أول الكلام: للشاعر الراحل أمل دنقل: - ليت أسماء تعلم أن أباها صعد... لم يمت هل يموت الذي كان يحيا، كأنَّ الحياة أبدْ وكأن الشراب نفدْ وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد؟! لم يمت... وانحنى القلب يبحث عن ما فقد!! 1 في كل بحر... فردَ قلوعه ونصب أشرعته: مُيمّماً نحو شاطئ لا يفقد ذاكرته كالإنسان! جلس على شاطئ البحر في ليلة مقمرة... يداعب "صدَفَة" كانت مليئة بالرمل. أفرغ ما في عمق "الصَّدَفة"... غمرها بالماء... غسلها فلمعت أكثر... جفَّفها وخبَّأها في ثوبه وهو يتلفت، يودُّ لو أن القمر والنجوم لا تكتشف سرقته للصَّدَفة! وعاد إلى مأواه وهو يفكر في "الصَّدَفة" بين غسلها وتنظيفها وامتلاكها. أخرجها حين كان الليل ينحسر بثمالته، والفجر يبزغ رويداً. كانت أحشاء "الصَّدَفة" تومض باللؤلؤة... لكنه رفض إخراج اللؤلؤة من صدفتها حتى لا تبهت!! 2 عاد في المساء الآخر... مدَّ يده ثانية إلى البحر. كان المدُّ في منتصف هذه الليلة: أبلغ منه في إحتواء الأصداف. وحصد الفجر كل انتظارات ليله... وعاد إلى مأواه مبلّلاً، يتناثر من عينيه وأطرافه: التأمل وحده! وطارد سؤال وحيد صاحبه من شاطئ البحر إلى عتبة داره: - هل ما زلت تنتظر ولادة البحر من جديد؟! - هس: أعرف أن البحر لا يلد إلاّ مرة واحدة! 3 على شاطئ البحر - في اليوم الثالث - تحلَّقوا حوله يسألونه: - أين هي بحارك... وكم المسافة إلى مرساتك؟! أخرسه قاموس الفقد... فأعلن موته. صار يبحث - بعد ذلك - عن الذين لا ينسون... صار الطفل في داخله: هَرِماً أشيب القلب... وبقيت الساعات هي: العدّ التنازلي حتى يفتح عينيه لحظة، و... يكتفي! 4 تعب... تعب... تعب. عمر... أعلن على امتداده: صدقه ومحبته... قاوم أمواج الناس ورآهم يغرقون في بحارهم. تحوَّل إلى "صدَفة"... خبَّأ في عمقها: كل الأماني الحميمة كالأسرار. كلما ضربته أمواج بحار الحياة... كان يلوذ إلى: القمة والضوء، وما تبقّى من ذاكرة الحياة! أصبح الآن يُجدد السؤال في لحظة بوح لا تكذب. إنه لا يبعثر الشكوك في الأحداق الصافية، لكنه يُجمّع خفقاته المسكونة بالحب... يحزمها باقة ورد تنتظر إجابة وجد، ويهمس: - أحبك... يا هذا الحب!!