السعودية والأمم المتحدة تطلقان حملة لمكافحة التصحر    بوريل: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد    ولي العهد يلتقي أمير الكويت ويستعرضان العلاقات الأخوية    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية سويسرا    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    وزير المالية: سنعدل مشروعات رؤية 2030 وفق الحاجة    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبرم عدداً من الاتفاقيات    أشباح رقمية    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية النرويج    خادم الحرمين الشريفين يهنئ رئيس جمهورية توغو بمناسبة ذكرى يوم الإستقلال لبلاده.    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    وكيل محافظة الزلفي يدشّن فعاليات أسبوع البيئة    النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    11قطاعًا بالمملكة يحقق نموًا متصاعدًا خلال الربع الأول ل 2024    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    تجربة سعودية نوعية    انطلاق بطولة الروبوت العربية    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    في الشباك    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيون في سورية ولبنان بين خيار التوطين وحق العودة . مخيمات بيروت والضاحية ... أحلام تتكسر بين الهجرة والعودة
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 1999

نشرت "الحياة" على حلقات أربع الاثنين 15 - الخميس 18/11/99 تحقيقات غطت أوضاع المخيمات الفلسطينية في الأردن وسورية ولبنان وما تعانيه من مشاكل قانونية واجتماعية واقتصادية وحياتية.
وتستطلع اليوم آراء الفلسطينيين ومواقفهم من مسألة التوطين والتعويض أو التمسك بحق العودة الذي تنص عليه القرارات الدولية.
أكثر ما يزعج سمر 14 سنة أن يتهمها الناس بأنها قاسية القلب. فهي ليست كذلك لكنها مرغمة على ألا تحب من وما حولها. فلا حجارة منازل مخيم شاتيلا تعني لها شيئاً، ولا رفيقاتها في المدرسة التابعة لوكالة "أونروا" هم أصدقاؤها، فهي لكثرة ما ارتحلت من مخيم الى آخر فقدت علاقتها بالمكان والناس الذين حولها. ومع ذلك فهاجس الانتقال مجدداً من شاتيلا الى أي مكان آخر يلاحقها وهي ان كانت لا تحب هذا المخيم "لأنه بلا طرق ولا ملاعب أو حدائق"، فإنها لا تريد تركه حتى لا تذهب "الى ما هو أسوأ منه".
الزمن داخل المخيمات الفلسطينية لا معنى له، فلا مكان للأحلام إنما للخوف والقلق والرغبة في الهجرة حتى الى الصين! ويقول مقاتل سابق في مخيم شاتيلا ان بضعة شبان حصلوا السنة الماضية على تأشيرة دخول الى الصين وهم الآن يتعلمون هناك. والبعض تحمس للفكرة وتقدم بطلبات تأشيرة دخول مماثلة وينتظر.
مخيم شاتيلا
ويحصي اداري في مخيم شاتيلا هجرة أكثر من 150 فلسطينياً مع عائلاتهم بين العامين 1983 و1997 الى الدنمارك والسويد والنروج وكندا. لكن هجرة العائلات لا تعني حصول فراغ سكاني في هذا المخيم الذي ارتفع عدد سكانه الى نحو 20 ألفاً في التسعينات، يكاد نصفهم يكون من غير الفلسطينيين. فمخيم شاتيلا يقع على الطرف الجنوب الشرقي من مدينة بيروت واستقطب الى محيطه المئات من اللبنانيين من منطقة بعلبك - الهرمل الباحثين عن فرص عمل في المدينة خلال السبعينات، بات من مطلع التسعينات الى اليوم مقصداً لعشرات العمال السوريين والسري لانكيين والمصريين والعراقيين. فهؤلاء يستأجرون غرفاً في منازل الفلسطينيين في مقابل بدل ايجار يصل احياناً الى مئة دولار شهرياً، ما شكل خليطاً من البشر في المخيم غريباً على أهله الذين تراجعوا الى خلف قضبان حديد سيّجوا بها نوافذ منازلهم وأبوابها خوفاً ممن سموه "الغريب". واستتبعت الكثافة السكانية داخل المخيم الذي لا تزيد مساحته على 140 ألف متر مربع، والذي دُمرت امتداداته، الى خارج الحدود المعترف بها، خلال حرب المخيمات 1985، توسعاً عمودياً. ويكاد يكون الوحيد بين مخيمات بيروت وضواحيها ترتفع منازله أكثر من خمس طبقات، وهي التي كان ممنوعاً على أصحابها سقفها بغير ألواح الزنك الى "زمن الثورة" التي طورت البنى التحتية للمخيمات وسقفت المنازل بالإسمنت. وألمح قيمون على أوضاع المخيم الى أن هذا التمدد العمودي كان "بمباركة غير مباشرة" من الدولة اللبنانية لحل مشكلة المهجرين الفلسطينيين تل الزعتر والدامور الذين أُخلوا من تجمعات لهم في وسط بيروت، حتى بات من الصعب جداً الآن ايجاد مساحة ولو صغيرة في المخيم لبناء جدار واحد.
