رؤية 2030 والسيادة الرقمية    الذهب الجديد    إعلان الفائزين ب «جائزة اليونسكو الفوزان الدولية» التي تدعمها المملكة    الترجي يغلق قضاياه الدولية والمحلية ويقترب من تسجيل اللاعبين    الفريق الفتحاوي يصل الرس ويستكمل استعداداته لمواجهة الحزم    ضبط 21.6 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل والحدود خلال أسبوع    رسالة من رياض محرز إلى جماهير الأهلي    الفخر بطبيعتنا هوية وطن    استشهاد 11 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء في غزة    صحف عالمية: الأهلي يقلب الطاولة على الهلال في "قمة لا تُنسى"    البرلمان العربي يُرحِّب بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة    أمطار رعدية غزيرة على عدة مناطق    المركزي الروسي يرفع سعر الدولار ويخفض اليورو أمام الروبل    بوبا العربية تعقد شراكات تقنية وصحية في مؤتمر "Money 20/20" بالرياض    جودة التداوي والكسب المادي    حق التعليم لا يسقط بالتقادم أين مرونة القبول    أثر الحوار في تعزيز المشاركة لدى طلاب الثانوي    الملحقية الثقافية السعودية: 201 مبتعث ومبتعثة في نخبة جامعات كندا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    18حكماً يشاركون في إدارة مباريات خليجي تحت 17 عاماً    محافظ الطائف يتوّج الجواد "تلال الخالدية" بكأس الأمير عبدالله الفيصل و"وثاب المشاهير" بكأس الملك فيصل    البرتغال: سنعترف رسميا بدولة فلسطين    اليوم السبت .. انطلاق بطولة الخليج للناشئين    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    ماريسكا: حياة والدي الصياد كانت أصعب    مستشفى الدرب العام يشهد مبادرة "إشراقة عين" للكشف المبكر عن أمراض العيون    ضبط (5) مخالفين لنظام أمن الحدود في عسير لتهريبهم (100) كجم "قات"    المرور : ترك الطفل وحيدًا داخل المركبة.. خطر يهدد حياته    قطاع تهامة الإسعافي يفعل اليوم العالمي للإسعافات الأولية    زيارة دعم وإشادة وشراكات تنموية للتنمية الاجتماعيّة الأهلية بفيفاء    إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها ومعجزته باقية إلى يوم القيامة    الجهني: أوصي المسلمين بتقوى الله والاعتصام بالكتاب والسنة    جدة تغني حب وحماس في ليلة مروان خوري وآدم ومحمد شاكر    في النظرية الأدبية.. بين جابر عصفور وعبدالله الغذامي    محافظ بيشة يدشن جمعية التنمية الزراعية "باسقات"    خطباء الجوامع: وحدة الصف وحفظ الأمن من أعظم نعم الله على المملكة    جمعية نمو للتوحد تحتفي باليوم الوطني ال95    جلسات منتدى حوار الأمن والتاريخ.. إرث راسخ ورؤية مستدامة للأمن والتنمية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة    اختتام ورشة عمل بناء العمل الفني بالمدينة المنورة    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي    نائب أمير تبوك يدشن حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    مجلس الدفاع الخليجي المشترك يقرر تحديث الخطط الدفاعية وتبادل المعلومات الاستخبارية    ما مدى قوة الجيش السعودي بعد توقيع محمد بن سلمان اتفاق دفاع مع باكستا    أمير منطقة المدينة المنورة يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز للتميز    "سترونج إندبندنت وومن"    العيسى والصباح يزفان عبدالحميد    قطر: حرب إبادة جماعية    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    سارعي للمجد والعلياء    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهاربون حملوا اليها احلامهم وزينوا جدرانها وبيوتها بالزخارف . قرية "البركة" الاسبانية تعبق بعبير سكانها العرب الاوائل وتعيش على السياحة
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 1998

ليس من قرية في اسبانيا تثير الآراء المتناقضة حولها مثل قرية "البركة"، تلك القرية التي تقع بعيداً عن كل الاماكن الآهلة بالسكان في مقاطعة "سلمنقا" وسط البلاد. قرية ضائعة بين الجغرافيا والتاريخ منذ زمن بعيد يعود الى القرن الثاني عشر الميلادي، اي مذ بدأت الحروب الصليبية الكاثوليكية التي قادها الثنائي "ايزابيل وفرناندو" ضد كل ما هو عربي واسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية، حتى ان كثيرين من المؤرخين يعيدون الى هذا السبب وجودها في تلك البقعة البعيدة الصعبة المرتقى التي لا يمكن الوصول اليها بسهولة.
ويعتقد ان سكانها الاوائل كانوا من فقراء المسلمين الموريسكيين الهاربين من محاكم التفتيش الكاثوليكية، التي كانت تطاردهم للانتقام منهم واجبارهم على ترك البلاد، تحت طائلة صليهم نار العذاب في السجون التي كانت تنتهي بهم الى نيران المحارق التي التهمت عشرات الآلاف منهم، خلال موجات الطرد المتعمدة والمتلاحقة، التي بدأت منذ سقوط مملكة غرناطة.
