لم يكن وداعنا لعام 2000 ميلادية، واجتياحنا الألفية الثالثة شيئاً عادياً. كان مشوباً ب"الصراعات العرقية والإثنية" على مستضعفي شعوب العالم، وخصوصاً على شعبنا في عراق المقدسات! يمارس الاستكبار الأميركي ضده مختلف الخطط اللاإنسانية بأساليب جديدة للهيمنة على مقدراته وحرمانه من نيل مكتسباته المشروعة، وإجهاض منجزاته الحضارية، خصوصاً أن العراق يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط ذات العمق الاستراتيجي لدول العالم، إضافة الى الموقع الجغرافي، والبترول الذي يمتلكه، والموارد الطبيعية الكبرى التي تتيح له استخداماً علمياً متوازناً. وبالتالي يغدو قوة اقتصادية لا يستهان بها ويحسب لها ألف حساب وحساب في المنطقة برمتها، إن الاستكبار الأميركي قد درس بعمق نفسية هذا الشعب الصامد، ومدى تأثيره في بقية الجماعات والشعوب المستضعفة لشجب الهيمنة والتبعية الاستعمارية. وهذا ما لمسوه إبان الاحتلال الصليبي المباشر لدول شعوب المنطقة... فكان للعراق وقادته الإسلاميين الأحرار الدور الفاعل في تقويض مخططات المستكبرين، وشجب وجودهم اللاشرعي ليس في وادي الرافدين وحسب، بل لدى معظم شعوب المنطقة. إن فصول المؤامرة لم ولن تنتهي طوال العام المنصرم. نرى الأمة تتعرض الى مؤامرة عولمية أوروبية وأميركية جديدة تعمل على نسف كل الحواجز امام امتداداتها السياسية والاقتصادية والثقافية للسيطرة على العالم، وتنم عن تعصب وتآمر دفين كان آخرها ما يحدث في نيجيريا من إشعال نار الفتنة الدموية بين المسلمين والمسيحيين. وأصبح الوطن العربي والإسلامي بؤرة للاضطراب الكبير، والدماء المهدورة المستباحة من ماليزيا الى البوسنة وكوسوفو والشيشان، ومن كشمير والباكستان وأفغانستان، من إبادة وتشريد وتجويع... وما يحدث في الجزائر بين الحين والحين من مجازر ومذابح جماعية رهيبة باسم الإسلاميين الأصوليين، وما يحدث كذلك من تركيع شعب العراق، وتغيير النظام الذي ترتئيه مخابرات سي آي إي الأميركية، و ام آي دي البريطانية، ومن ورائها الموساد الإسرائيلي، وغيرها من مناطق الصراع والتطهير الإثني، وهذا هو الابتلاء، والامتحان العسير. وفي مقابل هذه المؤامرات أو تلك: عودة الشعب الفلسطيني الى استئناف انتفاضته الوطنية والإسلامية منذ تدنيس الإرهابي شارون للحرم القدسي الشريف في السابع والعشرين من أيلول سبتمبر المنصرم بوصفها انعطافة تاريخية جديدة من المواجهة البطولية .... وقد عاد صدام حسين مرة أخرى ليلعب بالورقة الفلسطينية والسطو على الشعارات والمضامين ذات الصلة بآمال الأمة. وهو يراهن على ما يمكن تسميته ضعف الذاكرة العربية والإسلامية. وهي مسألة في غاية الخطورة لا يمكن بأية حال الطمأنينة إليها. الأمر الذي يتعين ب"الوجوب العيني" الحذر كل الحذر من السقوط في وحل إعلامه التضليلي بوصفه يمتلك سجلاً في العمليات التخريبية بحق شعب فلسطين وقضيته المصيرية. وقد كان لهذا السجل العدواني أبرز الأثر في تبرعه المجاني بسحب البساط من تحت انتفاضة أطفال الحجارة الفلسطينية في الأرض المحتلة بمغامراته الطائشة وغزو الكويت جاعلاً انتفاضة الحجارة شأناً دولياً ثانوياً بعد أن بذلت هذه الانتفاضة الشعبية الكثير من التصدي والصمود على مدى عقود كي تغدو من أهم مشكلات العالم الساخنة. وقبلها موقفه المتفرج من احداث الأردن عام 1970، ونقل معظم الضباط الأحرار العاملين ضمن قوات صلاح الدين في الجبهة الشرقية لحماية الأردن من العدوان الصهيوني بعد انتكاسة حزيران يونيو عام 1967. وكان نقلهم إدارياً الى قطعات داخل إقليم العراق، وأرسل ضباطاً مشبوهين يأتمرون بأوامره لحرمان المقاومة الفلسطينية من مساندتها. إذاً، نحن نعيش في عصر طاغوتي استكباري غادر متمسك بنفوذه، وحريص على مصالحه واستغلال سلطته. علينا أن نحذر الأمة كل الأمة المسلمة من أي مظهر من مظاهر الفرقة والتناحر المذهبي والعرقي. وقد آن الأوان كي نبتعد عن كل ما يفرق، ونحرص على كل ما يجمع من خلال الابتعاد عن الدعوات الجديدة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، حينما تغرق الأمة أو يراد إغراقها في الوحل اللاصق في الطين، وفي جدليات عقيمة تستهدف الترف العقلي البعيد كل البعد عن حركية الأمة، وبناء مستقبلها الطموح لتحرير الإنسان نوع الإنسان. ونحن بحاجة ضرورية تاريخية ملحة الى إسقاط هذه الدعوات المريبة المقبلة من خارج سياج الدائرة الإسلامية الواسعة والمعرضة دائماً للاحتواء والتحجيم والاختراق. ومن الخطأ الفادح أن نقف عند الأطروحة "المذهبية". بل يجب علينا أن نستهدف العناصر المشتركة، ونبحث عن القواسم المشتركة التي نتحرك من خلال آلياتها، وتحت مظلة التوحيد والرسالة، ولا نشغل الأمة بما صدر عن هذا المذهب، أو ذاك من طروحات فقهية أو عقيدية لا تعتمد برنامجاً انبعاثياً رسالياً ثورياً تكاملياً شمولياً، ولا تلتزم عقلانية الإنسان المسلم في حواره الصارم مع الواقع الذي يعيش فيه وتنظيمه على ضوء التجارب الماضية والحاضرة ... وإلا لماذا تُثار بالتحديد مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ ولا تُثار مسألة تطبيق الأطروحة الإسلامية العالمية كمنعطف انبعاثي، وكرسالة حركية، وكأمة حية مُطْبِقة على التمسك ب"الشهادتين"؟ دمشق - أحمد الحسني البغدادي