سيسكو جاهز للعب وأموريم يتطلع لعودة يونايتد للمشاركة الأوروبية    تطبيق نظام "حضوري" لضبط دوام منسوبي المدارس في 13 منطقة تعليمية    وزير الصحة يبدأ زيارة رسمية إلى أستراليا    تكليف الدكتور محمد الغزواني مساعدًا لمدير تعليم الحدود الشمالية للشؤون التعليمية    الذهب يرتفع بفعل ضعف الدولار رغم التراجع الأسبوعي    إحباط تهريب 28.9 كجم كوكايين بميناء جدة    مستشفى جازان العام وجمعية التغذية العلاجية يحتفيان بأسبوع الرضاعة الطبيعية    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته على فترتين لرفع الجاهزية الفنية والبدنية    الشيخ عبدالله البعيجان: استقبلوا العام الدراسي بالجد والعمل    بايرن ميونيخ يؤكد اقتراب النصر من ضم كومان    الشيخ بندر بليلة: احذروا التذمر من الحر فهو اعتراض على قضاء الله    خادم الحرمين الشرفين وولي العهد يهنئان رئيس الكونغو بذكرى الاستقلال    جامعة جازان تعلن نتائج القبول في برامج الدراسات العليا للفترة الثانية    أمين جازان يتفقد مشاريع التدخل الحضري ويشدّد على تسريع الإنجاز    قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين اليوم    رئيس كوريا الجنوبية يدعو إلى تخفيف التوترات مع كوريا الشمالية    امطار على الجنوب و حرارة على مناطق المدينة والشرقية    مقصورة السويلم تستضيف المهتم بعلوم النباتات عبدالله البراك"    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين موافقة حكومة الاحتلال الإسرائيلي على خطة بناء مستوطنات جديدة    اقتصاد اليابان ينمو بأكبر من المتوقع    بيع 3 صقور ب 214 ألف ريال    المملكة توزّع (600) سلة غذائية في البقاع بلبنان    رسمياً .. العبسي اتحادياً حتى 2029    الاستثمار الأهم    الهلال يختتم المرحلة الأولى من برنامجه الإعدادي في ألمانيا    النوم عند المراهقين    السعال الديكي يجتاح اليابان وأوروبا    الهلال يكسب ودية" فالدهوف مانهايم"الألماني بثلاثية    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    اليوم الدولي للشباب تحت شعار"شبابُنا أملٌ واعد" بمسرح مركز التنمية الاجتماعية بجازان    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.1% خلال شهر يوليو 2025    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    موسكو تقلل من أهمية التحركات الأوروبية.. زيلينسكي في برلين لبحث القمة الأمريكية – الروسية    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    موجز    تمكين المدرسة من خلال تقليص المستويات الإدارية.. البنيان: 50 مليار ريال حجم الفرص الاستثمارية بقطاع التعليم    الإطاحة ب 13 مخالفاً وإحباط تهريب 293 كجم من القات    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان فرص التعاون    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    متحدثون.. لا يتحدثون    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    استخراج هاتف من معدة مريض    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آمال لعراق سنة 2020
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 1999

العراق في العام 2020. يستخدم اطباء العيون التعبير 20/20 للاشارة الى الرؤية الكاملة. وإذ يؤسفني انني لن استطيع النظر الى المستقبل بالكثير من الوضوح، ففي امكاني على الأقل التعبير عن الأمل بأن عالم 2020 سيكون أفضل من عالم اليوم.
ماذا نجد عندما ننظر حولنا الآن؟ اننا نرى عالماً يعاني فيه الكثيرون من أقسى درجات الفقر فيما تنعم الاقلية بقدرات استهلاكية من دون حدود، عالماً يخنقه التكاثر السكاني والكوارث البيئية، ويفلت فيه التعصب القبلي من السيطرة مجسدا نفسه في العنصرية والتطرف الديني والأوهام القومية عن التفوق. انه عالم المطامح الطائشة والمصالح الذاتية الضيقة وما تطلقه من الحروب وأعمال القتل والابادة والتطهير العرقي التي تطاول الملايين من البشر.
