التقنية تسيطر على مستقبل الأعمال    تاسي والبتروكيماويات أسبوع سيولة وتقلبات محتملة    مفتاح الازدهار    نيوم يتغلب على الخلود بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    حين يرى المتحف بعيون الجميع..    حروف راقصة    الأخضر يواجه كوت ديفوار والجزائر ودياً في جدة    خطة سلام محتملة لأوكرانيا: تجميد المواجهة وخارطة طريق غامضة    الأهلي يتعثر بالتعادل مع الرياض في دوري روشن    اختتام ملتقى تهامة عسير في التاريخ والآثار بعد يومين من الحضور العلمي والثقافي    «سلمان للإغاثة» يوزّع (3.610) سلال غذائية بإقليمين في باكستان    المملكة تواصل توزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة    وزارة الإعلام تختتم مشاركتها في ملتقى الصحة العالمي 2025 بمساحة «جسر الإعلام»    سبب استبعاد سافيتش من لقاء الهلال والشباب    تطبيق الدوام الشتوي في مدارس الرياض ابتداءً من يوم الأحد المقبل    الأمم المتحدة: خطر الفظائع الجماعية في السودان مرتفع    البرلمان العربي و«بارلاتينو» يدعوان إلى محاسبة الاحتلال ودعم إعادة إعمار غزة    تركي بن محمد بن فهد يزور محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    قبل مباراة الهلال والشباب.. كفة إنزاغي وألغاوسيل مُتعادلة    اتفاقية تعاون بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية ومجلس الضمان الصحي لتعزيز جودة الرعاية    وزير الحرس الوطني يستقبل القائم بالأعمال في سفارة أميركا    نائب أمير مكة يستقبل نائب الرئيس الصيني ويبحثان تعزيز التعاون المشترك    فيصل بن فرحان ووزير خارجية أوروغواي يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    " الحمدي" يزور مركز نوفا الصحي بجازان ويشيد بالخدمات النوعية في مجال التغذية العلاجية    3 % ارتفاع الطلب العالمي على الذهب    رونالدو يترك حلم اللعب مع نجله في النصر إلى قرار اللاعب    90 طالبًا وطالبة من "الجمعيّة الأولى " يتدرّبون على الموسيقى في المركز السعودي بجدة    الديوان الملكي: وفاة الأمير خالد بن محمد بن تركي آل سعود    ميزانية المملكة للربع الثالث: الإيرادات 269.9 مليار ريال والمصروفات 358.4 مليار ريال    أمير تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى الدكتور عطية العطوي    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم منتدى المجلس الاستشاري الدولي تحت شعار: "رؤى عالميَّة لمستقبل رائد"    إطلاق اسم الأمير خالد الفيصل على مركز الأبحاث ومبنى كلية القانون بجامعة الفيصل    مفتي عام المملكة يستقبل أعضاء هيئة كبار العلماء    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    تجمع المدينة يطلق أول مختبر للرعاية الأولية في المملكة    لندن تحتضن معرضا مصورا للأميرة البريطانية أليس خلال زيارتها للسعودية عام 1938    دراسة: نقص الأوكسجين يعطل جهاز المناعة ويزيد مخاطر العدوى    سد وادي بيش.. معلم مائي واستراتيجي في جازان    حسين بن عايض آل حمد في ذمة الله    وزير "الشؤون الإسلامية" يُدشِّن مشاريع بأكثر من 74 مليون بمنطقة الباحة    فيرتكس ووزارة الصحة السعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز رعاية مرضى اضطرابات الدم    أفراح الصعيدي وبالعمش    كسوف كلي يظلم العالم عام 2027    راشد الماجد يطلق أغنيته الجديدة «من عرفتك»    مختص: «السماك» يزين سماء السعودية ل13 يوماً    منافسات سباقات الحواجز تواصل تألقها في بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ 2025    «شرطي» يقتل زوجته السابقة وينتحر    أكد الدور الاقتصادي للشركات العائلية.. وزير الاستثمار: 3 تريليونات دولار قيمة سوق المال السعودي    وسط تصعيد عسكري وتحذيرات من الرد على أي خرق.. إسرائيل تعلن استئناف وقف النار في غزة    فشل محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان    "الخدمات الطبية" بوزارة الداخلية تستعرض تجربة صحية متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج    المرافق العامة مرآة الوعي    مركز التميّز للعيون.. نموذج وطني متكامل    إنزال الناس منازلهم    دارفور تتحول إلى مركز نفوذ جديد وسط تصاعد الانقسامات في السودان    أمير جازان يستقبل مواطنا تنازل عن قاتل والده لوجه الله    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بترول سنة 2000 : الحقائق الغائبة
نشر في الحياة يوم 01 - 10 - 2000

