اندفع موضوع حماية الآثار الى رأس أولويات السلطات السورية وصار أحد المواضيع الاساسية التي تشغل الشارع، بعدما فتح في لبنان ملف سرقة الآثار اثر ضبط نحو 15 الف قطعة معظمها هرّب من الأراضي السورية خلال السنوات الأخيرة. والإشارة الأبرز التي تعكس جدية الحكومة السورية في حماية الثروة التاريخية وعدم تهريبها الى الدول المجاورة، اقرار الرئيس حافظ الأسد تعديل قانون عام 1963 الخاص بمعالجة هذا الموضوع ليصبح "أقوى قاعدة تشريعية في العالم" في هذا المجال، اذ رفع سقف العقوبة الى السجن 25 سنة بدلاً من 3 سنوات، وزاد الغرامة الى نحو عشرين ألف دولار بدلاً من عشرين دولاراً ل"كل من هرب آثاراً أو شرع في تهريبها". وتضمن القانون الجديد الذي بدأ العمل به منتصف الشهر الماضي، عقوبة السجن مدة تتراوح بين 10 سنين و15 سنة ل"كل من سرق أثراً ثابتاً أو منقولاً أو اجرى التنقيب عن الآثار. وشدد على انزال الحد الأقصى من العقاب بكل من تاجر بالآثار أو ألحق ضرراً جسيماً" بها خلال تنقيبه عنها. تزامن ذلك مع الحملة التي تقودها الحكومة اللبنانية على تهريب الآثار وسرقتها، وزار المدير العام ل"المديرية العامة للآثار والمتاحف" السورية الدكتور سلطان محيسن لبنان الاسبوع الماضي للتأكد مما اذا كان بعضها سورياً كي يعاد الى البلاد. وينفي المسؤولون السوريون وجود أي رابط بين صدور القانون وفتح الملف في بيروت، وعندما سئل محيسن عن تزامنهما أجاب ان التشريع الجديد "نعمل عليه منذ سنتين وصدر في هذا الوقت لأن الاعتداءات على الآثار كثرت، والنهضة الصناعية والزراعية صارت تهدد المناطق التاريخية" في سورية. يذكر ان لبنان هو البوابة الرئيسية لتسرب القطع الأثرية المهمة منذ انطلاق هذه "التجارة"، وتمكنت دمشق أخيراً من استرجاع عدد من القطع التي نقلها "تجار سريون" حصلوا عليها خلال عملياتهم بعيداً عن الرقابة، وهم ورثوا هذه "المهنة" عن الآباء والأجداد. ويعتقد محيسن ان تسرب الآثار ليس جديداً بل يعود الى حقبة الامبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي الذي اعاد قبل سنوات ثمانية الاف رقم مسماري تعود الى أرشيف مملكة ماري على الساحل السوري. والمشجع ان الأيام الأخيرة شهدت الاعلان عن اعادة عدد كبير من القطع الاثرية المهمة الى البلاد، بعد جولة استمرت سنوات بين ايدي المهربين. وأعلن في دمشق ان كندا سلمت السلطات السورية قبل أيام 39 لوحة فسيفساء، في اطار اعادة 86 قطعة ضبطت في كندا بين عامي 1990 و1998 وكانت في طريقها الى الولاياتالمتحدة بعدما سرقت من كنائس في شمال غربي سورية. وشجعت الحكومة السورية المواطنين على لعب دور ايجابي في هذه الحملة، واعطاهم القانون مهلة ستة شهور للاعلان عن ممتلكاتهم الأثرية وتسجيلها، وفي الوقت ذاته وجه رسالة حازمة اذ نص على "معاقبة كل من يدخل في اختصاصه القانوني حماية الآثار أو ضبطها اذا اطلع أو أُخبر بوقوع أي من الجرائم ولم يتخذ الاجراءات اللازمة لضبطها". ويقول محيسن ان "القانون جعل الآثار قضية وطنية ومسؤولية الجميع، ولم تعد مسؤولية الحارس أو مديريتنا".