بمشغل بسيط لا يحتوي إلا على معدات غير مكلفة، وفي منزل ذويه المتواضع في مدينة الطفيلة جنوب المملكة الأردنية، يفكك عبادة حجاج كل ما وقعت عليه عيناه في طريقه إلى البيت من نفايات الكترونية، وبخاصة الهواتف الذكية، مستفيداً من وجود المعادن الثمينة التي تحتويها ليقوم ببيعها. يعود عبادة الطالب في السنة الرابعة في جامعة الطفيلة التقنية، إلى مشغله بعد انتهاء المحاضرات وهو متشوق لتشغيل أدواته التي لا تفارق يديه لساعات طويلة. يستخرج معادن الذهب والنحاس والفضة وغيرها، ويقوم بصهرها ووضعها في عبوات وتجميعها حتى يذهب بها في نهاية الأسبوع إلى العاصمة عمان حيث التجار الذين يقدرونها ويشترونها منه. عبادة الذي احتار وهو في السنة الثالثة من دراسته الجامعية في ما يفعله بأربعة أجهزة هواتف خليوية كانت تستخدمها عائلته لسنين ماضية وتعطلت، لم يعتمد على والده في شراء أدوات مشغله التي يحلم بأن تزداد دقة، فقد لجأ بداية إلى استخدام أدوات منزلية، حيث عمد إلى تفكيكها أولاً وعرضها على أصحاب محال الصيانة لبيع الصالح منها. ونجح الشاب بداية في بيع عدد من هذه القطع فتمكن من توفير مبالغ مالية بسيطة استطاع بها أن يشتري ما يلزمه من أدوات أكثر دقةً، تمكنه من تفكيك القطع الأصغر حجماً واستخراج المعادن منها وإعادة صهرها، ويؤسس شركته الصغيرة المختصة في تدوير هذه النفايات. وعلى رغم أن هذا العمل الذي صقلته طبيعة دراسته وتخصصه، يدر دخلاً جيداً عليه يمكنه من الإنفاق على نفسه ودراسته، إلا أن عبادة يفضل أن يدخر معظمه لتحقيق أحلامه في إنشاء مشاريع طاقة بديلة كبرى في منطقته. ويقول: «مشاريع كهذه يمكنها أن تزيح عن كاهل السكان أعباء فواتير الطاقة المرهقة، بخاصة في بلد مثل الأردن يعتمد على الخارج في استيراد أكثر من 97 في المئة من احتياجاته من المحروقات، ما يجعل من من هذه الفواتير كابوساً حقيقياً». ويقول عبادة أنه يبدأ عندما ينتهي الآخرون، فهو يجعل من انتهاء عمر الأجهزة الالكترونية ولادة لمشروع ريادي ليس فقط مدراً للدخل بل إن آثاره الإيجابية على البيئة تكاد تكون أعظم من فائدته المادية. ويضيف أن مشروعه قوامه الاستفادة من نفايات الأجهزة الإلكترونية التي يتم التخلص منها بطرق عشوائية تضر بالبيئة، ولها انعكاسات قدرت من قبل بعض المختصين بالخطرة على المدى البعيد. ويقول عبادة، «أنهي محاضراتي في الجامعة بقسم الفيزياء مسرعاً إلى مشغلي، ليكون محطة بحثي وابتكاراتي التي أهدف منها إلى إيجاد طرق جديدة للاستفادة من النفايات الالكترونية، سواء أجهزة الحاسوب أو الهواتف الخليوية والاستفادة أيضاً من التطبيقات والبرامج الذكية الموجودة فيها، وفرز المعادن وتصنيفها والتخلص من القطع التي لا يستفاد منها بطرق آمنة ابتكرها بنفسه». ويشير إلى أن تلك الأجهزة عندما تتلف وينتهي عمرها الافتراضي تلقى في شكل عشوائي في مكبات النفايات، من دون وعي بأخطارها الحقيقية على البيئة، فهي تحتوي على معادن بعضها مشع والآخر غير نشط، وبالتحلل تصبح مواد خطرة على الإنسان وعلى البيئة. ويؤكد عبادة أن اهتماماته المختلفة في مجال تدوير النفايات الالكترونية جاءت من خلال مشروع تنفذه مؤسسة «إنجاز» غير الربحية في الجامعات والكليات الأردنية بالتنسيق والتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية والممول من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ومن خلال ما تم تعلمه من دراسته لمادة الفيزياء بالجامعة. ويقول إن رحلته اليومية في البخليويحث عن النفايات الالكترونية تبدأ بانتهاء دوامه في الجامعة على محلات الصيانة أو على بعض الأشخاص ممن يريدون التخلص من أجهزتهم الالكترونية بسبب تلفها، ليجمعها ويضعها في مشغله الخاص، ومن ثم يباشر عملية «التفكيك والتفتيش» عن القطع الصالحة والمعادن الثمينة فيها. ويضيف عبادة أنه استطاع أن يبتكر من القطع التي يستخلصها من الأجهزة الخليوية، وبخاصة كاميرا «السلفي» مشروعاً يمكن المستخدم من عرض المحتوى الخاص بجهاز الهاتف الخليوي على شاشة عرض بالاستعانة بقلم ليزري مصمم خصيصاً لذلك. ويشير إلى العديد من العقبات التي واجهته في البداية والتي تمكن من اجتيازها، فعند تأسيس شركته الصغيرة واجه صعوبات في الحصول على الموافقات الرسمية اللازمة لذلك، إلا أنه استطاع تسجيل شركته في وزارة الصناعة والتجارة، فيما التحدي الأكبر الذي واجهه في مشروعه هو الطريقة التي يتخلص بها من الآثار السلبية للمواد الضارة التي تحتويها الأجهزة الالكترونية والتي تمكن من إيجاد حلول لها، من خلال معادلات كيمياوية تنهي وفي شكل آمن تلك الآثار. ويتطلع عبادة إلى تطوير فكرته عبر مشروعه الخاص باستخدام التطبيقات الذكية للبرامج لتكون له بصمته الخاصة في هذا المجال الواسع، مؤكدا أنه يجب أن تكون وراء كل تحد إرادة وعزيمة.