الأمير "سعود بن مشعل" يشهد توقيع مذكرة تعاون بين هيئتي "تطوير منطقة مكة" و "الإحصاء"    مجزرة بوندي تشدد قوانين السلاح    غارات ومساعدات عالقة في غزة رغم الهدنة    الأردن تتغلب على السعودية وتتأهل لنهائي كأس العرب    مُحافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في فعاليات سرطان الثدي.    جمعية مشاة الزلفي تنفذ برنامج المشي على الرمال بمشاركة 14 مدينة    بلدية محافظة الشماسية تنهي معالجة آثار الحالة المطرية التي شهدتها المحافظة    موسم الرياض 2025 يتجاوز 8 ملايين زائر    القيادة السعودية تعزي ملك المغرب في وفاة 37 شخصا بسبب فيضانات آسفي    أمير الكويت يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    الذهب يسجل 4338.26 دولارا للأوقية مدعوما بضعف الدولار    ارتفاع الطلب العالمي على النفط ب 860 ألف برميل يوميا خلال 2026    مطار الملك عبد العزيز.. 50 مليون مسافر في 2025    القادسية في مفترق طرق.. غونزاليس يغادر ورودجرز قريب من الإشراف الفني    تدشين مركز "أبيات" الإقليمي بطاقة تخزينية تفوق 140 ألف متر مكعب    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلّف    حين تُستبدل القلوب بالعدسات    "إثراء" يحتفي بيوم اللغة العربية على مدار ثلاث أيام    فيصل بن مشعل يتسلّم التقرير الختامي لمبادرة "إرث ينطق"    المرأة العاملة بين وظيفتها الأسرية والمهنية    "سعود الطبية" تنجح في إجراء قسطرة علاجية نادرة لطفلة بعمر خمسة أشهر    تقييم الحوادث يعلن نتائج تحقيقاته في عدد من الادعاءات المنسوبة لقوات التحالف    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير    شفيعًا تشارك في فعاليات جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة لليوم العالمي لذوي الإعاقة بجامعة الفيصل    أمير منطقة جازان يستقبل إمام المسجد النبوي    دور إدارة المنح في الأوقاف    المحسن يكتب.. "النشامى" طريقنا للكاس، والخسارة قدامهم "بِدناش"!    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    كايا كالاس: محادثات قرض التعويضات لأوكرانيا "تزداد صعوبة"    مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالحزام الناري، ما الأسباب وطرق الوقاية لمن هم فوق الخمسين عاما    قبيلة الجعافرة تكرّم الدكتور سعود يحيى حمد جعفري في حفل علمي وثقافي مهيب    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    صينية تعالج قلقها بجمع بقايا طعام الأعراس    براك يزور تل أبيب لمنع التصعيد بالمنطقة    ديبورتيفو الكوستاريكي يتوّج ببطولة مهد الدولية للقارات لكرة القدم    نجوم القارة السمراء يستعدون لترك أنديتهم.. «صلاح وحكيمي وأوسيمين» تحت المجهر في كأس أمم أفريقيا    "أمِّ القُرى" تعقد لقاءً تعريفيًّا مع التَّقويم والاعتماد الأكاديمي    الخريجي: الحوار البناء أداة تفاهم بين الشعوب    القراءة الورقية.. الحنين إلى العمق والرزانة    من القمة.. يبدأ السرد السعودي    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الإرهابي بمدينة سيدني الأسترالية    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    دعت جميع الشركاء في المنظومة لتفعيل البرنامج.. «الموارد»: 5 مجالات لتعزيز التنمية الشبابة    مواجهات مع مستوطنين مسلحين.. اقتحامات إسرائيلية متواصلة في الضفة الغربية    بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.. ولي العهد ووزير خارجية الصين يستعرضان العلاقات الثنائية    أمير نجران يُشيد بإنجازات "الصحة" في جوائز تجربة العميل    دراسة: دواء جديد يتفوق على «أوزمبيك» و«ويغوفي»    في ورشة عمل ب"كتاب جدة" خطوات لتحفيز الطفل على الكتابة    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    الغرور العدو المتخفي    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ذاكرة الرماد" في روما ولندن بعد دمشق . صورة الذات المبعثرة أمام الجماعة
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 1999

هل في إمكان المسرح وسط الحالي المشاركة في تأسيس ذاكرة للفرد والمجموعات أمام حقيقتها اللامرئية في حياتنا الثقافية الراهنة وهي - الذاكرة - حالة مهزومة ومَنسيّة في وقت واحد، تنتمي اليها أجيال متعاقبة وتبني على رمادها أحلامها الخارجة عن دائرة التحقيق؟ يذهب بعض النقاد الغربيين الى أن الثقافة ال"الما بعد - حداثية" تتجه الى هذا النحو، أي الغوص في تفاصيل الحياة المنسيّة والتي تتبدى من خلال كلام الناس اليومي.
يمكننا ومن خلال هذه الرؤية للذاكرة وتجلياتها، أن نقرأ العرض المسرحي "ذاكرة الرماد" الذي جسده على مسرح القباني* كل من الممثلة مهى صالح والممثل سامر المصري. كتب النص الكاتب التونسي حكيم مرزوقي وأخرجته رولا فتال. والعرض المسرحي نفسه قدم في مهرجان الفنون في بروكسل وفي مهرجان الفرق المستقلة في "زيوريخ" في سويسرا وهو العرض الثاني لفرقة مسرح الرصيف.
