيطراً في هذه المجالات. صحيح ان هناك عوامل عدة للتفوق من تدريب ورعاية، لكن الصحيح ايضاً ان الامكانات الفيزيولوجية لدى العداء الاسمر، وهي امكانات خلقية طبعاً، متفوقة حسب ما توصل اليه العلماء غير مرة. والوقع ذاته ينسحب على مسابقات السيدات، لأن ابرز نجماتها من السمروات حتى ولو كن يمثلن بريطانيا وفرنسا وهولندا او النروج! لكن، وبعد هذه الدراسة "الصفراء"... هل ستبقى الاوضاع علي حالها، ام سنشهد تفوقاً صينياً ويابانياً ولبعض الدول الاخرى في آسيا مثلاً على اعتبار انهم من ابناء القارة الصفراء؟!