ويؤكد المؤرخون ان هذا التفسير هو الاصح، وربما كان اكثر صحة من اي تفسيرات اخرى يمكن ان تقال عن اصل تلك القرية الصغيرة، وسكانها الذين لا يزيد عددهم اليوم عن 1700 نسمة. واسم "البركة" يؤكد على الاصل العربي للقرية، لأنها تشير الى اسم "البحيرة الراكدة"، وفقرها طوال ازمنة تاريخية يؤكد ان الفقراء من الموريسكيين الذين تمسكوا بالدين والوطن هم الاصل للسكان الحاليين، اذ لا يزال اقتصاد تلك المدينة يعتمد بشكل اساسي على الزراعة في الاراضي القليلة الصالحة للزراعة في تلك المنطقة، والمراعي المنتشرة في منطقة جرداء شبه صحراوية يغطيها بعض الاشجار الضخمة، التي لا تصلح ان تكون طعاماً للماشية، لذلك يغلب على مراعيها حيوان "الماعز" الجبلي الذي يحتمل الحياة في مناطق مثل تلك المنطقة.
هذا التاريخ من العزلة استمر فترة طويلة، حتى عندما نجح الفرنسيون بقيادة "بونابرت" في حملته الشهيرة على اسبانيا للوصول الى منطقة شمال افريقيا، كانت تلك القرية ملجأ لكل الهاربين من العسف الفرنسي، وبالتالي مستقراً لقيادات المقاومة الوطنية ضد الفرنسيين، وهذه نقاط مضيئة شعّت في تاريخ تلك القرية التي كانت رمزاً لمقاومته كل ما هو تعسفي في تاريخ اسبانيا القديم والمعاصر.
لكن هذا التاريخ المجهول للقرية الصغيرة جعل منها احدى القرى القليلة التي تتمتع بجمال معماري أخّاذ يجذب السياح اليها، حيث تتكون القرية من مجموعة من البيوت الحجرية المتقوقعة على نفسها، وكأنها تبحث عن الحماية الذاتية ضد عدو مجهول غير مرئي، وربما كانت موجات الهجرة التي وصلت اليها هرباً من الاضطهاد طوال تاريخها سبباً في ان تلك البيوت المبنية من الحجر المختلفة الاشكال والطرز المعمارية.
البيوت التقليدية
وتتكون هذه البيوت من مادة متشابهة وربما كانت واحدة، كلها من ثلاثة طوابق: الاول منها من الحجر الذي يتم رصفه كيفما اتفق، فتبدو الجدران وكأنها منحوتة في صخر الجبل، ثم الثاني والثالث من الخشب والمواد الطينية ذات الاشكال الهلامية التي لا تتوحد في بيوت تلك القرية، اما الشبابيك والابواب فهي مثيرة لدهشة المشاهد، اذ لا يمكن في البيت الواحد العثور على شباك يشبه شباك آخر، وبعضها مستدير والآخر مستطيل، وبعضها الآخر لا يمكن وصف شكله، مما يجعلها اقرب الى نوافذ وشبابيك البيوت التي يرسمها بعض الفنانين التشكيليين المعاصرين.
اما الشوارع فليس هناك تشابه ما بينها سوى في التعرجات المفاجئة التي تبدو كما لو كانت حواجز طبيعية في وجه السائر فيها، ولكل شارع شكله الخاص، وتعرجاته الخاصة، لكن الشوارع كلها ضيقة وتؤدي الى الميدان الصغير الرئيسي للقرية الذي تقف في احد اطرافه الكنيسة الوحيدة في القرية شاهدة على زمن الاضطهاد الذي واجهه اجداد السكان الحاليين.
وتتلاصق في الميدان الرئيسي بعض الابواب الخالية من اي زخرف الى جوار ابواب مزخرفة بشعارات قديمة تدل على اصول سكانها الذين كانوا ينتمون الى الارستقراطية الهاربة من عسف الزمن والسلطة.
ويمارس سكان القرية حالياً مهنة مزدوجة اذ يتحولون ايام الاعياد والاحتفالات والمواسم السياحية الصيفية، الى صناعة الحلوى، وأنواع كثيرة منها تعود الى أصول عربية معروفة، في حين ترتدي النساء ملابس فضفاضة مزخرفة برسوم تدل على اصولها العربية، وتؤكد على ان الدماء العربية كانت ولا تزال تجري في شرايين مرتديها. وما ان ينفض الموسم السياحي حتى يتحول السكان الى الارض الفقيرة والقليلة الباقية لهم ليمارسوا مهنة الزراعة التي توارثوها أباً عن جد.
هذا التاريخ المجهول المظلم لحياة تلك القرية كان في رأي المؤرخين سبباً في ذلك الجمال الخفي في معمارها، والذي اصبح السبب في ان تخرج القرية من عزلتها، ومن فقرها بعد كل تلك القرون معتمدة على ما تدره على السياحة من دخل.
قرية البركة تعتبر مزيجاً من جمال الطبيعة والمعمار، المغلف بتاريخ سري يجذب الباحثين عن الغريب في عالم اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.