صوت السويسريون أخيراً على مبادرة شعبية تطرح للتصويت للمرة السادسة في غضون ثلاثين عاماً تدعو إلى الحد من عدد الأجانب المقيمين في سويسرا، وذلك على رغم معارضة الحكومة المبادرة التي استطاع اصحابها جمع مئة الف صوت، وكانت النتيجة متوقعة نظراً للتغيب الشديد، اذ بلغت نسبة المشاركة أقل من 30 في المئة. ولم يحصل مشروع القانون سوى على 39 صوتاً مؤيداً ورفضه أكثر من 60 صوتاً بحسب النتائج الأولية التي أعلنت بعد الساعة الرابعة عشرة بعد إغلاق صناديق الاستفتاء في الساعة الثانية عشرة بالتوقيت المحلي. وكانت مبادرات سابقة منيت بالفشل عندما تقدمت المبادرة الاولى عام 1974 وأطلق عليها اسم مبادرة "شازن باخ" وكانت نتيجتها 66 في المئة بالرفض، والمبادرة الثانية عام 1977 بلغت نسبة الرفض فيها 5،70 في المئة والثالثة عام 1988 حيث بلغت النسبة 67 في المئة كما جرت مبادرة اخرى منيت بالفشل. وكانت أحزاب اليمين دعت الى هذه المبادرة عام 1995 عندما نجح بعض النواب في جمع مئة صوت، لكن الحكومة الفدرالية بموجب الدستور ملزمة بالإجابة عن أي مبادرة شعبية، فردت الحكومة بعد سنتين عام 1997 وتمت دراسة المشروع القاضي بخفض عدد الأجانب الى 18 في المئة، حيث يعيش في سويسرا ما يقارب المليون و300 الف أجنبي من اصل 7 ملايين نسمة. ويقول دعاة المبادرة إن خفض عدد الأجانب في سويسرا من 3،19 في المئة حالياً الى 18 في المئة حاجة ملحة نظراً لارتفاع عددهم بالقياس الى الدول الأوروبية المجاورة، فمثلاً في النمسا وبلجيكا تبلغ نسبة الأجانب 9 في المئة وفي ألمانيا 5،8 في المئة وفي فرنسا 5،6 في المئة. وازداد عدد الأجانب منذ الحرب العالمية الثانية في سويسرا من 6 الى 16 في المئة. وتعتبر سويسرا من أغنى دول العالم بحسب إحصاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اذ يبلغ متوسط دخل الفرد ما يعادل 40 الف دولار وتأتي في المرتبة الأولى قبل النروج واليابان والدانمارك والولايات المتحدة الأميركية. عارضت وزارة الخارجية هذه المبادرة وقال مسؤول في الوزارة ان المبادرة من شأنها ان تسيء الى صورة سويسرا في الخارج كما تتناقض مع الاتفاقيات المبرمة مع دول اتحاد اوروبا والقاضية بتسهيل حركة الاشخاص والعمال الاوروبيين، إلا ان عدد الأجانب تزايد في سويسرا خلال السنوات الاربع الماضية، ففي 1999 دخل سويسرا ما يعادل 85 الف اجنبي وخرج منها 65 الفاً أي بزيادة سنوية تراوح بين 20 و25 الفاً. وكان نص مشروع القانون "هل توافق على تحديد نسبة الأجانب المقيمين في البلاد الى 18 في المئة". وعرّف المشروع من هم الأجانب اذ لا يعتبر في عداد الاجانب العمال المياومون الذين يعيشون في المناطق الحدودية المجاورة ولا الموسميون وابناء الموظفين الدوليين، اذ تعيش في جنيف نسبة كبيرة من الاجانب قد تصل الى 40 في المئة. لكن السلطات السويسرية تمنح الإقامة الموقتة في بعض الحالات لاسباب انسانية. وازداد عدد المهاجرين خلال السنوات العشر الماضية نتيجة احداث البوسنة وكوسوفو. وقبلت سويسرا عدداً كبيراً من هؤلاء، الا انها رحّلت ما يقارب 30 الف لاجئ بوسني ومن كوسوفو بعد الانتخابات التي اجريت في البوسنة عام 1977. ويحظى الاجانب بعد إقامة دائمة في سويسرا لمدة اثني عشر عاماً بحق الحصول على الجنسية السويسرية. لا شك في ان نتائج الاستفتاء كانت متوقعة اذ حذرت السلطات من مغبة الانجرار وراء الأفكار المتطرفة اليمينية. وتضاعف عدد الجالية العربية والاسلامية في سويسرا