عندما يخرج علينا أحد العاملين في مؤسسة ما، ويلقي بشهادة تشكك في أداء أو نوع الخدمة التي تقدمها هذه المؤسسة، مثل تلك الإشاعة التي نشرت أن مؤسسة الاتصالات عانت من عطل تقني تسبب في فوضى الفواتير، ما يعني أن معظم، إن لم يكن كل الفواتير، غير دقيقة، ثم يلمس بعض العملاء صحة هذه الإشاعة. أو مثل ذلك الخبر الذي بثّه أحد موظفي الخطوط السعودية حول أن اللحوم التي تقدمها على طائراتها غير معروفة المنشأ، أو أن يقول أحد المتقدمين لمسابقة وظيفية إن المتقدمين لم ينالوا حق التسابق العادل لأن الوظيفة ذهبت من قبل أن تبدأ المسابقة لقريب يحمل الاسم نفسه لمسؤول كبير في المؤسسة الحكومية، أو حين يصرح مدير إدارة مرورية بأن دوريات هيئة الأمر بالمعروف تقبض على موظف ساهر أثناء أدائه عمله، إلا أن الهيئة تعود لتكذب الخبر. أقول عندما يشيع أحد مثل هذه الأخبار بين الناس، فإن الخبر لا بد أن يكون إما كاذباً أو صحيحاً، لكن الشفافية والموضوعية في تقصي الحقيقة هي الطريقة الوحيدة التي تجعل هذه التصريحات كشافاً يسهم في كشف الحقيقة لمصلحة الطرفين، المؤسسة والمجتمع. بعض هذه المؤسسات تغضب وتعتبر أن ما حدث تعريض بسمعتها - مع أن الخطر هو أن يحدث ذلك في أدائها وليس الخطر في تسريبه - تمنع الصحيفة أو يهدد كاشف الخبر كما حدث حين منعت جريدة سعودية من التوزيع على متن الطائرات السعودية، ولم يكن هذا التصرف سوى مكابرة لا تفيد أحداً، ولا تتفق مع مبدأ الشفافية التي نادت بها إصلاحات الملك عبدالله. ما يحدث لدينا هو أن المؤسسة تحاكم نفسها بنفسها عبر جملة اعتدنا سماعها، وهي نفي المسؤول صحة ما نشر، هذا المسؤول هو نفسه مدير الدائرة التي أثيرت ضدها التهمة، فهل يبرئ المتهم نفسه بنفسه. المؤسسات تظن أنها وحدها التي يعود إليها حق تقرير مصير المستفيد، وليس من حق المستفيد أن يتأكد هو بنفسه من أن تلك التهم التي تقلق أمنه أو صحته أو ماله غير صحيحة، ولعل ما كتب الزميل بدر بن سعود في أحد مقالاته في جريدة «عكاظ» عن كيف واجهت ال «بي بي سي» عام 2005 تهمة تحيزها لإسرائيل وكيف جرى التحقق من صحة هذه التهمة، يفيد إلى أي حد لا يمكن الخصم أن يكون هو الحكم. فال «بي بي سي» شكلت لجنة تقصي الحقائق، وكلفت هذه اللجنة جامعة «لافبرا» البريطانية بدراسة حول الموضوع، وطلبت من جهات غيرها تقديم إحصاءاتها وتقاريرها وقراءاتها، ومن هذه الجهات: الراصد الإعلامي العربي والرابطة الانغلواسرائيلية ومنظمة «بيكوم» المعنية بخلق أجواء مؤيدة لإسرائيل في بريطانيا و «كابو» أو مجلس الصداقة العربية البريطانية. وقد خرجت اللجنة بتقرير مفصل نشر وانتشر في نيسان (أبريل) 2006، وانتصرت نتيجته لدقة وعدالة «بي بي سي» في تغطياتها، مع وجود جوانب ضعف ومناطق رمادية، ليس سببها غياب الموضوعية، بل أسباب أخرى مثل ضيق الوقت... الخ. في ظني أن هذه الحادثة كانت فرصة جيدة حصلت عليها ال «بي بي سي» للكشف عن أمانتها وحياديتها ودقتها، فماذا لو أن ال «بي بي سي» غضبت ونفت وأنكرت وحدها، هل كان أحد يصدقها؟ [email protected]