أكثر من 2.2 مليون رأس من الإبل تجسد الموروث الوطني السعودي في تعزيز الأمن الغذائي    1 محرم بيع المواشي الحية بالوزن في أسواق النفع العام    ولي العهد يتلقى اتصالا من الرئيس الفرنسي    السوق السعودي يغلق منخفضًا 36 نقطة    أمير حائل يستعرض خطط مشاريع المياه    وزير الداخلية يودع السفير البريطاني    أمير حائل يكرّم 73 طالبًا وطالبة حققوا مراكز متقدمة في مجالات علمية وثقافية    أمين القصيم يوقع عقد مشروع لصيانة شوارع غرب بريدة ب 17 مليون ريال    استشهاد 29 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    العلا تعزز الاقتصاد بموسم الفواكه الصيفية    رينارد يتوقع مستقبل مميز للمنتخب السعودي    الشؤون الإسلامية توزع هدية خادم الحرمين من المصحف الشريف على الحجاج المغادرين عبر منفذ عرعر    إثراء يشارك في مهرجان للعمارة والتصميم في إسبانيا بمشاركات زراعية سعودية    «صندوق شفاء» يواصل ويتوسع في تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية للمرضى    الزعيم يواجه ريد بول سالزبورج في ثاني مبارياته بكأس العالم للأندية    "القنبلة الخارقة" تقصف قلب البرنامج النووي الإيراني    كأس العالم للأندية.. ريفر بليت الأرجنتيني يتعادل سلبيًا مع مونتيري المكسيكي    مدرب الأخضر: مباراة ترينيداد حاسمة للتأهل.. ونعمل على بناء جيل سعودي واعد بعد المونديال    الأرصاد: رياح مغبرة تؤثر على عدة مناطق وأمطار رعدية متوقعة على جازان وعسير    أستراليا: دراسة تحذّر من تأثير ضربات الرأس في كرة القدم على كيمياء الدماغ    "جالينو" يقترب من مغادرة الأهلي    وزير الخارجية يبحث مع نظيريه الباكستاني والمصري المستجدات    عبدالعزيز بن طلال يتسلم جائزة عربية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تكريم المنشآت الفائزة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    الإطاحة بمروج مواد مخدرة بمنطقة الجوف    المرور: ترك المركبة في وضع التشغيل عند مغادرتها يعد مخالفة    10 أيام تفصلنا عن بدء تطبيق "تصريح التوصيل المنزلي"    مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات.. شركة لبناء وتشغيل مرافق إكسبو الرياض 2030    "جوجل" تطلق ميزة البحث الصوتي التفاعلي    سوق البحر الأحمر يمدد فترة التقديم للمشاريع السينمائية    «التراث»: إطلاق حملة «عادت» لتعزيز الوعي بأهمية الآثار    وفد يلتقي أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية الفرنسية – الخليجية.. رئيس الشورى ومسؤول إيطالي يناقشان التعاون البرلماني    6 رحلات يومية لنقل الحجاج الإيرانيين من جدة إلى عرعر    شاشات ذكية ب 23 لغة لإرشاد الزوار في المدينة المنورة    البرازيل تطلب استضافة مونديال الأندية 2029    "التخصصي" يستعرض ريادته في مؤتمر دولي.. الفياض: السعودية رائدة في قطاع التقنية الحيوية والطب الدقيق عالمياً    "100 براند سعودي" يجذب الأنظار في لندن    عصام جنيد: الحجاز مهد الغناء العربي    جازان تودع الشاعر والأديب موسى بن يحيى محرق    أسرار جديدة بمدينة إيمت    روبوت عسكري بحجم بعوضة    %99 استقرار أسر مستفيدي زواج جمعية رعاية    عواقب التخلي عن