يخذر كبار علماء الجيولوجيا في العالم بأن مدينة البندقية التي تعتبر واحدة من اعرق وأجمل المدن في التاريخ الايطالي والانساني، بالغرق والتلوث. فالمدينة التي يطلق عليها الاوروبيون الحلم لجمالها الساحر، تخوض صراعاً من اجل البقاء، لأنها توجه خطر الزوال لتعرضها المستمر الى الفيضانات الناتجة عن ارتفاع مياه البحر وانخفاض مستوى اليابسة. ومدينة روميو وجولييت والكرنفالات والتاريخ الفني الحافل بالروائع، ليست جديدة العهد على الفيضانات، نتيجة تعرضها للسيول والانجرافات المستمرة، وارتفاع مياه المد التي تصل الى اكثر من 60 سم. فهي تقوم على بحيرة ضخمة تصل مساحتها الى اكثر من 550 كيلو متر مربعاً، تبسط اجنحتها من مدينة رافينا الشهيرة التي كانت عاصمة الامبراطورية الرومانية الغربية، وحتى مدينة تريستا المجاورة للحدود اليوغسلافية، بكونها اكبر البحيرات حجماً في عموم البلاد. ولم يتبق من مداخل هذه البحيرة المتعددة التي كانت فيما مضى ذات اتساع كبير لا يتسم بالعمق، تحولت الى قنوات ضيقة بسبب بناء الارصفة الطويلة على ضفتيها، حيث تنساب فيها عشرات زوارق الجندول السوداء اللامعة في هذه القنوات الرائقة. فقد حفرت على مرّ السنوات الكثير من القنوات الملاحية، كما ردمت وطمّت العديد من مساحاتها لأغراض مختلفة. وخلال البدايات الاولى من القرن العشرين كانت ساحة القديس مرقس التي تتوسط المدينة وتقف على جانبها الشمالي واحدة من اجمل وأعرق الكاتدرائيات في ايطاليا وهي كاتدرائية القديس مرقس، تتعرض للفيضان بمعدل سبع الى ثمان مرات في العام الواحد، اما في الوقت الحاضر فإن الخطر يهددها اكثر من اربعين مرة في العام، حيث وصل عدد الفيضانات في العام الماضي الى 68 مرة، ووصل اعلى مستوى لإرتفاع المياه فيها الى 134 متر. التغيرات التي طرأت على البحيرة جعلتها عليلة وتتعرض للخطر، والسبب هو اختلال توازن حياة هذه البحيرة الكبيرة. وهو الامر الذي وضعها محلياً وعالمياً تحت تكثيف الاجراءات الفورية والعاجلة لمعالجة هذا التدهور، فأول هذه الاجراءات يتمثل ببناء الحواجز المتحركة المانعة للسيول عن مداخل البحيرة لأجل التحكم بإندفاع المد داخلها، وهو الامر الذي يعني اغلاق المنافذ. أما الاجراء الثاني فيتمثل بعمليات فخمة لتدعيم الخط الساحلي من خلال ترميم الشواطئ المتآكلة، بوضع انشاءات رملية جديدة وإنشاء شباك مانعة للتسرب، فبعادة اصلاح الجدران البحرية المطلة على البحر الادرياتيكي والتي يقدر طولها بأكثر من 60 كيلو متر. من جانب آخر فإن مدينة الحلم التي غناها كل شعراء العالم، وخلدها المئات من اعظم الفنانين التشكيليين، تعاني من ارتفاعات خيالية في نسب التلوث تقلق الكثيرين، حيث يبث مجمع بورتو مارغريتا الصناعي التابع لشركة اي. في. سي انترناشيونال العالمية التي تعتبر اكبر منتج لكلوريد الفنينل في عموم اوروبا، والذي يبعد مسافة لا تزيد على اربعة كيلو مترات عن الميدان القديس مرقس الرئيسي للمدينة. آلاف الاطنان من النفايات السامة تصب سنوياً في البحيرة الكبيرة وتلوث نظاماً بيئياً هشاً تعيش فيه كائنات بحرية مثل المحار الذي ينتهي على اطباق السباكيتي التي يلتهمها السياح ويمتنع عن اكلها اهل المدينة، ومن يشاهد هذا المصنع الكبير للبتروكيماويات، يلاحظ بعينيه المداخن والبراميل الفارغة والابراج الكهربائية حيث مصافي النفط ومصانع البلاستيك. وتؤكد منظمة السلام الاخضر الايطالية بأنه توجد رسوبيات مليئة بمواد الديكسون ومواد اخرى سامة تسبب الكثير من امراض السرطان.