هذه هي الصورة القاتمة لعالمنا المعاصر، الذي نال العراق فيه حصته من التعاسة والألم، بفعل ديكتاتورية وحشية فاسدة ذات سجل فريد في الفشل. لكننا نأمل بأن نرى العراق في 2020 وقد توصل الى حلول مرضية لكل المشاكل التي ورثها عن عقود من التخبط السلطوي، الذي حوّله من دولة كانت من الأكثر تقدماً ورخاء بين الدول النامية الى واحدة من الأفقر، بمجتمع يقف على حافة الدمار وشعب يديم نفسه على مستوى لا يزيد على الكفاف. الأمل بأن نرى عراق 2020، بعدما تخلص من العبء الباهظ من الديون والتعويضات، وقد نجح في اعادة بناء اقتصاده المحطم، واصلاح بناه التحتية المضروبة، وتحديث نظامه التعليمي، لكي يتماشى مع الثورة التكنولوجية المتسارعة التي تعم عالمنا، ويستعيد قيمه المدنية التي أعملت فيها تفكيكاً عقود الطغيان والحرمان.
أبطال العراق الحقيقيون هم الذين يخلفون النظام الحاكم الحالي ليواجهوا مهمة انتشال مواطنيهم من الهاوية الى حياة الحرية والكرامة التي حرموا منها منذ زمن بعيد. ولن يكون للسياسة الخارجية العراقية من معنى او فائدة الا بعد أن تسوده هذه الظروف.
هناك جملة من العوامل الاقتصادية والقومية والاجتماعية والدينية التي عملت دوماً على صياغة سياسة العراق الخارجية بغضّ النظر عن الشخصيات الحاكمة او الأنظمة. وستكون لهذه العوامل في 2020 الأهمية نفسها التي هي لها اليوم، لأن مصالح العراق الاساسية ثابتة.
الاعتبار الأول هو ان موقع العراق الجغرافي يحدد في شكل رئيسي اتجاه سياسته الخارجية. ذلك انه يمتاز عن بقية الدول العربية بمجاورته لدولتين قويتين غير عربيتين حكمتا العراق في مراحل متفاوتة من تاريخه هما تركيا وايران . وكما نعلم فليس من السهل التخلي عن النزعات الامبريالية او التحكمية المتحدرة من الماضي، وهي النزعات التي تظهر في مجالات كثيرة من تعامل الدولتين مع العراق. وستبقى العلاقات مع تركيا وايران من بين القضايا والاهتمامات الرئيسية لأية حكومة عراقية مستقبلاً.
لنبدأ بتركيا، حيث هناك، كما ارى، أربع قضايا رئيسية تتحكم بالعلاقات بينها وبين العراق. هذه القضايا هي
1 المسألة الكردية، 2 مياه دجلة والفرات، 3 الاقلية التركمانية في العراق، 4 خط النفط العراقي الذي يمر بتركيا.
الأمل بأن نرى في العراق، بحلول 2020، حكومة منتخبة ديموقراطياً تعترف بحق الأكراد في تقرير المصير، وتوصلت بناء على ذلك الى اتفاق مع ممثلي الشعب الكردي على وضع كردستان ضمن عراق موحد. لكن من الصعب ان نتكهن بتأثير اتفاق كهذا في القضية الكردية في تركيا. فقد يكون الاتراك خلال ذلك قد خففوا من رفضهم الاعتراف بهوية وطنية كردية منفصلة وحذوا حذو العراق في التوصل الى حل عادل للمسألة الكردية. لكن من الجائز ايضاً أن يشهد الموقف التركي المزيد من التصلب وتحاول انقرة اجهاض تجربة الحكم الذاتي الكردي في العراق. في الحالتين سيكون لهذه القضية تأثير عميق في العلاقات - التركية العراقية، اذ سيعززها توصل الاتراك الى اتفاق مع الاكراد، فيما يؤزمها بشدة استمرار الصراع التركي - الكردي. من هنا، على العراق أن يشجع بكل السبل المتاحة أي تحرك نحو مصالحة تركية - كردية. واذا لم تتوافر هذه المصالحة فإن حدود العراق الشمالية ستبقى في حال من الاضطراب الدائم، وهو ما يهدد في شكل خطير أمن العراق وسلمه.
