القيادة تهنئ رئيس جمهورية غينيا بيساو بذكرى استقلال بلاده    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    مشاركة واسعة من الأهالي والزوار في فعاليات المنطقة الشرقية في اليوم الوطني 95    «ناسا» تكشف عن فريقها ال24 من روّاد الفضاء 23 سبتمبر 2025    مؤتمر حل الدولتين انتصار تاريخي لصوت الحكمة والعدالة والقيم على آلة الحرب والدمار والصلف    ارتفاع أسعار النفط    الأمير سعود بن مشعل يشهد الحفل الذي أقامته إمارة المنطقة بمناسبة اليوم الوطني 95    وزارة الداخلية تختتم فعالية "عز الوطن"    تمكين السياحة.. إبراز الهوية وتعزيز المكانة العالمية    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    وزير النقل يعلن تبرع خادم الحرمين بمليون دولار دعما لمنظمة الطيران المدني الدولي    الرئيس التنفيذي للجامعة السعودية الإلكترونية: المملكة أنموذجاً رائداً في التطور والنماء    الجبير يلتقي رئيسة وزراء جمهورية باربادوس    47 منظمة إنسانية تحذر من المجاعة باليمن    وصفها ب«الثمينة» مع السعودية ودول الخليج.. ترمب: علاقات واشنطن والرياض دعامة أساسية للاستقرار العالمي    «كروز» ترسخ مكانة السعودية في السياحة البحرية    ضبط 4 مقيمين مخالفين لنظام البيئة    تغلب على الأهلي بثلاثية.. بيراميدز يتوج بكأس القارات الثلاث «إنتركونتنتال»    أوقفوا نزيف الهلال    الكرة في ملعب مسيري النادي أيها الفتحاويون    أصداء تتويج ديمبيلي بالكرة الذهبية.. ميسي يهنئ.. ووالد يامال غاضب ونيمار ينتقد    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    الملك سلمان: نحمد الله على ما تحقق من إنجازات في بلادنا الغالية    قصص شعرية    أحلام تتألق في الشرقية بليلة غنائية وطنية    علماء يبتكرون خاتماً لاحتواء القلق    الصحة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية.. مستشفيات غزة على وشك التوقف    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تاريخٌ يشهد بالمجد ورؤية تشيّد الغد    اليوم الوطني.. الدبلوماسية السعودية باقتدار    السلام من مبدأ القوة    فيصل بن مشعل يرعى مسيرة اليوم الوطني واحتفال أهالي القصيم    الإعلام.. مستقبل حافل بالمنجزات والتحولات    سعوديبيديا تصدر ملحقا عن اليوم الوطني السعودي 95    «الأخضر الصغير» يتأهل لمربع الخليج    رياضتنا في 95 عاماً.. إرشيف رياضي وصفحات تاريخية خالدة    نمو أقوى في 2025 و2026 للاقتصاد الخليجي بقوة أداء القطاعات غير النفطية    الاتحاد يتأهل لثمن نهائي الكأس على حساب الوحدة    القوات الخاصة للأمن والحماية تشارك في مسيرة احتفالات اليوم الوطني السعودي ال(95) بمحافظة الدرعية    المحائلي تبدع بالفن التشكيلي في اليوم الوطني ال95 رغم صغر سنها    محافظة طريب تحتفل باليوم الوطني ال95    رحيل مفتي المملكة.. إرث علمي ومسيرة خالدة    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    1.3 مليون قرض مباشر والمسنون الأكثر استفادة    صلاة الغائب على سماحة المفتي العام للمملكة في المسجد النبوي    السعودية ترحب بالاعترافات الدولية بفلسطين خلال مؤتمر حل الدولتين    الهلال الأحمر بالقصيم يكمل جاهزيته للاحتفال باليوم الوطني ال95 ومبادرة غرسة وطن وزيارة المصابين    الأحساء تشهد نجاح أول عملية بالمملكة لاستئصال ورم كلوي باستخدام جراحة الروبوت    أمير جازان ونائبه يزوران معرض نموذج الرعاية الصحية السعودي    صندوق الوقف الصحي يطلق النسخة من مبادرة وليد تزامنا مع اليوم الوطني ال95    المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    مركز التنمية الاجتماعية بوادي الدواسر يحتفي باليوم الوطني ال95 للمملكة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " قيادة وشعبًا متماسكين في وطنٍ عظيم "    100 شاب يبدؤون رحلتهم نحو الإقلاع عن التدخين في كلاسيكو جدة    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيانات وذاكرة
نشر في الحياة يوم 07 - 02 - 2011

تتوالى بيانات المثقفين العرب بكثرة منذ ان اندلعت شرارة الانتفاضة المصرية، وكلها تؤازر الشعب المصري في حركته الانقلابية، مستنكرةً أحوال القمع التي يتعرض لها المتظاهرون في الساحات والشوارع على أيدي رجال السلطة و «البلطجية» وسواهم. ولم تغفل هذه البيانات ثورة الياسمين، فعرّجت عليها محيِّية الشعب التونسي على انتفاضته العظمية. بعض هذه البيانات تعاطف سريعاً مع الانتفاضة المصرية وبعضها تأخر قليلاً، وحمل بعض آخر منها على جابر عصفور، المثقف والمفكر التنويري، آخذاً عليه تعاطفه مع السلطة و «ارتماءه» - كما أفاد أحد البيانات - في أحضان رموزها.