ويشير هؤلاء الى أن العائلات التي سكنت مخيم شاتيلا منذ تأسيسه، وهي من أهالي مجدل الكروم والبروة وشعب وعمقة في الجليل الأعلى، لم يبق منها فيه، سوى 10 في المئة. فإلى الهجرة الى خارج لبنان، حصلت هجرة داخلية من المخيم الى خارجه، فانتقلت العائلات للسكن في محيط المخيم سعياً الى تحسين وضعها الاجتماعي أو نتيجة المصاهرة مع عائلات لبنانية أو نتيجة حصولها على تعويضات مالية مكنتها من امتلاك شقق سكنية، وأغلبها في منطقة وادي الزينة اقليم الخروب، ويعمد بعض سكان المخيم الى بيع منازلهم من فلسطينيين ممن قبضوا تعويضات عن اخلاء مباني المهجرين بداية التسعينات أو لبنانيين في مقابل مبالغ مالية تتفاوت بين 8 آلاف دولار و12 ألفاً. وتتولى اللجان الشعبية في المخيم رعاية الاتفاق بين الشاري والبائع مع علم كل من الطرفين أن ما يبيعه وما يشتريه هو الحجارة المشيدة لا الأرض التي تستأجرها "أونروا" من الدولة اللبنانية في مقابل عقد يمتد الى 99 عاماً، مضى 49 منها.
وتقول أم أحمد ان "من غادر المخيم أو هاجر الى الخارج هو من توافرت لديه الإمكانات والفرص. ولو توافرت لي لغادرت مع عائلتي، فهنا لا يوجد الا الجدران تحيط بنا من كل الجهات والمجارير تفيض علينا في الشتاء، والجوع يفتك ببطون أطفالنا، وأنا لا أجرؤ على ترك ابنتي 18 عاماً وحدها في المنزل". لكن أم أحمد ترفض احتمال نقلها الى مخيم آخر خارج نطاق بيروت متحدثة عن "عقلية ابن المدينة التي تختلف عن عقلية ابن الريف"، على رغم أن كل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم من أبناء الجليل الأعلى.
الرغبة في الهجرة واحدة من الحلول السحرية لمشكلة البطالة الحادة المتفشية في المخيمات. فالكل يتحدث عن المهن التي يُمنع الفلسطيني من مزاولتها في لبنان 72 مهنة، وما تبقى، أعمال حرفية لا تتعدى "الطرش والحدادة والبناء وجمع النفايات..." وهي بتعبير شباب المخيم "أشغال شاقة"، وعلى رغم دونيتها، غير متوافرة، لأن ثمة يداً عاملة أخرى تنافس الفلسطيني عليها، لكنها منافسة غير متكافئة، لقبول غير الفلسطيني بأجور تصل الى النصف.
الرجال والشبان في مخيم شاتيلا لا يبارحونه، باستثناء المحظوظين منهم، ولعمل موسمي. وأكثر الأمكنة استقطاباً لقتل الوقت محلات البليارد ومقاهي النارجيلة الموزعة على تخوم المخيم، وسط أنقاض لا يمكن العين رؤيتها من الخارج، بعدما كان المرء يظن أن تلك الأبنية الجديدة المرتفعة التي تزنر المخيم تسحب نفسها الى الداخل، فإذا بها ستار يخفي بؤساً يشارك في تجاهله الجميع.