في سياق الأزمة الاخيرة عن البترول وأسعاره وكمياته خرجت صحيفة خليجية رصينة بمقال افتتاحي خلاصته هذا التساؤل: ماذا لو كان احتياطي البترول تتقاسمه اليابان والصين وأميركا وألمانيا؟ هل كانت ستطاله الاتهامات التي تجعل دول "اوبك" مجال اتهام... واحتقار أحياناً.. ام ان قوانين اخرى مختلفة كانت ستسود ويبقى البترول ضمن السلع المتداولة في السوق العالمي.. خاضعاً للعرض والطلب وفق مبادئ الحريات الاقتصادية وتبادل المصالح بين قوى تتساوى بالقوة والضغط؟
هذا التساؤل في صلب الازمة، فالدول الصناعية الكبرى تتصرف في مواجهة دول البترول بمنطق، او اللا منطق، الخاص بالقوة في مواجهة الضعيف، وبتلك الصفة هي تلفق للازمة تشخيصاً بالغ التضليل، والبعض في صفوفنا يقوم - بكل أسف وجهل وعدم تربص - باعادة تسويق هذا التضليل، فلو كانت المواجهة تدور بين منتجي البترول ومستهلكيه، فإن أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "اوبك" هم فقط نصف القوة الانتاجية العالمية للبترول، والدول المنتجة خارج المنظمة اكثر منها داخلها، الولايات المتحدة والمكسيك وروسيا والنرويج وبريطانيا هنا مجرد أمثلة، فلو كان بترول "أوبك" مرتفع السعر حقاً فلماذا لا يضاعف الآخرون انتاجهم؟
مع ذلك فحتى الهجوم على دول "ابوك" يتم اختزاله عملياً ليصبح هجوماً على دول الخليج تحديداً، هذه الدول الست مجتمعه، لو افترضنا استمرار سعر برميل البترول عند مستوى 37 دولاراً أو حتى أربعين دولاراً، فإن اجمالي دخلها القومي السنوي من البترول سيظل أقل من اجمالي الدخل القومي السنوي لدولة اوروبية واحدة بحجم بلجيكا.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن الاعلام الغربي يركز فقط على فكرة أن وصول سعر البترول الخام إلى مستوى 37 دولاراً للبرميل يعني أنه تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال أقل من سنتين. أما الوجه الآخر للحقيقة نفسها فهو أن سعر 37 دولاراً للبرميل الآن في سنة 2000 يظل في قيمته الفعلية اقل بنسبة الثلث مما كان عليه قبل عشر سنوات.
والحقيقة الرابعة في الموضوع كما تبين اخيرا هي ان الزيادة في سعر البترول خلال الشهر الاخير ليست من عمل دول البترول اصلاً، فكما اوضح وزير بترول فنزويلا فان ثمانية دولارات على الاقل من هذه الزيادة في سعر البرميل تذهب مباشرة الى جيوب المضاربين في الاسواق الدولية، وهم الظاهرة الجديدة التي انتجتها "العولمة" وتسببت قبل سنتين في خراب دول جنوب شرق آسيا فتحولت ما بين عشية وضحاها من نمور اقتصادية الى فئران مذعورة تبيع مؤسساتها الوطنية بسعر التراب.
والحقيقة الخامسة هي أن دول البترول حتى إذا كانت تبيع بترولها بسعر 37 دولاراً للبرميل فإن دول الشمال الغنية تفرض عليه ضريبة مزدوجة، تفرض عليه أولاً ضريبة كبترول خام فيصل سعره الى 96 دولاراً للبرميل، ثم تفرض ضريبة اخرى على مشتقات البترول بعد تكريره فيصبح سعر البرميل في نهاية المطاف مائة واربعين دولاراً. ولو طبقنا فكرة حرية التجارة واقتصاد السوق والعرض والطلب - وهي المواعظ التي تلح بها الدول الغنية على دول الجنوب الفقيرة صباح مساء - فأن هذا يعني أن السعر التجاري الحقيقي لبرميل البترول هو 96 دولاراً في حالته الخام التي تصدره بها الدول المنتجة. أما لو قامت تلك الدول ببيع بترولها الخام هذا مكرراً - وهو غير المسموح به لها اطلاقاً - اذن تصبح حصيلتها من بيع البرميل المكرر هو مئة واربعين دولاراً.
والحقيقة السادسة حتي الآن هي انه حينما انهار سعر البترول الخام الي مستوى اقل من عشرة دولارات للبرميل في كانون الاول ديسمبر 1998 لم يستفد المستهلك الغربي من هذا الانهيار اصلاً لأن حكوماته وشركاته استمرت تفرض ضرائب متزايدة تستخدمها في دعم اقتصادها وبرامجها الاجتماعية وارباحها على حساب خراب اقتصاد دول البترول وبرامجها الاجتماعية، حكومة حزب المال البريطانية مثلاً، والتي كانت الاعلى صوتا اخيراً في الهجوم على دول البترول التي تقصد بها عمليا دول الخليج زادت ضرائبها على مشتقات البترول منذ مجيئها الى السلطة في سنة 1997 بنسبة 42 في المئة، في نفس الفترة عانت دول البترول تراجعاً في مواردها، من السعودية الى ايران الى دول غير اعضاء في "اوبك" مثل روسيا والمكسيك، السعودية مثلاً اضطرت الى اقتراض اموال ضخمة وممارسة سياسة تقشفية صارمة على حساب الالتزامات الاجتماعية، الحكومات في نيجيريا وفنزويلا والجزائر واندونيسيا تحولت متاعبها الاقتصادية الى انشقاقات اجتماعية بالغة الخطورة.
