امتدت الفضائح المالية، التي تطال عدداً من المؤسسات العامة المغربية، الى البلديات التي يُتهم فيها بعض الرؤساء باستغلال النفوذ والقيام بتوظيفات وهمية مقابل رشاوى وانجاز صفقات استثمارية غير نظيفة. واعلن المجلس الدستوري من جانبه إلغاء نتائج انتخابات بعض اعضاء البرلمان وهم كذلك رؤساء بلديات، لوجود تزوير في النتائج تعود الى الاقتراع الذي جرى في كانون الاول ديسمبر 1997. في حين أُحيل رؤساء بلديات آخرون الى المحكمة الخاصة للبت في التهم الموجهة اليهم وأدت الى مئات الضحايا. وتُعرض حالياً على محكمة العدل الخاصة في الرباط ملفات عدد من رؤساء ومستشاري البلديات في كل من الدار البيضاءوطنجة واسفي ومدن اخرى بتهمة تلقي رشاوى مقابل توظيفات وهمية لصالح اشخاص عاطلين عن العمل قدموا مبالغ الى مسؤولين في البلديات مقابل توظيفهم بطريقة غير قانونية من دون علم الادارة المركزية. وكان عشرات الاشخاص تقدموا بشكاوى ضد مسؤولين في جماعة الادريسية في الدار البيضاء، وآخرون في طنجة يطالبون باسترداد اموال منحوها الى شخصيات نافذة لتوظيفهم في تلك البلديات. واظهر التحقيق القضائي ان مسؤولين كانوا يعدون بعض الشباب العاطل بتوفير العمل مقابل رشاوى مالية وهو ما اصبح يُعرف لدى المحكمة باسم "سماسرة بيع الوظائف الوهمية" حيث يُقابل كل منصب مبلغ مالي تقدر قيمته بقيمة المنصب. ونسب الى موظفة في بلدية اسفي قولها انها توسّطت مع رئيسها المباشر لصالح 12 شخصاً وحصل الرئيس على رشاوى حجمها 182 الف درهم 18 ألف دولار لتوظيف الاشخاص الذين تبين لهم لاحقاً انهم غير مسجلين في لوائح العاملين في البلدية. وتقدم تسعة اشخاص منهم بدعوى ضد الموظفة التي كانت تحصل على رشاوى تراوح قيمتها بين 7 آلاف و15 ألف درهم. وكان موضوع مشابه ادى الى انتحار مسؤول اداري في وزارة الاعلام يدعى محمد عليلي وُجّهت اليه تهمة توفير توظيفات وهمية من دون علم الادارة الوصية على الاذاعة والتلفزيون. وتحولت القضية الى مأساة اجتماعية خلفت ضحايا وما زالت فصولها مستمرة بعدما اوقفت الوزارة الاعلام اجور الموظفين غير القانونيين وطلبت الى وزارة المال منحها مخصصات مالية جديدة لمعالجة المشكلة. وقالت احدى السيدات، التي شملها وقف الراتب ل"الحياة": "لم أعلم بكوني موظفة وهمية الا بعد انفجار الازمة عقب انتحار المسؤول". واضافت: "من الصعب عليّ ان اعود الى الوراء وفي اعتقاد اسرتي اني حصلت على وظيفة في الاذاعة في الرباط ولا استطيع كشف الحقائق على رغم اني اعيش مأساة حقيقية ولم يعد بإمكاني سداد ايجار البيت الذي اسكنه مع زوجي". وكانت الموظفة في الاذاعة واحدة من عشرات الاشخاص الذين شملهم وقف الراتب بعد اكتشاف التلاعب في التوظيف. وحسب التحقيق الذي انجزته الادارة المعنية كان المسؤول المنتحر يتقاضى رشاوى مقابل اضافة اسم جديد على قائمة موظفي وزارة الاعلام من دون علم وزارة المال التي كانت تمنح اجوراً لاشخاص غير مسجلين في قوائم موظفي الدولة. وتبحث نقابة الصحافة في الرباط عن مخرج للمشكلة التي طالت عائلات عدة ظلت لسنوات تعتقد انها تابعة لقطاع الاعلام بعد دفع مبالغ معينة كانت توفر عليها اجراء مباريات التوظيف. وتشهد غالبية البلديات المغربية حالياً حملات تفتيش تقوم بها وزارة الداخلية للكشف عن التجاوزات المالية والمخالفات القانونية التي يقوم بها بعض المسؤولين في اطار حملة تطهير غير معلنة. وقالت مصادر مطلعة "ان وزارة الداخلية اصدرت قراراً بتوقيف مجلس جماعة الحاجب شرق الرباط ومجلس جماعة شيشاوة جنوبمراكش بعدما اكتشفت لجان التفتيش مخالفات عدة وينص الفصل 10 من قانون 1976 على انه في حال الاستعجال "يمكن توقيف مجلس الجماعة بقرار مدعم باسباب يصدره وزير الداخلية وينشر في الجريدة الرسمية". وقررت هيئة محكمة انزكان اغادير امس تأجيل النظر في القضية الملاحق فيها عامل محافظ سلا شمال الرباط الى 25 تشرين الاول اكتوبر المقبل على اساس اعادة توجيه الاستدعاء الى العنوان الصحيح. وكان اشخاص تقدموا بشكوى ضد المحافظ بتهمة اطلاق النار عليهم اثناء تواجدهم قرب منزله في انزكان حيث كان يشغل منصب وكيل المحافظة. وتشمل الفضائح المالية في المغرب اربعة مصارف اخرى هي "القرض الزراعي" و"القرض العقاري والسياحي" و"مصرف البنك الشعبي" و"صندوق الضمان الاجتماعي". واصدر المغرب مذكرة دولية لتوقيف الاشخاص خارج المغرب الذين اظهر التحقيق تورطهم في تلك الفضائح التي تقدر قيمتها بأكثر من 1.5 بليون دولار. ويستعد البرلمان حالياً لبدء اعمال لجان التحقيق في اثنين من تلك المؤسسات هي "القرض العقاري والسياحي" الذي خسر رأس ماله ووعدت الدولة بضخ 500 مليون دولار لاعادة تنشيطه، و"الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" الذي يواجه نقصاً في الموارد تهدد سداد معاشات المتقاعدين والارامل.