وتعتقد احدى المتطوعات التي تعمل مع الفتية الفلسطينيين في مخيم شاتيلا ان رغبتهم في التعلم تراجعت، فهم يتهكّمون بعضهم على بعض بإطلاق تسمية "زبال" أو "طراش" في اشارة الى ما سيكون عليه المستقبل. واللامبالاة تسحب نفسها على المعلم أيضاً الذي ينعكس وضعه النفسي نتيجة الظروف الاقتصادية على علاقته بالتلميذ، ولا يتوانى عن استخدام العصا لتأديب الطلاب. أما الأهل فينحصر اهتمامهم بتأمين قوت عيالهم فيصبح الطفل الفلسطيني ضحية البيئة التي يعيش في وسطها، وتصبح قضية فلسطين في أدنى الاهتمامات، يسهم في تراجعها غياب المناهج التي تعلم تاريخ فلسطين وجغرافيتها، وليس من المبالغة أن جيلاً من أطفال المخيمات لا يعرف أين تقع فلسطين.
تجمع الداعوق
وإذا كان مستشفى غزة الذي تحول بعد حرب المخيمات مأوى لعشرات العائلات التي حشرت في غرفه المتلاصقة يمكن أن تمثل نموذجاً فاقعاً للظروف التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، فإن أحوال أربع عائلات لا تزال تقيم في الملجأ منذ 13 عاماً هي نموذج صارخ للمعاناة الفلسطينية.
تعرف البناية ببناية منظمة التحرير. وهي تقع على مرمى حجر من المدينة الرياضية بالقرب من التجمع الفلسطيني في تربة الداعوق أو ما عرف لاحقاً بمخيم صبرا، وهو مخيم لا تعترف به وكالة "أونروا"، وما بقي منه عقب الاجتياح وحرب المخيمات.
الصورة من الخارج لا توحي بأكثر من مبنى للمهجرين غطت ألواح الخشب أبوابه ونوافذه وتدلت الثياب على شرفات ترشح حجارتها ماء وسواداً، إلا أن مظاهر التهجير لا تشغل فقط ما هو فوق الأرض إنما ما هو تحتها. ففي ملجأ قسّم بألواح خشب، الى ما يشبه منزلين، تعيش أربع عائلات وسط ظلام دامس لا تخفف منه سوى مصابيح كهرباء، بينما الرطوبة ترخي بثقلها على الفضاء الذي يعج بالبعوض ويلهو طفل تقوست ساقاه لعدم تعرضه للشمس، مع صرصار يزحف على أرض الغرفة.
قالت ميرفت، زوجة زهير حبيشي، ان زوجها لم يستطع اعادة بناء المنزل في الداعوق بعدما تهدم في حرب المخيمات لعدم توافر المال. فالزوج يعمل دهاناً ولا يجد الآن عملاً، ولديهما خمسة أولاد أكبرهم بلغ السادسة عشرة. وتصف الحياة في الملجأ قائلة انها تطلب من أولادها كل يوم "الخروج الى الشارع للتعرض للشمس واللهو، والعودة ليلاً للنوم. وأنا لا أعلم ماذا يفعلون فوق، قد يذهبون ليلعبوا - الفليبرز - إنما يعودون".
أما دلال فإن الجزء الآخر الذي تشغله وعائلتها من آل مجدلاوي وعائلة أهل زوجها وعائلة عم الزوج، فربما أفضل حالاً من ظروف ميرفت، إذ أن مدخل الملجأ يطل على الشارع وتنفذ أشعة الشمس الى طرفه أيام الصحو والصيف "لكن الجرذان تملأ المكان ما اضطرنا الى وضع عوائق خشب لمنعها من مشاركتنا حياتنا تحت الأرض". وتشير الى أن المراوح لا تتوقف عن العمل و"إلا انقطع الهواء عنا". وتدلنا الى غرفة لا يزيد طولها عن مترين وعرضها متر ونصف متر، صممت في الأصل لتكون مركز تدفئة "شوفاج" البناية، قائلة ان سلفها سيتزوج قريباً فيها.
مخيم مار الياس
إذا كانت عائلة الداعوق ملتزمة وصية كبيرها، فإن مخيم مار الياس الذي تعود ملكية أرضه الى وقف مار الياس بطينا، موضوع دعوى قضائية أقامها الوقف ضد الدولة اللبنانية لحفظ حقه. ومن المقرر أن يصدر الحكم الشهر الجاري. والمخيم كان أرضاً حرجية شغلتها 70 عائلة فلسطينية التجأت الى الدير في حينه لاعتبارات طائفية ولم يبق منها فيه سوى 13 عائلة. أما الباقية فخليط من فلسطينيي تل الزعتر وجسر الباشا.
