بعد إقرار الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي إجراءات تقشفية في نفقاتها بقيمة 82 بليون يورو في الموازنات التي ستعتمدها خلال السنوات الأربع المقبلة، طمأن مسؤولون ألمان إلى أن التقشف لن يؤثر سلباً في الانتعاش الاقتصادي في البلاد، وأيدهم خبراء ومحللون. فالاقتصاد الألماني يسجل، على عكس اقتصادات دول منطقة اليورو، انتعاشاً غير مسبوق، وتسجّل صادراته ووارداته أرقاماً قياسية أيضاً، ما يجعله محركاً للاقتصاد الأوروبي، وإلى حدّ ما الدولي أيضاً. وعلى رغم ذلك ينتظر خبراء إصابته بالضعف أواخر العام الحالي، ولكن مع استمرار وتيرة نمو جيدة في العام المقبل. وفي وقت لا تزال دول أوروبية تعاني من تداعيات أزمة المال والاقتصاد المستمرة منذ ثلاث سنوات، أظهر الاقتصاد الألماني خلال الشهور الماضية استثناء لم يكن يتوقعه أكثر رجال الأعمال والخبراء والمحللين تفاؤلاً. فبعد استمرار «أعجوبة فرص العمل» التي بدأت أواخر العام الماضي، وتراجع البطالة في البلاد إلى حدود ثلاثة ملايين شخص، وكان يخشى تجاوزها 5,3 مليون، بدأت مؤشرات النمو والتحسن تظهر. ويشير خبراء إلى أن الاقتصاد الألماني بدأ يلعب دور محرك النمو في أوروبا والعالم، بصورة لم يعرفها سابقاً كما ذكرت الصحيفة الاقتصادية الألمانية اليومية «فايننشال تايمز دويتشلاند». ويعود الفضل إلى دورة الواردات والصادرات المتصاعدة التي يمارسها الاقتصاد الألماني منذ الربع الثاني من السنة، إذ سجّل خلاله أعلى نمو في أوروبا بمعدل 2,2 في المئة، ما يساعد دولاً على تحريك إنتاجها الهامد تقريباً من خلال شراء الشركات الألمانية المواد الأولية أو نصف المصنّعة منها. وذكرت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) أخيراً، أنه استناداً إلى بيانات أصدرتها مؤسسات رسمية وخاصة ومعاهد البحوث واستطلاعات، «يُظهر مجمل الاقتصاديين الألمان والأجانب تفاؤلاً متزايداً في قدرة الاقتصاد الألماني على تجاوز محنته بأفضل مما كان». ونقلت عن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن، أن قيمة الصادرات الألمانية في حزيران (يونيو) الماضي بلغت 86,5 بليون يورو، ما يعادل مستوى ما قبل الأزمة. وبلغت قيمة الواردات 72,4 بليون يورو، أعلى قيمة منذ 1950. وقال رئيس اتحاد التجارة الخارجية وتجارة الجملة أنطون بورنر إن التحسن في الاتجاهين «فاق التوقعات». وذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية «أن ألمانيا محرك النمو ليس فقط فيها، بل وفي كل أوروبا حالياً». وقال وزير الاقتصاد راينر برودرله إن اقتصاد بلده «يسترجع حالياً قوته السابقة أكثر فأكثر». وأعلن اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية أن استطلاعاً أجراه أخيراً بين 20 ألف شركة متوسطة وصغيرة أفاد بأن 86 في المئة منها، تشغّل أكثر من 500 شخص فيها، عازمة على تأمين فرص عمل فيها لنحو 100 ألف حتى نهاية العام. وفيما توقع «تقرير الربيع» الماضي الذي تعده 6 معاهد بحوث ألمانية وأوروبية نمواً من 1,6 في المئة لألمانيا هذه السنة، ونظر إليه محللون على أنه شديد التفاؤل، بدأت غالبية المعاهد منذ نحو شهرين في تعديل توقعاتها نحو الأعلى على التوالي، وارتفعت توقعات معدل النمو المنتظر نهاية العام لتراوح ما بين 2,5 و3,4 في المئة.