ثلاث مرات منذ عشر سنوات فبلغ عددها بين 180 - 200 الف مهاجر تعيش غالبيتهم في المدن الكبرى مثل زوريخ وبرن ولوزان وفي القطاع الفرنسي حيث يقيم في جنيف اكثر من 16 الف مسلم في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 300 الف نسمة منهم 8500 حاصلين على إقامة نظامية. تتكون الجالية الاسلامية من 70 في المئة من الاتراك في القطاع الألماني ولا تتجاوز نسبة الدول العربية المشرقية منها 7 في المئة والباقي من دول المغرب العربي وآسيا. وأشارت الاحصاءات البيانية للجوء من الهيئة الفدرالية للهجرة الى ان عدد المسجلين لطلب اللجوء 41629، وقد هبط هذا الرقم عام 1998 الى 41302. أما عن أعداد عام 1991 فيشار الى انه في عام 1970 لم يكن يتجاوز عدد اللاجئين ال20 الف لاجئ وقد بلغ عام 1990 حوالى 100 الف لاجئ الى ان وصل عام 1998 الى 155 الفاً وهذا الرقم يمثل 22 في المئة من عدد السكان الاجانب المقيمين في سويسرا ويبلغ 3،1 مليون نسمة. تحاول الجاليات العربية جاهدة الاندماج والتكيف مع المجتمع الغربي في سبيل العيش الكريم في ظروف صعبة، فالمجتمع السويسري كبقية المجتمعات الغربية يعاني مشكلات اجتماعية واقتصادية كثيرة، واذا عدنا الى استعراض مشكلات هذه الجالية نجد ان في طليعتها مشكلة التعليم وخصوصاً تعليم اللغة العربية لأبنائها، ففي مدينة جنيف استوعبت المؤسسة الثقافية الاسلامية هذه المسألة بجدية حينما افتتحت صفوفاً لتعليم اللغة العربية والتعريف بالثقافة الاسلامية حيث يوجد في المؤسسة مكتبة تحتوي على 2000 كتاب أغلبها مراجع اسلامية وتاريخية وكتب حديثة عن تعليم اللغة العربية، كما توجد مدرسة تستوعب 800 تلميذ للمرحلة الابتدائية يتلقون دروس اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، وذلك ضمن اربعة مستويات. وتعتبر الدروس طوعية مجانية وتفتقر الى الكادر التعليمي المدرّب والمؤهل. ويعاني القائمون على العمل فيها ضيق الوقت وعدد الايام التي يدرسون فيها العربية يومي الاربعاء والسبت، وهناك مشروع قيد الدرس لانشاء مدرسة خارج إطار المؤسسة، يتلقى فيها التلميذ كل العلوم، باللغات الاجنبية إضافة الى العربية والتربية الاسلامية. ومن المشكلات الاجتماعية: الزواج والاختلاط والحصول على الجنسية ومواجهة سياسة الابعاد والتمييز اذ تعاني الجالية العربية تباعد سبل التواصل في ما بينها وارتباطها بموطنها الاصلي، ولعل هذه السمة مشتركة بين الجاليات الاجنبية الاخرى، ويعاني ابناء الجالية العربية مشكلة الزواج من الاجنبيات وعقود الزواج التي يلجأ اليها الشباب في اغلب الاحيان بقصد الحصول على الإقامة وتثبيت أوضاعهم، ذلك تنجم عن هذه الزيجات مشكلات تتعقد بعد انجاب الاولاد نظراً لاختلاف العقلية والتباعد الثقافي. وأشارت الإحصاءات الى ان نسبة 10 الى 15 في المئة من هذه الزيجات تكلل بالنجاح اذا كان الزوج الشرقي في وضع مستقر وعلى درجة من الثقافة والتأهيل تمكنه من التوازن في علاقاته مع زوجته الغربية وتربية اولاده تربية سليمة مبنية على احترام الابوين تطبيقاً للعقلية الشرقية، لكن ذلك لا يكون الا على حساب اللغة فإذا لم يواصل الوالد تعليم اولاده اللغة العربية وتنشئتهم على أسس اسلامية صحيحة يجد نفسه غريباً بين اولاده الذين تلقوا تعليمهم في المدارس السويسرية وزوجته الغربية. ولتصحيح هذه العلاقة وإعادة التوازن يلجأ كثير من الآباء الى احضار أقارب لهم ويشجعون اولادهم على قضاء عطل الصيف عند ذويهم في البلد