بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعد انتصار قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة على العراق في حرب الخليج الثانية، بدأ عدد من كبار المنظرين السياسيين الغربيين في الترويج لفكرة أن النظام العالمي الجديد القائم على ثنائية العولمة والرأسمالية هو النظام الاقتصادي والاجتماعي الأمثل في تاريخ البشرية، بل وأن هذا النظام سيكون بمثابة "نهاية التاريخ" حسبما رأى فرانسيس فوكوياما. ولكن مع مرور بضعة اعوام من عمر العقد الأخير من القرن العشرين بدأ يتضح جلياً أمام كل الشعوب النامية ان هذا النظام العالمي الجديد مملوء بالعيوب والتناقضات، وأنه لا يمكن بصورته الحالية أن يكون نظاماً عادلاً أو مستقراً، وأنه إن استمر على حاله فإن عمره سيكون أقصر بكثير مما قد يتصور منظروه والمبشرون به. كيف يمكن ان يكون هذا النظام العالمي الجديد عادلاً إذا كان قد صمم بالكامل بحسب مصالح ورغبات الدول القوية والمتقدمة - والولاياتالمتحدة تحديداً - ومن دون اي مراعاة لمصالح الدول النامية التي يعيش فيها معظم سكان العالم وأكثرهم فقراً وحاجة للدعم؟ وهل من العدل او التقدم في شيء أن تدفعنا الشعوب القوية لمنازلتها في حلبة صراع وحشي من دون حتى أن تتيح امامنا اي فرصة للتهيؤ لهذا الصراع، والتخلص من الآثار السلبية المعوقة التي ما زلنا نعانيها بعد عقود طويلة من استعمار الغرب لنا واستنزافه لمواردنا وتعمده تهميشنا؟ وكيف يمكنهم ان يعتقدوا ان نظامهم هذا سيكون مستقراً أو سيكتب له البقاء الطويل إذا كان أقل من ربع سكان الأرض يستمتعون بأكثر من ثلاثة أرباع ثرواتها، في حين لا يملك معظم البشر سوى المشاهدة والتحسر والعيش على الفتات؟ وكيف يستقر نظام ما إذا كان العالم اصبح معه مقسماً أكثر من اي وقت مضى الى شمال يملك ويزداد غنى، وجنوب لا يملك ويزداد فقراً؟ أنا لا أعادي العولمة بوجه عام ولست ادعو لمناهضتها لأنني أؤمن ببساطة انها مجرد واحدة من المراحل الطبيعية لتطور التاريخ البشري وتقدمه. ولكن الذي اعاديه بشدة هو ان يفرض علينا العيش كعبيد في ظل نظام وحشي لا يعرف سوى لغة القوة، ولا يؤمن إلا بآلهة المال والتجارة وآليات السوق. كل ما أطالب به هو أن يتيح مهندسو النظام العالمي الجديد أمامنا، أو أمام كل الشعوب النامية، فرصة عادلة لنستعد استعداداً جدياً كافياً للاندماج في هذا النظام، وخوض غمار منافساته الطاحنة بفاعلية، من دون ان نتحول الى مجرد أتباع أو أسواق استهلاكية يسيل لها لعاب الشركات المتعددة الجنسيات. محمد علي ثابت - باحث بكلية تجارة الاسكندرية