لم يكن أحد يذكر اسمها الأول "فاطمة"... كانوا يسمونها "الوردة"... وكم كان اسمها ذاك يليق بها... كانت أجمل امرأة في الدنيا... وجهها بهاء الورد، وجبهتها صفاء الورد، ووجنتاها رقة الورد ونعومة أوراقه. ولحضنها، حين الجأ اليه من شوكة عابرة في حياتي، وهج الدفء والطيب في مجمرة البخور. ما شممت رائحة الطيب، أو عطر الورد الا وتذكرتها... كذا كنت أراها منذ تعلمت أن وجهها أجمل الوجوه، وحضنها أحن الملاجىء، ورائحتها أطيب الروائح. شيء من عبير الجنة... ولذا لم أجد صعوبة في الصف الأول ابتدائي أن أفهم معنى العبارة الغائمة تلك: "الجنة تحت أقدام الأمهات". كان وجهها فعلاً أجمل الوجوه... كلما اشتقت الى نفحة نادرة من الصدق والحب والانتماء، يأتي وجهها الى الذاكرة طافحاً بكل ما يمثل الصدق والحب والانتماء. أتذكرها كلما رأيت وجهاً حنوناً... كلما احتجت الى لفتة حنو... كلما ضاقت الدنيا، شعرت بالحاجة الى صدرها الشاسع الحنان. وكلما تكثف صقيع الغربة حولي، تذكرت دفء ابتسامتها المرحبة... وكلما فاجأني الآخرون بزيفهم افتقدت الصدق في نصائحها لي. كنت أتخيل وجهها وأنا في المدرسة فأشتاق للعودة الى البيت. يشع بالنور والسعادة حتى وهي في أشد مضض الحزن أو الألم. قلما رأيتها الا وهي تبتسم والسعادة تطفح من أعماقها... وأتذكر ابتسامتها فأرغب أن أفعل شيئاً ما يسعدها لأرى تلك الابتسامة تضيىء وتتسع. كان لها أضوأ ابتسامة... وضحكة أجمل من سيمفونية الربيع. أسمع لها رنين الأجراس الفضية الصغيرة، ورفيف أجنحة العصافير... العصافير التي كانت تصر على إطعامها فتتجمع عند قدميها في حديقة المنزل الصغيرة. اقترب منها أنا فتطير بعيداً لتعود اليها. وحينها تضحك، تضحك من قلبها حتى يزدهر الورد في وجنتيها... فأدرك أنها فعلاً أجمل النساء. * * * أتذكرها ليس اليوم فقط... ولا في عيد الأم فقط... أتذكرها اليوم وكل يوم... رحمها الله وتغمدها في جنته مع الأخيار. * * * كل عام وكل أم بخير... يوم عيد الأم قادم... فتذكروا أمهاتكم... ليبق عبير الورد وابتسامة الضوء ورنين الأجراس الفضية في حياتكم أبداً. مثلما هي أبداً وردة الذاكرة. كل عام وأنتِ في القلب... يا وردة الذاكرة...