نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري أسماء وسمية بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    استشهاد 43 فلسطينيًا    مركز التنمية الاجتماعية في جازان ينفذ ورشة عمل بعنوان "تجهيز العروس الجيزانية"    رياح نشطة على معظم مناطق المملكة وسحب على جنوبها    أمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    الجمعية العمومية لجمعية الإعاقة السمعية بمنطقة جازان تعقد اجتماعها العادي الأول    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    تأمين ضد سرقة الشطائر في اسكتلندا    ولي العهد يهنئ ألبانيزي بتنصيبه رئيسًا لوزراء أستراليا    أسرار رونالدو!!    برشلونة في مهمة حسم اللقب أمام الجار    ولي العهد وولي عهد أبوظبي يستعرضان العلاقات الثنائية    "منصة "قوى" تعزز توظيف القوى العاملة في السعودية    «جودة الحياة»: زيادة جاذبية المدن السعودية للعيش والاستثمار    انطلاق "هاكاثون الابتكار الصحي الرقمي الأول"    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    في الشباك    كوستا الاتفاق يخضع للجراحة    نباتات عطرية    الإسناد المجتمعي ومعادلة التنمية    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج    10 مسارات إثرائية دعوية في المسجد النبوي    عظيم الشرق الذي لا ينام    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط    تدخل نادر ينقذ مريضة من استئصال الكبد    «الرئاسي الليبي» يدعو للتحلي بالوعي والصبر    واشنطن تعاقب شركات تنقل نفطاً إيرانياً إلى الصين    لا حج إلا بتصريح    لجنة الاستئناف قبل"استئناف"نادي الوحدة وتعيد قضية احتجاجه ضد النصر إلى لجنة الانضباط    «فهارس المخطوطات الأصلية في مدينة حائل»    أدبي المنطقة الشرقية يُكرّم الأمير عبدالعزيز بن سلمان والسفير المعلمي بجائزة «الموقف الأدبي»    فعالية «تراثنا» تبرز الهوية الثقافية للمدينة المنورة    تعليق الحياة ليوم واحد    القبض على (4) مقيمين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بإيهام ضحاياهم بذبح الهدي عنهم مقابل مبلغ مالي    94% زيادة سياحة الأعمال بالأحساء    77% نموا بمطالبات التأمين    صحف وقنوات عالمية تبرز مخرجات القمة السعودية الأمريكية    الشورى يطالب بتفعيل الأطر التشريعية للمحتوى التعليمي الإلكتروني    الوساطة السعودية تنتصر لسوريا برفع العقوبات    برامج توعوية وإرشادية    عماد التقدم    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    ختام ناجح للبطولة العربية للجولف للناشئين والسيدات في القاهرة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    جامعة أم القُرى تكرِّم 27 فائزًا بجائزة جامعة أمِّ القُرى للتَّميُّز لعام 1446ه    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعدما نضب الابداع الذي تمناه ووكر : حلول ثلاثة للقدس قبل أن يخسر كلينتون سباق الزمن
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2000

يزداد كل يوم احتمال خسارة الرئيس بيل كلينتون السباق الذي دخله مع الزمن سعياً الى تحقيق اختراق في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية قبل حول موعد الانتخابات الاميركية في مطلع شهر تشرين الثان نوفمبر المقبل.
لقد حاول كلينتون تسريع السباق عندما دعا الى قمة كامب ديفيد الثانية في تموز يوليو الماضي. و عندما تعثرت المفاوضات المكثفة التي دارت خلالها، لم يكن هناك وقت لالتقاط الانفاس، فقد استؤنفت على الفور الاتصالات المباشرة وغير المباشرة وعلى أكثر من مستوى، وركزت على قضية القدس التي تبين انها العقدة الكبرى بعد أن تعذر الاتفاق على تأجيلها.
وكانت فكرة ارجاء هذه القضية لسنوات عدة، مع اثبات مواقف كل من الطرفين تجاهها في اتفاق يتضمن قضايا التفاوض الاخرى، ممكنة، لولا أنها اصطدمت بتشدد رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك في أن ينص الاتفاق على إنهاء الصراع.
ورغم تباين الروايات في شأن ما تم التفاهم عليه أو الانتهاء منه في قمة كامب ديفيد، كان واضحاً ان قضية القدس هي عقدة العقد. ولا غرابة في ذلك لما تختزنه من رموز عقائدية تختزل أكثر جوانب الصراع العربي - الاسرائيلي حساسية وعاطفية وأوفرها شعبية على الاطلاق.