هو أصغر مخيمات بيروت. يضم 250 عائلة الآن. كان في عهدة الصليب الأحمر وتسلمته وكالة "أونروا" التي حوّلت خيمه بيوتاً سقوفها من الزنك ليتم تحسينه لاحقاً مع تصاعد نشاط الثورة الفلسطينية، وتزويده الخدمات العامة. وتجبي الدولة اللبنانية بدلات الكهرباء مثل باقي المخيمات بواسطة اللجان الشعبية.
مخيم مار الياس لم يتمدد لا أفقياً ولا عمودياً الا في ما ندر. ويشير بعض المقيمين فيه الى بضعة منازل من طبقتين، ويعتبر أصحابها من المحظوظين. لا يتجاوز عدد سكان المخيم 2100 نسمة ينتشرون على مساحة 1400 متر مربع. ويذكر أحد المتابعين لأحواله أن عدداً كبيراً من عائلاته نال الجنسية اللبنانية في عهد الرئيس اللبناني كميل شمعون، وان عدداً آخر تجنس أخيراً. لكنه من أبناء القرى السبع.
فومية رشيد روزا فلسطينية من يافا لكنها تحمل الجنسية اللبنانية، قالت ان العائلات التي غادرت المخيم قصدت مخيم الضبية، أو هي تعيش الآن في مناطق مختلفة ومنها الدورة وبرج حمود والمصيطبة وصفير. وأشارت الى أن الحياة في المخيم لا تختلف عما كانت عليه سابقاً على رغم اختلاف المقيمين فيه. لكنها تؤكد أن لا تفرقة دينية. الحياة في المخيم أهدأ منها في باقي المخيمات. لكن المعاناة تتكرر لجهة البطالة والضائقة المعيشية. ويقول ناصر الصالح 29 سنة أن معظم الشباب يطمح الى الهجرة، ولو عن طريق الزواج. وهو يتم بالاتفاق مع دنماركيات أو فتيات فلسطينيات مقيمات في الدنمارك. ويقدر أحد الذين تجنسوا، وهو من الخالصة، عدد الذين استردوا الجنسية في المخيمات ب20 ألف فلسطيني "وهم لا يزالون يحملون بطاقة الإعاشة لكن الهوية الفلسطينية سحبت منا وبتنا نحمل الهوية اللبنانية".
ويتحدث عن حسن المعاملة التي يلقاها في مؤسسات الدولة مذ أصبح لبنانياً، لكنه يشير الى مفارقة في حياة ولده الذي استدعي الى خدمة العلم، وبعد الانتهاء منها رغب في التقدم الى وظيفة في أمن الدولة فرُفض طلبه وقالوا له "بعد عشر سنوات"، مستغرباً أن تُفرض عليه واجبات ولا تعطى له حقوق، علماً أن الفلسطيني في الدول العربية الأخرى يستطيع الوصول الى أعلى المراتب وهو محتفظ بجنسيته.
ويشير فلسطيني آخر، متزوج من برازيلية، الى أن بناته يحملن الجنسية البرازيلية و"ان الدولة اللبنانية عمدت فور معرفتها بالأمر الى شطب بناتي من السجلات الفلسطينية لديها".
مخيم برج البراجنة
تغيب عن مخيمات بيروت وضواحيها مظاهر السلاح حتى في مكاتب التنظيمات الفلسطينية، وهي ليست معزولة عن أمن الخارج وتتم ملاحقة مطلوبين داخلها بالتنسيق بين اللجان الشعبية التي تمثل التنظيمات، وأجهزة الأمن التابعة للدولة اللبنانية. وثمة من يرصد في الخفاء داخل المخيمات المخالفات التي ترتكب ويتم التبليغ عنها وضبطها في المخافر القريبة من المخيمات. والمظهر الوحيد المخالف لهذه الصورة هو برج البراجنة الذي ثبت على مدخله من ناحية طريق المطار حاجز القوات السورية من دون أن تكون وظيفته تفتيش العابرين.
