هاتفياً... فيصل بن فرحان ووزير خارجية مصر يبحثان تداعيات الهجوم الإسرائيلي السافر على قطر    "حضوري" بين الانضباط الوظيفي والتحايل التقني.. حالات فردية تسيء للمنظومة التعليمية    اليوم العالمي للعلاج الطبيعي.. الشيخوخة الصحية في الواجهة    وزير الخارجية وزير الخارجية التونسي يترأسان اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي    بدء فعاليات مؤتمر القلب العالمي 2025 يوم الخميس بالرياض    محافظ صبيا يستقبل رئيس البلدية المعين حديثًا    ‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    HONOR تكشف عن جهاز HONOR MagicBook Art 14 2025 الفائق النحافة    نائب أمير الشرقية يتسلم التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الهلال الأحمر بالمنطقة    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    أمير جازان يستقبل رئيس مجلس الجمعيات الأهلية بالمنطقة وأعضاء المجلس ويطلع على التقرير السنوي    نائب أمير تبوك يستقبل المواطن حمود الحويطي المتنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى    تعليم الطائف يدعو الطلبة للتسجيل في بطولة الأولمبياد العالمي للروبوت (WRO)    المملكة تدين وتستنكر استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في سورية    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان وأعضاء فريق قافلة طب الاسنان التوعوية الخامسة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية طاجيكستان بذكرى استقلال بلاده    جمعية رواد العمل التطوعي تنفذ ورشة عمل تحت عنوان "إدارة الفرص التطوعية"    منصة التقييم الذاتي تمكن أكثر من 117 ألف منشأة من تعزيز امتثالها وتحول الرقابة إلى ممارسة مؤسسية مستدامة    مؤثرون ومشاهير    إعطاء أفضلية المرور يسهم في تحقيق السلامة المرورية    ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى غدا    دراسة متخصصة: ثقة الجمهور بالإعلام الرقمي "متوسطة" وتطوير مهارات الصحافيين مطلب    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    الأهلي يبتعد عن الأحمد    وزارة الصناعة والثروة المعدنية و ( ندلب) تطلقان المنافسة العالمية للابتكار في المعادن    مقتل شخص في هجوم أوكراني بمسيرات على سوتشي في روسيا    رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه يحضر أول مواجهة"Face Off" بين كانيلو وكروفورد    الذهب يرتفع إلى 3651.38 دولار للأوقية    إثيوبيا تدشن اليوم سدا ضخما لتوليد الطاقة الكهرومائية    نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الزامل    أطلقها وزير الموارد البشرية لتعزيز صحة العاملين.. لائحة لخفض معدل الأمراض والإصابات المهنية    9 إجراءات إسبانية ضد إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية    «السفارة بجورجيا» تدعو المواطنين لتحديث جوازاتهم    تعزيز التعاون بين «النيابات» والادعاء العام بالخليج    الفرنسي «ماتيو باتويلت» يحمي عرين الهلال حتى 2027    في ختام معسكره الإعدادي.. الأخضر يرفض الخسارة أمام التشيك    تجاوزو فان بيرسي.. ديباي هدافاً ل «الطواحين»    محامي الفنانة حياة الفهد ينفي دخولها في غيبوبة    أنغام تشدو من جديد في لندن ودبي    تفاهم بين «آسان» و«الدارة» لصون التراث السعودي    قاتل المبتعث «القاسم» يدعي «الدفاع عن النفس»    بدء استقبال طلبات تراخيص«الحراسة الأمنية»    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    140 ألف دولار مكافأة «للموظفين الرشيقين»    "الصحة" تستكمل التحقق من فحوص اللياقة والتطعيمات للطلبة المستجدين    33.8% زيادة عالمية بأسعار القهوة    يوم الوطن للمواطن والمقيم    50.2 مليون بطاقة صراف آلي تصدرها البنوك    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    عندما يكون الاعتدال تهمة    رصد حلقات زحل بجوار خسوف القمر    ضبط 68 مروجا و603 كيلوغرامات من المخدرات    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: "التماسك بين الشعب والقيادة يثمر في استقرار وطن آمن"    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارض الحفارين غضبان ويوسف : الخروج من كيمياء الحمض والمعدن والدخول في سيمياء الدهشة والروح
نشر في الحياة يوم 11 - 06 - 1998

يمثل فن الطباعة والحفر مساحةً رحبة في اضاءات ازدهار المحترف البحريني، استقر محترف رافع الناصري منذ العام الماضي فيها، كثير من فنانيهم يمارسون "الكرافيزم" والطباعة من مثال أنس الشيخ وجمال عبدالرحيم وابراهيم بوسعد، وتتلاقح في أساليب آخرين العناصر الكرافيكية باللوحة من مثال تجارب بوسته وبعض الحروفيين، وقد برز في فن الحفر اسمان لا يفترقان يعملان بلهاث محموم ليل نهار في محترف "جمعية البحرين للفنون التشكيلية" وهما عبدالجبار غضبان وعباس يوسف، بدآ منذ أيام يلتقطان أنفاسهما بعد أن تمّ تهيئة معرضهما الوشيك المشترك في صالة "الكوفة" في لندن، عرفا بنشاطهما المتسارع في العروض الأوروبية آخرها كان في الدانمارك قبل عامين، وقد حقّقا خلال العام الفائت عرضين: الأول في "صالة أجيال" في بيروت والثاني في "صالة عشتار" الدمشقية، كما دعيا للعرض الاستعادي في العام المقبل بمركز الفنون التابع للمتحف الوطني في المنامة.
