مثلما شكلت زيارة الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع للمغرب انعطافاً في العلاقات الثنائية التي اتسمت بتوتر استمر عقوداً على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تعتبر الزيارة المرتقبة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتونس نقلة في العلاقات بين البلدين التي طغى عليها البرود منذ أواسط التسعينات، ما أدى إلى تعليق اجتماعات اللجنة العليا المشتركة وتجميد تبادل زيارات الوزراء والمسؤولين. إذن هل يؤمل بتنشيط اتحاد المغرب العربي وانعاش مؤسساته المشلولة بعد تجاوز القطيعة في العلاقات الثنائية؟ الثابت أن الأجواء الاقليمية الحالية أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى بعدما قطع المغاربة والموريتانيون شوطاً مهماً في طي الشكوك والحذر التي كرسها التباعد في التعاطي مع قضية الصحراء الغربية، وكذلك بعدما كسر التونسيون والجزائريون الجليد الذي كان يغطي طريق التعاون الثنائي واتفقوا على معاودة اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الأسبوع المقبل. أكثر من ذلك، قال الملك محمد السادس والرئيس ولد الطايع في اجتماعهما في طنجة كلاماً واضحاً، مفاده تجديد التزام البناء المغاربي بوصفه الخيار الوحيد المتاح لمجابهة العولمة الزاحفة على المنطقة. وأكيد ان الرئيسين بوتفليقة وبن علي سيعاودان التمسك بالاتحاد، إضافة إلى ان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي المتجه إلى افريقيا منذ سنتين، لم يعلن يأسه من بناء تجمع اقليمي في شمال افريقيا على رغم خلافاته الشديدة مع موريتانيا والتي حالت دون عقد قمة مغاربية على هامش القمة الافريقية - الأوروبية الأخيرة في القاهرة. إلا أن إعلانات النيات لا تكفي لعودة الروح إلى المؤسسات المغاربية، فما لم تحل العقدة الجزائرية - المغربية التي كانت وراء تعثر الاتحاد وشلل مؤسساته منذ قرر المغاربة تجميد عضويتهم فيها، في أعقاب اشتداد الخلافات مع الجزائر، لا يمكن ان تكون الطريق ممهدة لانعاش الاتحاد. صحيح ان ثمة مؤشرات صغيرة إلى احتمال حلحلة النزاع نحو تسوية سلمية، لكن هذا المسار يستغرق وقتاً مما يؤدي إلى تحفيف ما تبقى من دماء في البناء الاقليمي اليافع الذي لم يتح له الوقت الكافي للنضوج. الأخطر من ذلك، ان تأخير تشكيل تجمع اقليمي في شمال افريقيا، والذي بات ضرورة اقتصادية ملحة قبل كونه ضرورة سياسية أو ثقافية، يترتب عليه ثمن باهظ تدفعه البلدان الخمسة في علاقاتها غير المتوازنة مع أوروبا والشركاء الاقتصاديين الآخرين. وبسبب أهمية هذا البعد صار الخبراء المغاربيون وحتى الغربيون يتحدثون عن "كلفة غياب الاتحاد المغاربي"، وهم احتسبوا هذه الكلفة باليوم والشهر والسنة، واضعين الاصبع على الخسائر الفادحة التي تتكبدها البلدان المغاربية من جراء ارجاء توحيد السوق وإزالة الحواجز الجمركية بينها، ليس فقط على صعيد الموازين التجارية والمالية، وإنما على صعيد الجهد التنموي في المستقبل أيضاً. ومن المفارقات اللافتة في المغرب العربي ان مسار إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي يتقدم بنسق حثيث في افق اقامة منطقة التبادل الحر في السنة ألفين وعشرة، فيما ترتفع الأسوار الشاهقة بين البلدان المغاربية حائلة دون تطوير المبادلات بين بعضها البعض. بهذا المعنى يمكن القول إن اخفاق تجربة البناء الفوقي التي قادتها الحكومات في غياب النخب والرأي العام يدل إلى ان الديموقراطية بما تتيحه من مشاركة، هي الاطار الكفيل بتجسيد مشروع اقليمي كبير على الصعيد المغاربي، فإذا ما نُسجت شبكة عريضة من العلاقات بين مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية سيتلقى الاتحاد دفعة قوية تجعل تراجع القطار إلى الوراء صعباً.