ولم يكن هذا فقط هو ما تأكد مجدداً منذ اختتام قمة كامب ديفيد يوم 25 تموز يوليو الماضي. كان الأهم منه هو ما أظهرته المفاوضات حول قضية القدس من أنها ربما تحتاج الى معجزة من أجل تسويتها. ولا يقل أهمية ان هذا الادراك لم يكن غائباً عن الوسيط الاميركي الذي سابق الزمن. فعندما انفضت القمة الثلاثية، ارسل كلينتون مساعد وزيرة الخارجية ادوارد ووكر في جولة واسعة النطاق سعياً الى إحتواء أي تطورات يمكن ان تقوض عملية التسوية، وايجاد الاجواء اللازمة لاستئناف المفاوضات بشكل أكثر فاعلية.
وكانت محطة ووكر الأولى في مصر، التي سبق أن استضافته سفيراً لبلاده لديها. وفضلاً عن لقاءاته الرسمية، عقد لقاء مع عدد محدود من السياسيين والمثقفين المصريين بدعوة من السفير الاميركي لدى القاهرة كيرتزر. وخلال المناقشات أعرب ووكر عن أمله في إبداع حل غير تقليدي لمشكلة السيادة على البلدة القديمة التي لا تتجاوز مساحتها كيلو متراً واحداً، وتحتوي على مقدسات اسلامية ومسيحية ويهودية شديدة الاهمية لأبناء الديانات السماوية الثلاث. هذا الحديث عن إبداع حل غير تقليدي أكد الإدراك الاميركي لحجم مشكلة القدس عموماً، والسيادة علي البلدة القديمة التاريخية خصوصاً. لعل هذا يوضح لماذا انصبت الاتصالات والمفاوضات التي اجريت منذ ختام قمة كامب ديفيد على هذه القضية، وكيف أنها استأثرت بالاهتمام كله على مدى أكثر من شهرين بعد تلك القمة. كما أن هذا هو ما يفسر عدم احراز تقدم فيها رغم كثرة الاقتراحات والمشاريع التي طرحت وشملت ربما كل ما يمكن التفكير فيه مع الاقرار بأن الإبداع الانساني لا حدود له.
فعندما يكون الهدف من التفاوض هو البحث عن حل وسط بخصوص مبدأ السيادة، ينصرف التفكير الى أحد حلين وهما اقتسام هذه السيادة وإضفاء طابع دولي عليها أو تدويلها.
غير أنه ثبت عدم امكان الوصول الى تفاهم علي أي من هذين الحلين، إما بسبب التفاصيل أو من حيث المبدأ. فكانت التفاصيل هذه التي عوقت فكرة اقتسام السيادة بعد أن تعذر الاتفاق على من تكون له السيادة على ماذا؟ وفضلاً عن خلاف صغير على السيادة على حي الارمن، برز نزاع أكبر على ما اذا كان حائط البراق المبكى وفق التسمية اليهودية مقدساً أكثر لدى المسلمين أم اليهود. أما الازمة الكبرى فهي في السيادة علي الحرم القدسي الذي يشمل المسجد الاقصي وقبة الصخرة. فمن طباع الامور ان تكون السيادة عليه فلسطينية، ولكن المفاوضين الاسرائيليين اثاروا موضوع هيكل سليمان الذي يعتقد اليهود أنه موجود اسفل هذا الحرم، مطالبين بان تكون السيادة لهم على هذه المنطقة. وظهر هنا اقتراح حل غير تقليدي من النوع الذي حلم به ووكر، ولكنه كان غير عملي وغير عادل أيضاً. وهو اقتسام السيادة رأسياً. فقد قام مبدأ السيادة على اساس أفقي، لأن الدول تجاور بعضها البعض، ولا يكون بعضها فوق الارض والبعض الآخر تحتها، ولذلك لا توجد تقاليد أو معايير قانونية دولية يمكن على أساسها تقسيم السيادة رأسياً، بحيث يكون للفلسطينيين السيادة على ما فوق الارض، فيما تبقى للاسرائيليين السيادة على ما تحت الحرم القدسي. وهذا هو كل ما يمكن قوله اذا أردنا ان نبقى جديين، لأن اكثر منه يحول الاقتراح الى فكاهة إن لم يكن هزلاً.
وهكذا اخذت حلقات أزمة اقتسام السيادة تضيق وتتسع في آن معاً. فبعد أن تركزت الأزمة في البلدة القديمة التي لا تتجاوز مساحتها 1 في المئة من مساحة القدس الحالية، تكاثفت اكثر من منطقة الحرم القدسي التي لا تزيد مساحتها على 12 هكتاراً. ولكن ما كان لضيق نطاق الخلاف على هذا النحو، إلا أن يوسع حجم الأزمة التي صارت مكثفة في أكثر اجزاء القدس قداسة وحساسية.