يمتد مخيم البرج على مساحة 166 ألف متر مربع بعدما كان، لدى تأسيسه، محصوراً بما يعرف ب"الجورة". ليتوسع مع الوقت في اتجاه طريق مطار بيروت الدولي فوق أرض مشاع. ويقيم في المخيم الآن 14 ألف نسمة. وكانت العائلات التي لجأت الى منطقة البرج من بلدات كويكات وترشيحا والكابري وشعب والشيخ داود والغابسية من لواء الجليل. ويشير شيوخ المخيم الى أن البساتين والمصانع التي كانت موجودة في هذه المنطقة استقطبت اليد العاملة الفلسطينية اضافة الى المصاهرات التاريخية بين عائلات الجليل وعائلات لبنانية نتيجة العلاقات التجارية. الا أن معظم أهالي ترشيحا، كما يقول أبو عمر، غادروا المخيم مع مرور الوقت واشتروا عقارات ومنازل في ضواحي بيروت إذ كانت أوضاعهم المادية جيدة منذ كانوا في فلسطين. والآن، يشير الى "ان معظم عائلات البرج لديها ابن أو أكثر في المهجر ولولا مساعدات هؤلاء لمات الناس جوعاً".
في أزقة المخيم الضيقة والنظيفة تكثر الشعارات الدينية على جدران المنازل المتلاصقة. لكنها لا تعني كما قال أحد كبار السن في المخيم "التزاماً حزبياً، لأن الشبان الذين تركوا التنظيمات كانوا بلا مهنة".
في مخيم البرج ثماني مدارس تابعة ل"أونروا" وثلاث عيادات طبية الى جانب مستشفى حيفا ومؤسسات غير حكومية، بعضها تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ك"بيت أطفال الصمود" و"مؤسسة الشهيد" اللذين يجمع أهالي المخيمات على تراجع خدماتهما، ولم تعد المساعدات المادية التي تمنح لذوي الشهداء، وبينهم لبنانيون، تتجاوز 60 ألف ليرة شهرياً. وتتجلى عبر تأمين مياه الشرب للأهالي مجاناً بينما تؤمن الدولة اللبنانية مياه الاستخدام في مقابل بدل مالي.
وفي المخيم مركز لجمعية المرأة الخيرية وتكاد وظيفته تنحصر بمعالجة الأزمات الاجتماعية الناجمة عن الأوضاع المعيشية. وتقول احدى المسؤولات في الجمعية السيدة آمال مصطفى ان أبرز هذه الأزمات الطلاق وتخلي الأب أو الأم عن رعاية الأولاد بسبب الضائقة المادية. وقدرت نسبة حالات الطلاق ب75 في المئة، مشيرة الى أن أكثرها بين المتزوجين أو المتزوجات من أجانب أو فلسطينيين يعيشون في الخارج، وهدف الزواج هو الهجرة فيعود هؤلاء الى المخيمات مطلقين أو مطلقات مع عدد من الأولاد.
وينعكس تردي الأوضاع المعيشية تفشياً لمرض فقر الدم بين الأطفال والأمهات، ويشير مدير مستشفى حيفا التابع للهلال الأحمر الفلسطيني الدكتور ديب عثمان الى أن المستشفى استقبل قبل مدة طفلاً يبلغ شهرين من عمره ولم يزد وزنه عن 2500 غرام. ويتحدث عن حالات موت نتيجة هذا المرض وعن تخلي الأهل عن متابعة العلاج لعدم قدرتهم على تغطية كلفته حتى لو أمنت وكالة "أونروا" نصف الكلفة. ويعمد المستشفى الى اجبار الأهل الذين يريدون اخراج مرضاهم من المستشفى الى توقيع أوراق ترفع المسؤولية عن ادارته.
كثيرة هي صور الشهداء في بيوت الفلسطينيين في المخيمات، لكن صور المسجد الأقصى او خريطة فلسطين نادرة. كثيرون قالوا انهم أزالوها عن جدرانهم في حرب المخيمات خوفاً، ولا تزال مخبأة في الخزائن. وآخرون قالوا انهم ملّوا الشعارات التي لم تُرجع حقاً وقد لا ترجعه. والبعض أكد حبه لفلسطين حتى لو ملك جنسيات العالم، وآخر همس أنه إذا لم يعلن حبه لها فسيتهمونه بالخيانة، وثمة من قال ان "فلسطين" صارت تهمة تلاحقه أينما حل فكيف للإنسان أن يغير جلده؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.