استعمال مياه دجلة والفرات امر حيوي بالنسبة الى العراق، ويهدد احتجاز كميات كبيرة من هذه المياه من جانب تركيا وسورية الى حد أقل معيشة ملايين المواطنين. لكن للعراق موقفا بالغ القوة، بل هو منيع كما أرى، يرتكز على الممارسة التقليدية والحقوق التاريخية المكتسبة التي يكرسها القانون الدولي. ان على العراق ان يضع هذه القضية في صدارة اولوياته في العلاقة مع تركيا. اذ لا بد للعلاقات الاقتصادية من ان تكون متبادلة، وليس لتركيا ان تتوقع الاستفادة من نفط العراق في الوقت الذي تحرم البلد من حصته العادلة من المياه.
ارتضت الأقلية التركمانية في العراق منذ 1925 قرار سكان اقليم الموصل الانضمام الى الدولة العراقية الوليدة بدل العودة الى الحكم التركي. واندمج افراد الأقلية في المجتمع العراقي كمواطنين مساوين لغيرهم في الحقوق والواجبات، ولم يتعرضوا لأي تمييز او اضطهاد، إلا ربما في الفترة الأخيرة. واذا كانت هناك مشكلة فهي تنبع من مخاوف الأقلية من ان حقوقها لن تحظى بالاعتراف الكامل والحماية ضمن منطقة الاستقلال الذاتي الكردية. وتتركز مخاوف التركمان على وضع مدينة كركوك، وهي قضية بالغة الحساسية على العراق ان يتعامل معها بكل ما أمكن من الحذر والعناية والمهارة الديبلوماسية، توصلا الى تلك المعادلة الصعبة التي تتلخص بتلبية مطالب الطرفين من دون استثارة الأكراد أو تركيا أو تعريض وحدة اراضي العراق للخطر.
رابعاً وأخيراً، الخط النفطي الذي يمر من خلال تركيا: اذا كان هذا الخط اثبت فائدته للطرفين فإنه يترك العراق مكشوفاً امام ضغوط تركية ممكنة. فقد تلجأ تركيا عند نشوب خلاف سياسي الى وقف تدفق النفط كما فعلت سورية سابقاً. من هنا على العراق الحرص على ابقاء النفط بعيداً عن السياسة.
أتناول الآن الجارة القوية الأخرى، ايران. الحدود الدولية في شكلها الحالي تحرم العراق الى حد كبير من منفذ بحري، في الوقت الذي يعتمد اقتصاده على تصدير كميات كبيرة من النفط ومشتقاته عبر مياه الخليج وأيضاً من خلال خطوط الضخ التي تمرّ بالدول المجاورة. من هنا يحتاج العراق الى الوصول بسهولة الى مياه الخليج وأن يعارض بكل ما امكن اي عوائق لحرية الملاحة فيه. وينطبق الأمر نفسه على شط العرب، الذي شكل زمنا طويلاً مصدراً للخلاف بين العراق وايران.
على العراق عند التعامل مع ايران ان يضع في الحساب عدداً من المواقف الايرانية التي لم تتغير كثيراً عبر القرون وأثرت في علاقات ايران مع جيرانها، خصوصاً العراق. هذه المواقف هي:
1 طموح ايران ان تكون حامية للخليج والقوة الاقليمية الكبرى فيه.