الدهون الحيوانية    اختبار منزلي يقيّم صحتك    ما يسعدك قد لا يسعد غيرك.. أبحاث جديدة تدحض وصفة السعادة العامة    شركات طيران تعلق رحلاتها بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران    أمير جازان يبحث المشروعات التنموية والسياحية في فرسان    مصانع لإنتاج أسمدة عضوية من مخلفات النخيل    بعثة حج الجمعيات الأهلية المصرية : نشكر السعودية علي ما وفرته لراحة ضيوف الرحمن من المصريين وتيسير مهمتنا    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    هل تموت الكلمات؟    الجبهة الداخلية    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على صاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود    دبلوماسية الطاولة العائلية    احتفل دون إيذاء    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - وخزات الألم
نشر في الحياة يوم 13 - 09 - 2011

لم تستطع أبداً أن تحاول كسر ذلك الطوق الذي أحاطت نفسها به ذات وجع. كل من ينظر في عينيها يفزع من قسوة تلك النظرة التي تواجه بها العالم. قسوة تعمدتها ذات يوم، ثم صارت جزءاً منها بالضرورة. هي لم تكن ترغب في أن تصدر للعالم تلك الصورة المغلوطة عن ذاتها، لكنها تعلمت أن تتخذ دفاعات نفسية تمكنها من العيش في سلام وسط عالم يطفو فوق بحر من القسوة والاستغلال. يدفعها التوق أحياناً الى أن تأتي بألبوم صورها حيث كان القلب لا يزال ممتلئاً تسامحاً وحنواً. تتأمل الصور التي تظهر شغفها ومشاكساتها لكل ما يحيط بها، وتبتسم ابتسامة باهتة. اليوم زميلها في العمل قال لها إنه متأكد من أن لها تاريخاً سرياً تخفيه وراء قناع الصمود هذا. وضحك ساخراً وهو يضغط على حروف كلمة سرّي محاولاً استفزازها. نظرت في الساعة المثبتة قبالتها على الحائط الزجاجي الذي يفصل مكاتب المهندسين عن مكتب رئيسة العمل، ثم لملمت أشياءها وغادرت من دون أن تعلّق بكلمة. زميلاتها غضبن منه، هو الرجل الوحيد الذي يقاسمهن المكتب الاستشاري للهندسة والبناء في عمارة رمسيس. شعر بتأنيب الضمير لدقائق قليلة لم تمنحه الفرصة أن يعد نفسه أو يعدهن بألا يستفزها ثانية.
في طريقها لركوب مترو الأنفاق كانت تفكر بكلماته. ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى. وحاولت منع دموع تريد أن تنزل من عينيها الغاضبتين. النفق الرخامي يضيق أمامها. تفتح عينيها وتغمضهما مرات محاولة إفاقة نفسها كي لا تسقط. غمامة رمادية تغطي عينيها. النفق يضيق أكثر والأضواء الموزعة على الجانبين تبهت. تشعر أنها ستسقط، فتسرع الخطو كي تصل إلى رصيف المترو، وبوهن شديد تدخل عربة السيدات. تجول بناظريها، فلا تجد كرسياً فارغاً؛ تسند ظهرها الى باب العربة وتغرق في الصمت. لم تتضايق من محاولات استفزازه لها. تعودت منذ زمن طويل على فضول الرجال. منذ أن تطلّقت ونظراتهم المستريبة تحيطها، تحاول أن تتعرف على أدق تفاصيلها. أفلحت في أن تحيط نفسها بستار من الصمت والقسوة هرباً من نظراتهم التي تبحث داخلها عن شيء يثير فضولهم. حذّرتها أمها وزميلاتها في المكتب من قرار الانفصال. حكمتهن البالغة عن وضعية المرأة المطلقة لم تكن كافية لإقناعها بأن تدع الحياة تمر من دون أن تنال لقب امرأة مطلقة.