ولقد كان رئيس وزراء ايطاليا هو الوحيد في سياق الازمة الاخيرة الذي خرج بنقد ذاتي قال فيه: "ان الدول المستهلكة هي التي جلبت على نفسها ازمة الوقود الحالية، والدول الاعضاء في منظمة اوبك هي دول نامية تعتمد على مبيعات بترولها، لكننا في الدول المتقدمة لم نفعل لها شيئاً حينما انخفضت الاسعار الى عشرة دولارات للبرميل".
وكانت جريدة غربية واحدة هي التي ذكرت على استحياء شديد أن نصيب دول البترول في سعر لتر البنزين الذي يشتريه المستهلك لا يتجاوز 16 في المئة، اما الباقي - وهو 84 في المئة من السعر - فيذهب الى خزائن الحكومات والشركات المستوردة.
في المقابل خرجت معظم حكومات الدول المستوردة الغنية برد فعل متناغم خلاصته "لن نخفض ضرائبنا على البترول ونصر على ان دول الخليج مسؤولة عن اعادة سعر البرميل الى عشرين دولاراً"، بل ان وزير الخزانة في دولة اوروبية قال بصريح العبارة "لا يمكننا تمويل حسابات الشيوخ - يقصد شيوخ البترول - من ميزانياتنا العامة" بينما الحقيقة المجردة هي ان دول البترول هي في واقع الامر الذي تقوم بتمويل الميزانيات العامة للدول المستوردة في بريطانيا مثلاً - الاعلى صوتا في مهاجمة دول البترول - تحصل الحكومة على 22 بليون جنيه استرليني سنوياً من ضرائبها الاضافية التي تفرضها على الوقود البترولي او ما يساوي 6 في المئة من اجمالي عائدات الحكومة.
وقد بلغت ضراوة الحملة الاعلامية الغربية ضد دول البترول الى حد أن احدى الدول البترولية انطلقت مذعورة في حملة اعلانية مدفوعة تبشر فيها الدول المستوردة بأنها - أي دولة البترول - بدأت تفكر في اعطاء دور أكبر في اقتصادها لشركات البترول الغربية، تلك الشركات الغربية بدورها تطلب اخيرا اضافة شرط جديد في عقود الاستكشاف التي تسعى اليها هو ان يخرج البترول الجديد المستكشف من نطاق الخضوع لقرارات منظمة "اوبك".
هذا لا يعني بالمرة ان دول "اوبك" بلا خطايا، والذنب الاول هنا هو ان منظمة "اوبك" من البداية اختارت ان تكون المحامي الافشل عن القضية الاعدل، طوال 14 سنة بعد انشائها في سنة 1960 تصرفت "اوبك" باعتبارها الحائط المائل في المعادلة، ولعشر سنوات بعد سنة 1974 تصرفت "اوبك" بتكبر وغطرسة، واعتباراً من سنة 1985 عادت "اوبك" تتأرجح ما بين موقف التبرير والدفاع الخجول عن النفس، وموقف الخرس الكامل.
في مسألة "ضريبة الكربون" مثلاً التي بدأت الدول المستوردة الغنية في اختراعها منذ اوائل التسعينات تعاملت معها "اوبك" على استحياء شديد، كما لو كانت مجرد مسألة فنية يقتصر بحثها على الاجتماعات الحكومية مع المستوردين، لم تفكر "اوبك" ابداً في الالحاح بقضيتها على الرأي العام... وشرحها مرة بعد مرة بحقائق مجردة واسلوب مبسط يفهمه رجل الشارع.
وفي الصيف الماضي مثلا كنت ضيفاً مع مسؤول كبير في "اوبك" في برنامج اذاعته محطة "بي.بي.سي" طوال البرنامج لم يتطرق مسؤول "اوبك" بالمرة الى قضية الضرائب الباهظة المفروضة في الغرب على البترول ومشتقاته، وحينما طرحت عليه في الدقيقة الاخيرة من البرنامج بعض الارقام المتاحة، كان رده هو: معك الحق.
والمشكلة المستمرة الآن هي أن دول "اوبك" هي التي معها الحق، انما لكي تشرح هذا الحق يجب ان تتحرك، بموضوعية ومهنية وخبرة، نحو الرأي العام الغربي، هذا الرأي العام تحركت بعض شرائحة اخيراً ضد حكوماتها بدافع من المصلحة الذاتية المباشرة، وبغير اي فضل تدعيه "اوبك" لنفسها.
* نائب رئيس التحرير "اخبار اليوم" القاهرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.