الاصلي لاكتساب اللغة وصلة الرحم وخلق نوع من التآلف بين الاطفال والمجتمع العربي وليتم التعويض عن فقدان الأجواء الشرقية. وكثير من العائلات تمكنت من تحقيق التوازن في علاقاتها بين المجتمع الشرقي والمجتمع الغربي. وفي جنيف هناك بعض النوادي والروابط الثقافية كرابطة المشرق العربي والرابطة المصرية والرابطة اللبنانية وكلها نواد تسهم في اعداد برامج ثقافية واجتماعية من شأنها مساعدة أبناء الجالية على الإندماج والتعارف ومد جسور بين مجتمع البلد المضيف واصولها العربية من خلال المعارض والرحلات والأمسيات. وعلى سبيل المثال تنظم رابطة المشرق العربي التي تضم الجاليات العربية من دول شرق اوسطية مثل سورية ولبنان والعراق وفلسطين والاردن رحلات مشتركة الى دول المشرق، وهناك أيضاً رابطة مغاربية كنادي الديوان وهو عبارة عن مكتبة عربية وقاعة عرض للفنون، كثيراً ما تستضيف هذه الروابط اساتذة محاضرين وفنانين من العالم العربي. أما بخصوص اجراءات استيعاب الاجانب في سويسرا فلجأت السلطات السويسرية في محاولات عدة الى الحد من الهجرة غير النظامية واتبعت اسلوب الترحيل القسري لإقامة الاجانب وحددت كوتا لمنح رخص الاقامة النظامية مع مراعاة الاختصاصات والمؤهلات. ومن ناحية اخرى أشارت إحصاءات إدارة الهجرة الفدرالية الى ان سويسرا انخفض فيها عدد الوافدين خلال السنوات الثلاث الماضية باستثناء المهاجرين الوافدين من البوسنة وكوسوفو نتيجة الازمات التي عرفتها مناطق وسط اوروبا ويوغوسلافيا السابقة. اما عن شروط منح الجنسية للاجانب المقيمين بصورة نظامية فشرط اكتساب الجنسية بالنسبة الى المتزوجين من سويسريين او سويسريات إقامة 5 سنوات مع حياة زوجية مستمرة لا تقل عن ثلاث سنوات. وأشارت المصادر نفسها الى ان اكثر من 390 الف طفل وشاب من ابناء الجاليات الاجنبية، في عمر اقل من 25 سنة ترعرعوا في سويسرا. أما في ما يتعلق بعقود الزواج بين المسلمين فتقوم المؤسسة الثقافية الاسلامية بدور المحكمة الشرعية بإبرام عقود الزواج بعد موافقة السلطات المحلية، اي تسجيل الزواج مدنياً في البلدية بعد توافق شروط الإقامة. وكثيراً ما تعالج المؤسسة مشكلات ناجمة عن زواج غير متكافئ وعن طلاق ونحوه وتسدي النصح والارشاد للأزواج حول العقود المبرمة وما يترتب عليها. وبرزت في الآونة الاخيرة قضية مقابر المسلمين عندما لم تسمح السلطات البلدية في جنيف للمسلمين بدفن امواتهم في المقبرة الوحيدة في حي الساكونية. واثارت هذه المشكلة لغطاً كبيراً اذ اجتمعت الروابط الاسلامية بانتظار الموافقة على شراء ارض جديدة وتخصيصها لتكون مقبرة للمسلمين حيث تنص القوانين على ان المتوفي يفقد بعد خمس سنوات حق التربة ويحق للبلدية اذا لم يجدد اهل المتوفي دفع الرسوم المتراوحة بين 5000 و10 آلاف فرنك باستخدام القبر وبيع تربته لمتوفٍ آخر. وهكذا لا تزال تلك القضية مثار بحث بين الروابط الاسلامية والسلطات. ومع تقدم وسائل الاتصالات وظهور الفضائيات اصبحت الجالية العربية اكثر اطلاعاً فلم تكن تلتقط سوى اذاعة الشرق في جنيف وهي الاذاعة العربية الوحيدة التي تبث برامجها بالعربية من باريس وتوزع الصحف العربية المهاجرة، ولا يوجد صحيفة ناطقة بالعربية تصدر في جنيف باستثناء بعض النشرات الدورية التي تصدرها بعض الروابط الثقافية وكثيراً ما تشكو الجالية العربية من هذا النقص مطالبة السفراء العرب بتشكيل معهد للدراسات العربية او اصدار مجلة او صحيفة لان إذاعة الشرق لا تسمع خارج جنيف.