ربما لم تكن شجاعة. لم تكن شجاعة على الإطلاق. فقط لم تطق الحياة وهي تنال نصيبها اليومي من غضبه وقسوته المفرطة لأقل شيء. لم تكن شجاعة أبداً تلك التي دفعتها لأن تواجه العالم القاسي وحيدة، بل كانت قسوة العلامات الزرقاء التي تتركها يداه على جسدها. علامات قاسية تتحملها في صمت من دون دمعة وحيدة تخفف عنها قسوة الألم. وبعد أن يفرغ منها يجلس يبكي بين يديها ويمرّغ وجهه في صدرها راجياً رضاها. تنظر إليه في جمود وتتركه في صمت. يلحق بها ويقبّل آثار الضربات على جسدها، ويعدها بالروح القدس ألا تمتد إليها يده مرة أخرى. سنون مرت وهي تتحمل كل شيء صامتة، حتى رحمة الاعتراف في الكنيسة لم تمنحها لروحها المعذبة. لقد اختارته بمحض إرادتها. في كل مرة يحاول أن يلمس جسدها ويخيب يُفرط في ضربها. عوّدت نفسها على الصبر والسلوان. قليلة هي المرات التي كانت تجلس وحيدة في حجرتها وتغلق عليها بابها وتتلمس جسدها الذي يفيض رغبة. تدرك جيداً ما يعتورها من رغبة، فتحاول إفاقة نفسها بسرعة، فتغرز أظفارها الحادة في ذراعيها، وحين يغلب الألم الرغبة تدخل إلى الحمام. تدفن جسدها الفائر في الماء البارد، وحين تهدأ روحها تخرج متسامحة ومتصالحة مع ذاتها. لم تخبر أحداً بما تعاني. كلما ذهبت إلى الاعتراف كانت تبحث عن خطايا صغيرة ارتكبتها لتحكيها للكاهن الذي يشعر أن ألماً عميقاً ينخر روحها، لكن موقعه لا يسمح له بأن يستنطقها. هو فقط يتلقى اعترافها بما ترغب أن تبوح به، لكنه يثق أن في الأمر ألماً عظيماً يحتاج إلى صبر أعظم يشعر أنها تتغلب به على هواجسها. تخبره عن الخطايا، لكن أبداً لم تخبره عن لسعات الحزام الجلدي الذي يترك آثاره على جسدها، ولم تخبره عن حلمها المتكرر بقتله. قرأت كثيراً في علم النفس لتفهم سر تكرار حلم القتل، وحين أدركت أنها تحوّل رغبتها في الفرار من قسوة الرجل الذي يشاركها سريرها إلى حلم بالقتل لامت نفسها كثيراً، لكنها لم تستطع أن تعترف بذلك أمام الكاهن. وصلت إلى نقطة لم تعد تحتمل الألم... هو يحمّلها ذنب خيباته مع جسدها المتمرد كفرس بري. قالت له بروية تليق بقرار ستدفع ثمنه طوال حياتها: «الحياة أصبحت بيننا غير محتملة، وأريد الطلاق».
رفضت الكنيسة أن تنقذ روحها المعذبة، فلجأت إلى الطلاق المدني، ولما نالته حكم عليها الأب الذي عمّدها وهي صغيرة، والذي رعى روحها طوال عمرها بألا تدخل الكنيسة ثانية، بل قال لها بغلظة لا تليق بتربيته الروحية لها: «إذا تزوجت من آخر فستصبحين مرتكبة خطيئة الزنا».
استمعت إلى كلماته القاسية وغادرت في صمت. ربما يدفعها الحنين أحياناً لأن تذهب إليه وتبكي على أعتابه وتطلب رحمته، لكنها تخشى تجدد جراح روحها، فتجثو أمام صورة العذراء التي تتوسط الصالة الكبيرة في شقتها. تشعل لها الشموع، وتبكي راجية راحة لروحها لم تجدها عند البشر.
حين وصلت المنزل قررت أن تطلب نقلها من المكتب الذي يشاركها فيه زميلها. كلما توترت من نظرات الرجال تشعر أن دبابيس حادة تخترق جلدها. لم تعد تطيق الجلوس في محيطه. تفهمت رئيسة المكتب عذرها ونقلتها إلى مكتب آخر. ومع ذلك لا تسلم أبداً من نظراته التي تجردها من ملابسها كلما مرت أمامه أو دخلت المكتب المشترك لأي سبب. زميلاتها قلن لها إنها لن تستطيع أن تهرب من نظرات الرجال، وإلا عليها أن تدخل الدير، فالنساء كلهن يتعرضن لمثل هذا الأمر. لم تجد في نفسها القدرة على التعبير عما في داخلها، فكتمت دمعتين ترقرقتا في عينيها، وانصرفت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.