تحيّز أم حياد؟ توعية أم نقل؟ تعرية أم تغطية؟ اجتهاد أم التزام بنص؟ إنقاذ أم مشاركة في غرق؟ القنوات التلفزيونية المصرية واقعة في حيص بيص هذه الأيام! بعضها أوقع نفسه، وبعضها الآخر أوقع به، وبعضها الثالث استيقظ من النوم صباحاً ليجد نفسه واقعاً غير مأسوف عليه. خروج تيارات دينية من أروقة العمل السري إلى شاشات التلفزيون الرسمي والخاص والعربي والدولي، ونسيم العلانية وعبق الحرية، أصاب بعضهم بصدمة موقتة. وبعد الصدمة، تأتي لحظات للتفكر والتخطيط. فالمصريون أسقطوا نظاماً سياسياً لتوهم، واستفتوا على تعديلات دستورية قاصرة في عجالة، وبين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم واقعين بين شقي رحا: انتخابات برلمانية «نصف ناضجة» لا تجد سوى جماعة «الإخوان المسلمين» جاهزة لحصة في السلطة من جهة وفوضى الأحزاب والتيارات الليبرالية التي وجدت نفسها في سباق مع الزمن وشرايين خلاصها ما زالت ملتصقة برحم الثورة. سؤال تطرحه عشرات القنوات على نفسها: هل نكتفي بتغطية النشاطات السياسية أم نبذل جهداً لكشف المستور عنها؟ هل نتعامل بحيادية إعلامية مع الأحزاب الوليدة ذات المرجعية الدينية الهادفة إلى مصر إسلامية في ظل جماهير ما زالت غير مقتنعة إلا بزجاجة الزيت وكيس السكر الذي يسد رمقها عوضاً عن «ليبرالية مطلقة» و «ديموقراطية نسبية» و «ديكتاتورية أغلبية» لا تسمن أو تغني من جوع المعدة؟ أم نتبع الانحياز الفكري الذي يدفعنا إلى توعية الجموع بأن زجاجة الزيت وكيس السكر لا يؤديان بالضرورة إلى النعيم، وأن إعطاء العقل فرصة للاستماع إلى اتجاهات سياسية أخرى سيؤدي بهم إلى اكتفاء ذاتي، ولكن بعد حين؟ أسئلة كثيرة تطارد القنوات التلفزيونية. فالإعلام المصري المرئي لم يعد مجرد تغطية للأحداث، لكنه تشكيل رؤى، وتثبيت اتجاهات، وزعزعة انتماءات. بعض هذه القنوات يميل إلى الليبرالية، وهو ما يبدو واضحاً من خلال تبني البرامج فقرات تصب في هذه الخانة. بعضها الآخر يتعاطف مع الاتجاهات الدينية، أو يتواءم معها، أو يستثمر أجواء الحرية المطلقة، فيمعن في سرد محاسنها، ومغبة الليبرالية التي يجدها «الوجه الآخر للشيوعية». وبين هذه وتلك يقبع التلفزيون الرسمي ضائعاً فاقد الاتزان. انعدام الرؤية يقذف بالتلفزيون الرسمي في بحر من الأمواج العاتية، إذ اعتاد أن يكون لسان حال النظام القائم، وفي ظل عدم وجود نظام قائم بالمعنى المعروف، فهو يميل إلى الإمساك بالعصا من الوسط. فهو تارة مع الليبرالية وتارة ضدها، ومرة مع نموذج الحكم الإسلامي ومرة يعارضه. ويبقى الجدال قائماً: هل حياد الإعلام في مثل هذه الأحوال نعمة أم نقمة؟ وهل كشف مساوئ تيار سياسي أو إبراز محاسن فصيل فكري يعد انحيازاً غير مقبول أم غاية تبرر وسيلة؟