وهكذا وصل اقتراح اقتسام السيادة الى طريق مسدود. ولم تكن فكرة السيادة الاسلامية - الدولية المشتركة التي طرحت في احدى مراحل الاتصالات إلا تنويعاً باهتاً علي ذلك الاقتراح، ولكن مع إضفاء طابع دولي عليه. ولذلك لم تصمد فكرة السيادة الاسلامية الدولية التي ظهر مدى مفارقتها للواقع، فضلاً عن أنها انطوت على استقطاب لا أساس ولا مبرر له بين المسلمين وباقي العالم.
اما الاقتراب الثاني من الحل الوسط والذي تمثل في تدويل السيادة، فلم يكن افضل حظاً ولا أكثر جدوى في أي من الصيغتين اللتين طرح فيهما. فقد اقترحت احداهما تولي لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الاسلامي السيادة وتفويضها الى الفلسطينيين في ادارة المدينة، فيما ذهبت الاخرى الى اعطاء مجلس الامن الدولي السيادة ووضعها في أيدي الدول الخمس دائمة العضوية فيه وقيام موظفين من هذه الدول بادارة المدينة.
وكما هو واضح، لم يكن ممكناً أن يقبل الفلسطينيون سيادة مجلس الامن، مثلما لم يوافق الاسرائيليون على سيادة لجنة القدس. كما كان من الصعب الجمع بين الصيغتين في اقتراح السيادة الاسلامية الدولية المشتركة الذي كان مزيجاً من فكرتي اقتسام السيادة وتدويلها.
ولم يكن ظهور اقتراح آخر من نوع "السيادة الالهية" إلا تعبيراً عن المدى البعيد الذي بلغه العجز عن ايجاد حل وسط لمشكلة السيادة على القدس القديمة. فهو اقتراح يدل على أزمة حقيقية في الابداع وليس على نجاح في إبداع حلول غير تقليدية، لأسباب اسهبت في توضيحها هيلينا كوبان في مقالتها على هذه الصفحة قبل أيام.
والآن، واذا لم يبق غير ايام على الانتخابات الاميركية، ربما يكون الرئيس كلينتون اقترب من التسليم بخسارته سباق الزمن الذي علق عليه أملاً كبيراً في تحقيق مجد له ينهي به رئاسته وربما حياته السياسية ويحصل بموجبه على جائزة نوبل. وفي هذه الحال، سيكون على المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين ان يدخلوا غرفة انتظار شهوراً عدة الى أن تبدأ الادارة الاميركية المقبلة في توجيه انظارها الى عملية السلام مجدداً.
ولا يخفي أن هذه الشهور يمكن أن تكون حبلى بتطورات قد تجعل استئناف هذه العملية أكثر صعوبة. فليس معروفاً كيف ستعالج القيادة الفلسطينية قضية إعلان الدولة اعتباراً من تشرين الثاني نوفمبر المقبل ولا التداعيات التي يمكن ان تترتب على هذا المعاجلة، ولا المصير الذي ينتظر باراك اذا اقرت الكنيست مشروع القرار الخاص بتبكير موعد الانتخابات بعد أن اجيز في قراءة اولى قبل الاجازة الصيفية.
هذا السيناريو الاسوأ يصعب تجنبه اذا ظلت الادارة الاميركية الحالية تراهن، في ايامها القليلة الباقية، على الابداع في ايجاد حل وسط لمشكلة القدس، او حتى اذا لجأت الى اتفاق مرحلي آخر. فالإبداع ينصب معينه حين يكون في غير محله أو عندما يبحث عن المستحيل. اما الحل الممكن والذي لا يحتاج إلى إبداع فهو لا يخرج عن ثلاث صيغات تقليدية: أولها أن يكون باراك شجاعاً ويقر بأن اقتسام السيادة يعني سيادة فلسطينية على القدس الشرقية كاملة في مقابل سيادة اسرائيل على القدس الغربية. وثانيها أن يتم تدويل القدس كاملة شرقها وغربها، وليس الشق الشرقي فقط، وفقا لقرار الجمعية العامة الرقم 181 لسنة 1947، مع تعديل يقضي بأن تفوّض الأمم المتحدة إسرائيل في إدارة القدس الغربية وفلسطين في إدارة القدس الشرقية، وتعتبر القدس المدولة عاصمة للدولتين.
أما الصيغة الثالثة فهي تأجيل موضوع القدس برمته واعادة التفاوض عليه بعد خمس سنوات، املاً في أن تكون الظروف أفضل ولكن بشرطين هما عدم النص على إنهاء الصراع في الاتفاق الذي سيتم توقيعه، وفرض رقابة دولية صارمة على القدس الشرقية لضمان عدم اتخاذ اسرائيل أي إجراء من جانب واحد فيها خلال فترة التأجيل.
* مساعد مدير مركز "الاهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.