تجتمع التجربتان حول تقنية "السالب والموجب" المحفور والمطبوع في تبصيمات الكليشة. وهما يتباعدان في موضوعتهما فالأول تعبيري تشخيصي، والثاني تجريدي حروفي. تصدر خصائص التكوين لدى الاثنين من الصراع الدؤوب بين الشكل العضوي والتعامد المعماري، تحشر أجساد الأول في حجيرات حميمة، وتبدو شبكات الأحرف لدى الثاني وكأنها مقاطع مجهرية بيولوجية.
تتملّك الاثنين عقيدةُ الشيوع والتعددية التي ختمت مصداقية فن الطباعة والحفر منذ تظاهراتهما الأولى على المعدن أم الشاشة الحرير السيريغرافي، أم الطباعة الحجرية الليتوغرافي، وبتجاوزهما قدسية الأحادية في اللوحة وفرادتها تحدوهما قناعة أكيدة بأن الندرة لا تضمن أصالة العمل الفني. ولا تعني تعددية النسخ أي تماثل، خاصة وأن هذه التقنية الشعبية مثلها مثل كتاب الجيب والأسطوانة أخرجت المتعة البصرية من احتكار الخاصة، وسعت بالتالي الى نشر العمل الفني على آفاق جماهيرية عامة. لقد خرجت توأمية الاثنين من أشداق الآلة الطابعة وأسطوانات المكبس اليدوي، وحين يمارسان أحادية التصوير يحافظان على حساسية تدفق الأحبار الهادئة الصباغة، وحساسية مبضع الخط والرسم المعدني.
تقع القرابة السيميائية بين عرائس الدهشة الفضبانية ومشكاة الحروف اليوسفية خارج حدود كيمياء الزنك والحمض والمنقاش، لأنها قرابة روح ورحم مكان وزمان المعايشة اليومية.
يختزل عبدالجبار العالم الى وجه ويد وإيماءة ملتاعة، ربما يكون وجهه الذاتي المتوحّد مع فتاة أحلامه البعيدة أبداً، تسيطر على عوالمه التعبيرية الحادّة "سيزيفية" قدرية مستسلمة الى مرارة مأزومة، توشحها أغلفة من الحلم الذي يؤرق رسوخ تكويناته: عالم موحش مختوم بصمت مريب وعويل مكبوت، وقفات ساهمة في الأبدية، وفي حتمها الوجودي العابث.
يعتمد عبدالجبار في هذه التآليف على اختزال العناصر والتقشّف في الشكل والمضمون، والزهد في الأدوات والأداءات، معتمداً هدوء ألوان الحفر التي تهمس بالصباغة ولا تصرّح بها، ما خلا بعض المواقع التي تترصّع فيها الألوان القانية الأرجوانية أو الزمردية التركوازية.
وكثيراً ما تمتد ذراع الأنثى حادة الميلان مع المرتسمات المتعامدة تضرب حيوية كبيرة في سكونية الموضوع وعطالاته الاستلابية.
تتظاهر ذروة التعارض بين الاثنين في هذه المحطّة ففي الوقت الذي تخرج عصابية عبدالجبار غضبان من آلية التعبيرية البسكولوجية الغربية، يقطف عباس يوسف ما شاءت له ذائقته الكرافيكية من غبطات الحرف وذخائر اقلامه وطرزه التي درج على تخطيطها وفق أصولها التي تعلمها من المعلم البحريني عبدالله العرب، درس الأول في كلية فنون دمشق قسم الحفر حتى نهاية 1981 فحمل السمات المأزومة للحفر السوري، ودرس عباس الأدب واللغة العربية في جامعة قطر حتى عام 1982، ورغم استخدام عباس لذاكرة الثقافة المحلية فتجريده مستخرج مثل زميله من شحوبة تقاليد ألوان الحفر الأوروبية.
قد لا يكون عباس حروفياً بالمعنى الاستهلاكي أو الباروكي المنمّط الذي تعثّرت به تجارب الكثيرين من مثال القريشي والمهداوي، مسعودي ونحلة وغيرهم ذلك أنه يستخدم أقلامه وقصباته لأنه يعرف أصولها. فهو خطاط ممارس مثله مثل سمير صايغ والصكار والشعراني وعلي حسن وسعيد طه والزندرودي وسواهم يمارس التخطيط وفن الحفر والطباعة في نفس الوقت، والحرف لديه يمانع الشطح والترويض الاستشراقي، وذلك بسبب مناعة تراكم خبراته في الرسم. تقترح تداعياته التكوين العام والتماوجات التي تحافظ على هيئته الذاكراتية الحرفية، أما درجات التواشج الصباغية الرهيفة فتستعير اليد اليسرى لمعزوفات ليالي شوبان الواطئة، متوافقاً مع صبوة زميله في الايجاز والالماح والتشكيل "المنماليست" الاختصاري. محافظاً على مهابة الحرف كما وصفه ابن عربي: "انما الحروف أمّة من الأمم".
يجتمع الاثنان حول رفض الكيمياء الكتيمة في جدار المعدن، بحيث يبدو التراشح الكابي للون شفافاً أو شافاً نافذاً للنور ورفيفه الإشعاعي. وهنا نقع على التنزيهات الكرافيكية الملتبسة التي تتبادل فيها الأرضية مع الشكل دورهما الادراكي، ويستبدلان بالتالي الكيمياء الحمضية بالسيمياء الروحية، مثل التحول رمزياً من المعدن الخسيس الى المعدن الثمين، من القصدير والزنك والنحاس الى التماع الذهب، ومن صدأ المادة الى نورانية العالم الروحي.
تتحالف ايقاعات الأقنعة اللغزية لدى الأول مع موسيقى الحروف لدى الثاني ليحققان نفس الغبطة التقنية التي تجعل من تبصيمة المعدن وتآكلات الحمض تدفّقات وجدانية حميمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.