2 اعتبار حكام ايران انفسهم منذ اوائل القرن السادس عشر حماة الاقليات الشيعية في العالم الاسلامي، خصوصاً الاقليات التي تتعرض للاضطهاد، مثل الغالبية الشيعية في العراق تحت حكم العثمانيين. لكن شيعة العراق قاوموا عبر السنين محاولات ايران التدخل في شؤونهم، وعلينا ان لا ننسى أنهم كانوا من بين أقوى المدافعين عن هوية العراق العربية. وليسمح لي القارئ ان اذكر في هذا السياق أن العراق لم يعرف في الماضي، ولا اعتقد انه سيعرف مستقبلا، عداء بين الطوائف والقوميات، مثل ذلك الذي كشفه انهيار يوغوسلافيا السابقة. أقول هذا على رغم قمع بعض الحكومات العراقية لقطاعات معينة من السكان، من ضمن ذلك القمع الذي لا سابق له في الوحشية الذي يمارسه النظام الحالي.
ينطوي الكلام عن الفروق المذهبية بين الشيعة والسنّة على الكثير من المبالغة. وليس من صحة لتصوير العراق على أنه بلد يمزقه الصراع على السلطة بين مذهبين متعاديين. ان انقسام سكان العراق العرب الى شيعة وسنّة مصطنع الى حد كبير، تشجعه حفنة من المتعصبين والمتشددين من الطرفين. كما ان الفروق الفقهية أضأل من أن تذكر. واذا كان هناك بعض الخلافات والشكوك المتبادلة فهي من مخلفات الصراع التركي - الفارسي على العراق، وهي توشك على التلاشي التام بفضل انتشار التعليم والاختلاط الاجتماعي والتزاوج. وفشلت كل محاولات النظام وبعض الاطراف المعارضة له في اعادة الحياة الى هذه الخلافات القديمة.
3 لا شك ان الحرب الطويلة المكلفة بين العراق وايران ستلقي بظلالها زمناً طويلاً على العلاقات بين الطرفين، اذ يشعر الايرانيون من كل الطبقات والاتجاهات بأن بلدهم كان ضحية بريئة للعدوان. فيما شكل الفشل في دحر تلك الدولة الأصغر والأضعف اهانة جارحة لشعورهم القومي. لكن من الصعب التكهن بالاتجاه الذي سيأخذه الوضع السياسي الداخلي في ايران، لأن الصراع بين الجناحين المعتدل والمتشدد لم ينحسم بعد، غير ان وجود حكومة ديموقراطية في الدولتين بحلول 2020 ينعكس ايجاباً على علاقاتهما، لأنه سيتيح التعامل العقلاني مع الكثير من المشاكل والخلافات التي تعتري تلك العلاقات.
الخطوة الأولى في هذا الاتجاه ستكون التوصل الى تسوية نهائية لكل المشاكل النابعة من الصراع الدموي بينهما الذي استمر ثماني سنوات. واذا كان على العراق في كل الأحوال الحرص على ادامة علاقات ايجابية مع ايران فإن الشرط الأساسي لذلك هو عدم تدخل ايران في شؤون العراق الداخلية أو اعاقة حريته في استخدام شط العرب والخليج. ويمكن للقرب الجغرافي والعلاقات التاريخية على الصعيدين الديني والثقافي، اضافة الى مصلحتهما المشتركة كدولتين مصدرتين للنفط، ان تشكل قاعدة متينة لعلاقات ودية دائمة بينهما.
