دمشق - أ ف ب - كيف يمكن للمرء أن يحوّل حزنه ومعاناته الشخصية إلى عمل إبداعي؟ ربما توفر تجربة مصمم الرقص العراقي مهند رشيد جواباً، فالفنان الشاب فقد والده في العراق وهو ما زال طفلاً، ولذلك «لم يحضر طقوس العزاء وإنما شهد النساء في حِدادهن»، كما يقول دليل العرض الراقص «حِداد» الذي قُدِّم في دار الأوبرا السورية. ويقول رشيد : «ظلت تلك الصور في ذاكرتي كالحلم، لم تكن واضحة كفاية، في ما بعد اشتغلت على صور الحِداد، وتحولت من قضية شخصية الى شيء أكبر، هو الشعور بالحزن الذي ينتاب الإنسان نتيجة المعاناة». وعرض «حِداد» تجربة شخصية للمشاهد أيضاً لا مجرد مشاهدة عادية، في المسرح إضاءة معتمة حيث بالكاد يجد المرء طريقه. وفي وسط خشبة المسرح شاب ممدد بلا حراك. وما أن يبدأ العرض حتى تظهر نساء يرتدين الملابس السود يتفجعن حول الشاب الميت. ينسحب الشاب، وتبقى النساء وحدهن، في حومان خافت، هادئ، وحزين. حيث التفجع وطقوس اللطم المألوفة في مشهد الموت العراقي ستأخذ هذه المرة شكلاً جمالياً، رقصاً بديعاً، يوحي أكثر من أن يصرح، من دون مبالغات تؤديه راقصات ينتمين إلى مختلف الجنسيات الأوروبية. ولدى سؤاله كيف استطاعت راقصات أوروبيات تجسيد طقس عراقي خالص، يوضح مصمم الرقص: «أخذ الأمر جهداً كبيراً حتى نصل الى تعبير نابع من الداخل، بعد تمارين تتعلق بالاتصال بين المشاعر والحركة». تتوالى اللوحات الراقصة لتجسد مرة تلو الأخرى طقوس فقد النساء لذويهن، أما الحركة التي تسيطر على العرض أكثر من غيرها فهي بالطبع وضعية امرأة تحمل طفلاً بين يديها. ولكن «لا وجود لقصة أو سرد حكائي» كما يقول مصمم العرض مهند رشيد. العرض معتم، ويأتي الرقص بإضاءة خافتة وشحيحة، وتزيد ملابس النساء السود من قتامة العرض، سوى أن الضوء الاصفر النازل من سقف المسرح كان له مفعول السحر، إذ يرى الحضور في هذه العتمة الأكف والأقدام الحافية ووجوهاً في غاية الجمال، وتساعد الحركة البطيئة للراقصات، وهو بطء يناسب طقس الحِداد، في إظهار النساء كما لو كن منحوتات في الفراغ.