الشاعر الافريقي بنجامين مولويز ليس أشهر شعراء افريقيا السوداء وهو - بالتأكيد - ليس أبلغهم... وليس أكثرهم ذيوعاً... وانتشاراً... أو أغزرهم إنتاجاً. لم يرشحه أحد لجائزة "نوبل" في الآداب، ولم تحتف به "الارستقراطية" الأدبية في "باريس"... أو "لندن" أو "نيويورك". ولم يتزاحم المعجبون، وتتهافت المعجبات على المقهى الذي يرتاده، أو "السوبرماركت" الذي يتسوق فيه. لكي ينعموا بنظرة منه، أو يحصلوا على توقيعه. لكن بنجامين مولويز رغم ذلك كله شاعر انساني... وعالمي... بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. لأنه - أخيراً - قال "كلمته"، وحرّك لسانه ب"حروفها"، ونقل خواطره بين "أفكارها" وعض على "حركاتها" بنواجذه... حتى رمقه الاخير. ولأنه - ثانياً - شاعر قال... وشاعر فعل، وكانت "المسافة" بين "القول" و"الفعل" في حياته... متضائلة... متناقصة... حتى توحدت "الفكرة" مع "الموقف". وتلاشت الحدود بين "الرقة" العاطفية الشعرية والنضال السياسي الذي اتخذه - عن قصد وإصرار منهجاً له. ولأنه - أولاً - وقبل كل شيء - شاعر ناضل - حتى النفس الأخير - ضد أعتى قوى الطغيان والاستبداد العنصري التي تجسّدت... وتمثّلت في "دولة" ... جنوب افريقيا ب"قوانينها" و"مؤسساتها". وهكذا: لأنه شاعر التزم "كلمته" حتى حركتها الاخيرة. ولأنه شاعر قال... وفعل... ومضى، ولأنه شاعر حرّ ... مناضل... ضد قوى الطغيان العنصري... وجبروته، يحق لنا... ويحق له - دون قيد أو شرط... أو منّة... أن نتحدث اليوم عنه ونذكره... وننعته ب"الانسانية" و"العالمية" قبل أن يضع العنصريون... حبل المشنقة حول عنقه... كان "بنجامين" يقول: ان عاصفة الطغيان تهب مُدوِّية... ولكن سيتبعها مطر دمي منهمر فيقي ثرى وطني حيث ستنبت براعم الحرية، وكم أنا فخور للتضحية بحياتي. وعاصفة الاضطهاد العنصري - في جنوب افريقيا التي تحدث عنها "بنجامين مولويز"... في "مزاميره" كانت تتمثل في النظام العنصري الكريه الذي ظل تحت سمع العالم "المتحضر" وبصره... يمارس "تجاوزاته"... وتحدياته للضمير والكرامة الانسانية... لعشرات السنين. كان نظاماً منتناً يقوم على فكرة سيادة "الرجل الابيض"... وتفوقه... وحقه المطلق في أن يحكم البلاد، ويستذل العباد... ويقنعهم بأنهم متخلفون ثقافياً... وعقلياً، وأنهم غير قادرين - وراثياً - على حكم أنفسهم وادارة امورهم. لكن هذا النظام لم يلبث ان تهاوى عندما استيقظ "الانسان" وانتفض - في حركة تحررية، انسانية عارمة - وألقى بالنظام العنصري في سلة مهملات التاريخ. ونبتت براعم الحرية التي سقاها مولويز... دَمَهُ.