جوهر علاقة العراق مع العالم العربي هو ان الدولة العراقية الحديثة منذ بدايتها في 1921 تأسست على ان العراق جزء من الأمة العربية وعليه واجب المشاركة الفاعلة في الصراع العربي من اجل الحرية والاستقلال والوحدة. ويحظى هذا الاعتبار بدعم الغالبية الساحقة من سكان العراق، وهو لا يتناقض، كما ارى، مع خصوصية العراق وتنوعه الاثني والديني والمذهبي. بالمقابل يحتاج العراق، نظراً الى موقعه المكشوف، الى دعم العالم العربي الذي يشكل العمق الاستراتيجي له. وما لم يتوافر الدعم سيكون العراق دوماً الطرف الأضعف تجاه جارتيه القويتين. أما بالنسبة الى العالم العربي فإن موقع العراق يجعله صلة الوصل بين عرب شرق المتوسط وعرب الخليج. وارى ان على العراق، لتقوية هذه الصلة، ان ينضم الى فيديرالية سورية - أردنية - لبنانية، وان يصبح في الوقت نفسه عضواً في مجلس التعاون الخليجي الذي آمل ان يضم اليمن في مستقبل ليس ببعيد. على العراق أيضا ادامة علاقات خاصة مع مصر التي تحتل موقعاً مركزياً في العالم العربي، وليس على صعيد الجغرافيا فحسب بل تاريخياً وثقافياً وسياسياً. وستبقى مصر ذخراً عظيماً للعرب. ان لها وزنها الكبير في الشؤون الدولية، وهي قادرة على اسداء خدمات جليلة الى الدول العربية الشقيقة.
لا بد للعراق، اضافة الى البعد العربي، ادامة علاقات ممتازة مع الدول المسلمة، لأن من شأن التضامن الاسلامي ان يضيف الى وزن العراق ويعزز موقعه الدولي. وليس من حاجة لتأكيد هوية العراق الاسلامية، فقد كان مركز الخلافة طوال قرون، وكان اهله من بين السباقين الى اعتناق الدين الاسلامي.
العلاقات مع بقية العالم يجب ان تقوم على المنفعة المتبادلة، وهي في عالم اليوم اقتصادية في معظمها. من هنا على العراق، كمنتج ومصدّر رئيسي للنفط، ان يهتم بالمحافظة على اسواقه في أوروبا والشرق الأقصى. ويمكن للعلاقات الاقتصادية والثقافية الوثيقة مع تلك الدول، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، ان تعود عليه بمنافع اقتصادية وسياسية كبيرة.
من الصعب التكهن بما سيكون عليه وضع روسيا في 2020. انها حالياً منغلقة على نفسها وتخلت عن كثير من التزاماتها وعلاقاتها الدولية، من ضمن ذلك علاقاتها الخاصة مع العالم العربي. لكن علينا ان لا ننسى تلك السنين من التعاون العربي - السوفياتي والدعم الذي قدمه الاتحاد السوفياتي للقضايا العربية. لهذا أرى ان على الدول العربية ان تقدم كل ما امكن من المساعدة لروسيا للتغلب على مشاكلها الحالية.
اخيراً نأتي الى العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي للمستقبل المنظور الدولة العظمى الوحيدة في العالم، واحرزت من التفوق على بقية العالم في مجال التكنولوجيا عموما وما يسمى الثورة المعلوماتية على وجه الخصوص ما يعطيها تأثيراً مضاعفاً في مجرى الاحداث في انحاء العالم. ان موقعها هذا يمنعنا من تجاهلها او اتخاذ موقف العداء المجّاني تجاهها. على رغم ذلك، فهناك على طريق التعاون عوائق عميقة الجذور في النفس العربية أي مشاعر الكره والعداء المتأتية من السنين الطويلة من الدعم الأميركي غير المشروط لاسرائيل. لكن الأمل بأن تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي في شكل مقبول من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين ستؤدي الى علاقات أفضل مع الولايات المتحدة. أما بالنسبة الى العراق فإن العلاقات مع اميركا ستعتمد على الطريقة التي تتعامل فيها واشنطن مع تركة حرب الخليج. لكن يمكن القول الآن أن فشل التدخل العسكري الأميركي وسياسة الاحتواء والحصار المفروضة على العراق منذ عقد تقريباً في اسقاط النظام الحالي أو حتى اضعافه في شكل ملموس، أدى الى تزايد الشكوك، في مجتمع متقبل دوماً ل"نظرية المؤامرة"، في نيات واشنطن الحقيقية.