كان لا بدّ من أن يتحرّك المثقفون العرب ولو «بيانياً»، فاللحظة التاريخية التي صنعها الشعب التونسي والتي يصنعها الشعب المصري الآن لا يمكن تجاهلها ثقافياً، فهي أولاً وأخيراً وليدة النضال المعلن أو الصامت الذي شارك فيه المثقفون في تونس ومصر. وما يؤكد هذا البعد الثقافي هو الطابع السلمي الذي اعترى الانتفاضتين والصبغة الشبابية التي وسمتهما لا سيما عبر الأدوات الحديثة في الاتصال والتواصل، ومنها الإنترنت والفايس بوك...
كان المثقفون التونسيون هم السباقون في مؤازرة الانتفاضة التي شهدتها بلادهم، وكذلك المثقفون المصريون إزاء انتفاضة الشباب المصري. ثم ارتفعت أصوات المثقفين العرب لاحقاً. أولئك المثقفون، التونسيون والمصريون عاشوا الحدث عن كثب، وشاركوا فيه، وبعضهم انضمّ الى المتظاهرين في الساحات. أما المثقفون العرب فعاشوا اللحظة من بعيد ووجدوا فيها الفرصة التاريخية التي حلموا ويحلمون بها. وبعض هؤلاء المثقفين العرب عانوا ويعانون الكثير من الظلم والقمع داخل بلدانهم. حتى مثقفو المنفى العربي الشاسع لم يستطيعوا أن يصمتوا أمام حركة العصيان هذه التي طالما انتظروها فأعلنوا تضامنهم معها وكأنهم يحيون في صميمها.
غير أن ما لا يمكن تجاهله هو أن أسماء كثيرة وقّعت تلك البيانات، ومنها تلك التي تدين جابر عصفور، لم تكن يوماً في منأى عن مواقع السلطة، سواء في مصر أم في البلدان العربية الأخرى، بل انها كانت تنعم ب «مآثر» السلطة وهِباتها، ولم تجرؤ مرة على ادانة فعل مشين ارتكبته هذه السلطة أو على الدفاع عن أشخاص ظلموا أو سجنوا أو نفوا، وعلى الاعتراض على سياسة القمع والمنع والمصادرة التي تنتهجها الأنظمة نفسها. أسماء كثيرة فعلاً لا يمكن المرء - ولو لم يكن مثقفاً - إلا أن يُفاجأ بها، تحتجّ وتشجب وتستنكر بجرأة ومن غير خوف أو حذر، وهي غالباً ما كانت - وما برحت - تلزم الصمت حيال ما يحصل في بلدانها - وفي ظل أنظمتها - من أفعال سلطوية لا يمكن السكوت عنها وتجاهلها. والمفاجئ حقاً هو أن بضعة أسماء كانت تعمل - وما زالت - لمصلحة نظامها، مباشرة أو مداورة، ومنها اسم التحق فترة بجهاز الرقابة الذي يشرف عليه النظام. وكانت بضعة أخرى من هذه الأسماء حازت أوسمة ونالت جوائز تمنحها الأنظمة بغية مراضاة المثقفين وشملهم برعايتها المقصودة. يستطيع هؤلاء أن يحتجوا على قسوة نظام دولة أخرى وعلى ديكتاتوريته وسياسته القمعية، أما نظام بلادهم فيغضون عنه، متجاهلين أفعاله المشينة.