تنطلق فكرة المسرحية من واقع عربي مهزوم من خلال شخصيتين هامشيتين لا تملكان إلاّ ذاكرة مهزومة اجتماعياً وعائلياً وسياسياً واقتصادياً. وتَقوم هذه الذاكرة على جملة من المعضلات الآنية والآتية في الوقت ذاته تاركة صورة الهزيمة على أشكال مختلفة في العلاقات الاجتماعية.
شخصية "صباح" صاحبة لقب "شمس الأصيل" بنت صحافي وشاعر تفرّغ للكتابة بعيداً عن عالم زوجته المُنحازة نحو المناطق الحميمة والخاصة جداً، إلى أن أصبحت فريسة ل"بَيّاع المازوت" أبي هلال المعروف بصوته الذكوري البارز. أما الشخصية الثانية فهي "هلال" الهارب من البَدد الذي يحمله والده في رحلاته "الداخل - مدينية" الصباحية.
من هنا وعلى آثار جيل مهزوم من شريحتين اجتماعيتين مختلفتين يلتقيا كل من هلال المعروف ب"أبو الليل" و"شمس الأصيل" حاملين معهما جروح جيلهما السابق المتجددة دائماً. وينزاحان من وضع اجتماعي يشكل الوهم فيه تجلياً أساسياً في حيثياته اليومية الى أضواء المدنية واحتمالات الخلاص، أي المناطق الأكثر متعة وقمعاً في آن حيث يعمل "أبو الليل" مديراً لأعمال رفيقة طفولته صباح مع حكايات وأهواء زبائنها في مرقص ليلي ويستقبل فيه أوهاماً معهودة وبرّاقة. وشمس الليل تغني بجسدها ويسمعها الزبائن بالعيون. هذا ما تقوله في أحد حواراتها "أنا بغنيلن بجسمي وهن بيسمعوني بعيونن". لكن الأحلام تبقى أحلاماً، وتظهر بعد كل ليلة يمضيانها مع الانتظار والصخب والمجاملات والضحكات الاصطناعية من أجل ارضاء الزبائن. شمس الأصيل تحلم أن تكون أماً وان "يمتلكها" رجل بحبها. أما "أبو الليل" فيحلم هو بدوره أن يذهب الى أميركا. لكن الاثنين يقعان في حضيض الوهم والخداع، ولا يبقى لديهما إلاّ مكانهما القديم، أي المدينة السفلى المعبأة بالجن والشياطين. ويشكل هذا المكان القديم / الجديد ذاكرة اللاعبين المهزومين الباحثين عن آثار تثبت هويتهما الاجتماعية. لكن الرماد يحولهما الى حال هستيرية لا تشبه سوى الضياع. وهي حال واقعية في صورها وتداعياتها الاجتماعية واللاواقعية وفي تأثيراتها الداخلية والنفسية للشخصية وخيارها المستقبلي، لا تتقبلها الجماعة بسهولة والفرد فيها لا يمتلك أي خطاب عدا اغتراب دائم وعدا تشتت الذات أمام المجتمع. يريد المؤلف القول: تلك هي ذاكرتنا ولا ينبغي نكرانها. ذاكرة يتجلى من خلالها واقع استبعاد الذات عن أطياف الماضي، لكنها أطياف حيّة بصورها وكلماتها وهزائمها ولها سياقات ايديولوجية تشارك في رسم هندسة حياتنا الاجتماعية والسياسية. إذ نلاحظ ان الشخصية تتحدث عن "الآخر" الغائب وانكساراته المتكررة لإظهار حقيقتها الآنية والماضوية في مجموعة من الخطوط المتصادمة تتولد فيها الأحلام وتتلاشى.
حاولت المخرجة رولا فتال في رؤيتها الإخراجية للعرض، تأسيس فضاء يخلو من التأثيث الخارجي للمكان، عدا أشياء رمزية كالطبول في المراقص والصحف التي ترجع ل"أبو صباح" وهزيمة "67" وصندوق يحوي ممتلكات "أم صباح" وبعض الأوراق التي لا تثبت إلاّ ذاكرة رمادية. بالمقابل بدا الفضاء متقشفاً ومعتماً بشكل يرمز لحالين نفسيتين سوداويتين يعيشها أبو الليل وشمس الأصيل في ظاهر المدينة حيث المرقص والأضواء والزبائن ووعود "أبو مشعل" من جانب، ثم الحال "الجوانية" أي أسفل المدينة. وتركت الإضاءة في تأسيس هذين العالمين تأثيراً جمالياً واضحاً. ويأتي هذا الخيار في اخلاء الفضاء لجسد الممثل وحرارة صوته من مفهوم أن الممثل هو عنصر اساسي داخل العرض ومستوياته البصرية والسمعية وبإمكانه أن يخلق طقساً حيوياً ودافئاً إذا وضِعَ أمام موضوع انساني وذاكرة حيّة. وإذا تحدثنا عن الممثل، فيمكننا القول أن كل من الممثلة "مهى صالح" ذات جرأة لامتناهية في تجسيدها شخصية "شمس الليل" وان الممثل "سامر المصري" امتلك مفتاح شخصيته بدقة ومرونة. وقد لعبا الشخصيتين وتحولاتهما الدرامية المتعرجة أفقياً بقدرة عالية من الخفة والمرونة الجسدية والصوتية.
* تقدم المسرحية في مهرجان "بينال روما 99" أيام: 3 و4 حزيران يونيو وفي مهرجان "ليست لندن" أيام: 21 و22 و23 من الشهر الحالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.