وتستمر هذه الشكوك لدى الكثيرين من العراقيين على رغم القانون الذي اصدرته الولايات المتحدة قبل نحو سنتين والزمت نفسها من خلاله دعم مساعي استبدال الديكتاتورية الحالية بنظام ديموقراطي. لكن علينا ان لا ننسى ان الولايات المتحدة هي الوحيدة بين القوى الدولية التي صارحت علناً باستعدادها لمساعدة العراقيين على التوصل الى الحرية والديموقراطية. واذا كان هناك من يقول ان واشنطن تتصرف بوحي من مصالحها وليس كفاعل خير، فإن هذا أمر مشروع تماماً، لأن هذا ما تفعله كل الدول. وتقع على العراقيين مهمة تحديد مدى التعاون مع واشنطن أو أية دولة اخرى على ضوء مصالحهم وآمالهم للمستقبل، وهو ما قامت به بالفعل دول عربية عديدة.
على المدى المتوسط لا شك ان العلاقات العراقية - الأميركية ستعتمد الى حد كبير على مدى التزام اميركا وعملها لتخليص العراق من العبء الساحق الذي تمثله التعويضات والديون، ومدى استعدادها لقيادة برنامج عالمي للمساعدات يهدف الى اعادة بناء الاقتصاد العراقي المخرب.
على السياسة الخارجية ان تكون واقعية وبراغماتية، متحررة تماما من الأساطير والأوهام، وبعيدة عن الأفكار والتصورات المسبقة. ولا بد للعراق من لعب دور فاعل في العالم الذي يبرز مع الألفية الجديدة، أي التعاون الواسع مع الآخرين، والقبول بقيود على السيادة دعما للمثل التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان. ان حقوق الانسان وحرياته الأساسية كلّ عالمي لا يقبل التجزئة، ويكتسب الانسان هذه الحقوق والحريات بالولادة. ولا بد للعراق من أن يقدم دعماً فاعلاً لتدخل الأمم المتحدة لحماية تلك الحقوق والحريات. كما عليه ان يدعم من دون تحفظ تقوية المحكمة الدولية المختصة بالجرائم ضد الانسانية ويستعمل حيثما امكن، عند التعامل مع انتهاكات رئيسية لحقوق الانسان، اجراءات التنفيذ التي يحددها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اي استعمال القوة لتطبيق القرارات الدولية. ذلك أن حقوق الانسان ستبقى ضرباً من الاحلام الطوباوية طالما تمكنت الدول من استعمال مبدأ السيادة الوطنية لحماية نفسها من العقوبة والقصاص لدى انتهاكها تلك الحقوق. ولا بد للعراق، بعد كل ما عاناه من انتهاكات وتجاوزات، ان يكون في طليعة الدول المدافعة عن حق الآخرين في حياة حرة كريمة.
آمل بأن العراق، في تعامله مع العالم، سيكون قد تعلم من ماضيه المأسوي، وان يجدد نفسه من خلال العمل الدؤوب والتضحية والانضباط ووحدة الهدف، لكي يصبح بلداً حراً متقدماً على مستوى عال من المعيشة والتعليم، حائزاً على احترام المجتمع الدولي. آمل له سيادة القانون والضمان الفاعل لحقوق كل مواطنيه، بمؤسسات ديموقراطية راسخة تغذيها وتقويها ممارسة الحريات المدنية والانتخابات الحرة الدورية. أريده بلداً يضمن له دستوره في شكل لا يقبل التلاعب سيطرة المدنيين على العسكريين، ودولة يشيع العدالة في ارجائها القضاء المستقل النزيه، تحت نظام يحرم تماماً التعذيب والعقوبات اللاانسانية والاعدامات الاعتباطية والاختفاءات والاعتقالات الكيفية. لا اعلم اذا كنت سأرى عراقاً مثل هذا، لأن الوقت يشرف على الزوال بالنسبة الى جيلي، لكن لي على الأقل ان آمل وأحلم...
* سياسي عراقي معارض، وزير خارجية سابق. والنص محاضرة القيت في مؤتمر عقد في لندن قبل اسبوعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.