هاجم مثقفون كثيرون، مصريون وعرب، جابر عصفور، ولعلهم على حقّ، فمشهد الشبان المصريين المتمردين سلمياً، بنزاهة وصفاء، لا يسمح البتة بأي مهادنة أو أي تسامح مع السلطة العاتية التي استخدمت أدواتها وحيلها لقمع التظاهرات بالقوة، ومواجهة المتظاهرين العزّل بالترهيب ضرباً وقتلاً. لا يسع المرء، أياً يكن، أن ينحاز الى رموز السلطة في غمرة هذه المواجهة المعلنة، ولا يسعه إلا أن ينضم الى صفوف المتظاهرين الذين ينادون بحقهم في الحياة والحرية والعدالة، والذين يدعون الى الإصلاح وفضح الفساد وإنهاء التسلَّط والقهر. لعل جابر عصفور أخطأ في خياره الأخير. هل هي شهوة السلطة أم إغراء التوزير؟ لا أعتقد أنّ مثقفاً كبيراً مثل جابر عصفور يستميله هذا المنصب وهو يعلم جيداً أنّ تبوّؤَه إياه في مثل هذه اللحظة أشبه باللعنة.
يعلم جابر عصفور ان المجلس الأعلى للثقافة الذي ترأسه طوال أعوام هو أهم من منصب الوزارة نفسها. وقد نجح خلال تلك الأعوام في جعل القاهرة عاصمة دائمة للثقافة العربية بعدما فتح أبواب المجلس ومنابره ومطابعه أمام المثقفين العرب والمفكرين والكتّاب... وقد انتهج سياسة غير رسمية وبعيدة عن منابت النظام، وإن كانت في رعايته. إن جابر عصفور قادر على الدفاع عن نفسه وعلى الردّ على البيانات والمقالات التي هاجمته و «خوّنته» وهجته... ولعله لم يوافق على هذا المنصب الآن، في هذه اللحظة الحرجة، ليحقق مآرب شخصية، فهو يعلم مسبقاً أنه لن يجني سوى الشوك. ولكن يجب الاستماع إليه وانتظار ما سيأتي به، ومن ثم يصبح من الممكن أن يُحاكم ويُحكم عليه. لقد نسي بعض الذين هاجموا جابر عصفور أنهم لبّوا مراراً دعوة المجلس الأعلى للثقافة وصعدوا منابره وشاركوا في ندواته وتحاوروا وتناقشوا واختلفوا... لقد نسي هؤلاء الوجه المضيء والتنويريّ لجابر عصفور ولم ينظروا إلا الى وجه الوزير الذي سمي في الحكومة الراهنة. والأمل في أن يؤدّي جابر عصفور في هذه الحكومة الدور الذي طالما أداه في مساره الثقافي.
أما تنازل الروائي بهاء طاهر عن جائزة مبارك التي كان فاز بها سابقاً، فلم يكن مفاجئاً. وقد يقتفي الفائزون الآخرون خطوته هذه، فيتنازلون عن جوائزهم «المباركية» ويتبرأون منها. لكنهم جميعاًَ سيكونون متأخرين في هذا التنازل بعد أن أصبح الرئيس المصري على «شفير» السلطة، فإما أن يستقيل وإما أن... ليت الروائي الكبير بهاء طاهر رفض جائزة مبارك عندما فاز بها للحين، آنذاك كان رفضه إياها سيبدو حدثاً سياسياً وثقافياً بامتياز.
لعل البيانات والمقالات التي تُرفع الآن وتُكتب، والمواقف التي تعلن هنا وهناك معترضة ومحتجة وشاجبة، لعلها تظل جميعها عاجزة عن تمثل هذه اللحظة التاريخية التي يصنعها الشباب المصري، في الساحات والشوارع، بالدم والروح، بالسهر والمواجهة، وبالبسالة التي يتمسكون بها، غير آبهين للهراوات والرصاص وخراطيم الماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.