بلدي+ .. أول تطبيق للخرائط المحلية وإعادة تعريف تجربة التنقل في مدن المملكة    "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025 يناقش استراتيجيات التوطين ومستقبل المصانع الذكية    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    "هيئة تقويم التعليم والتدريب" تطبق الاختبارات الوطنية "نافس"    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    انخفاض أسعار النفط بأكثر من 2 بالمئة عند التسوية    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    استقبال ولي العهد للأبطال.. تشريف وتحفيز من مُلهم لشباب الوطن    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الفوز بلقب الدوري السعودي    رفع العقوبات الأميركية يزيد من تعافي سورية    سمعة «إسرائيل» تتدهور دولياً    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    الرواية والتاريخ    لوران بلان يُعلن موقفه من الاستمرار مع الاتحاد    محافظ صبيا يؤدي صلاة الميت على شيخ الباحر سابقًا    القادسية يتغلب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    وحدة التَّوعية الفكريَّة تنظِّم ملتقى تعزيز الوعي الفكري والانتماء الوطني    NHC توقّع مذكرة تفاهم مع شركة كي هوفينيان الأمريكية لتطوير مشاريع سكنية وتجارية في وجهاتها العمرانية    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    بترومين راعٍ رئيسي لفريق نيسان فورمولا إي في سباق طوكيو إي - بري    الزخم السعودي في أعلى تجلياته    باخشوين ل"الرياض": 1200 خدمة رقمية تقدمها الوزارة عبر منصات متطورة    تجمع جازان الصحي يدشن عيادة البصريات في مراكز الرعاية الأولية    "الداخلية": تأشيرات الزيارة بجميع أنواعها ومسمياتها لا تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    التحالف الإسلامي يختتم برنامجا تدريبيا في مجال محاربة تمويل الإرهاب    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري "أسماء وسمية" بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    الإنسانية السعودية في الحج: مبادرة "طريق مكة" نموذج رائد    الجمعية العمومية لجمعية الإعاقة السمعية بمنطقة جازان تعقد اجتماعها العادي الأول    تأمين ضد سرقة الشطائر في اسكتلندا    ميناء جدة الإسلامي يستقبل أُولَى طلائع حجاج 1446ه    انطلاق "هاكاثون الابتكار الصحي الرقمي الأول"    وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.. طرابلس تتنفس بعد مواجهات عنيفة    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    إغلاق موقع عشوائي لذبح الدجاج في بوادي جدة    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج    عظيم الشرق الذي لا ينام    لا حج إلا بتصريح    «فهارس المخطوطات الأصلية في مدينة حائل»    عماد التقدم    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مسيو فردو» لشابلن: مجرم ولكن على طريقة شارلو
نشر في الحياة يوم 02 - 09 - 2010

«كان الباحث الاستراتيجي والعسكري الألماني كلاوزفيتز يقول ان الحرب انما هي استمرار للسياسة، انما بوسائل أخرى. أما السيد فردو (الشخصية المحورية في فيلم «مسيو فردو») فكان يرى أن الجريمة انما هي استمرار للأعمال وإنما بوسائل أخرى». هذا الكلام قاله ذات يوم فنان السينما الكبير تشارلي شابلن في معرض حديثه عن واحد من أكثر أفلامه سوداوية و «واقعية» في الوقت نفسه، وتحديداً فيلم «مسيو فردو» الذي حققه عام 1947، مصوراً اياه على أن أحداثه تقع في فرنسا، مع أنه صور في الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف شابلن يومها في معرض حديثه عن السيد فردو قائلاً: «ان فردو وجرائمه نتاج خالص من نتاجات زمننا. حيث ان شخصيات من هذا النوع هي الشخصيات التي تتمخض عنها الكوارث الكبيرة».
نعرف بالطبع ان شابلن، الذي كتب سيناريو الفيلم بنفسه وأخرجه ومثله وأنتجه في آن معا، انما بناه انطلاقاً من فكرة همسها في أذنه يوماً صديقه وزميله اورسون ويلز. وويلز جاء بالفكرة من حكاية مجرم فرنسي شهير، نشط في تلك الآونة وقتل عدداً من النساء قبل أن يقبض عليه ويعدم في نهاية الأمر. ولكن إذا كان ويلز حينما فكر في المشروع، رأى خطورة جانبه الأخلاقي واحتوائه أفكاراً أساسية حول مسائل الخير والشر، فإن شابلن ما ان قبض على الفكرة حتى رأى فيها جوانب أخرى أساسية: هي الجوانب الاجتماعية، أي الخلفية الاجتماعية لولادة المجرم. وهنا افترق شابلن عن ويلز كثيراً من الناحية الفكرية... لكنه - أي شابلن - لم يتوقف عند هذا الافتراق، بل واصل غوصه في موضوعه حتى رأى فيه الناقد الفرنسي مارسيل مارتان في نهاية الأمر «تعبيراً عن موقف شابلن نفسه من النساء»، في معنى أن شابلن عبّر من خلال إغواء فردو للنساء في الفيلم ثم الإقدام على قتلهن للاستيلاء على ثرواتهن، نوعاً من اشارة شابلن الى شيء من سيرة حياته وتحديداً، الى علاقته المضطربة بالنساء.
وواضح من خلال هذا كله أن هذا الفيلم انما أتى كوكباً غريباً في المجرة التي تشكلها سينما تشارلي شابلن. فهنا، ليس لدينا ذلك المتشرد الصغير الذي اعتاد أن يطالعنا في أفلام شابلن الأخرى، وليس لدينا ذلك الرجل الطيب، فاعل الخير والعاشق الرومانسي المولّه لفتاة يحبها ويريد أن يفعل أي شيء من أجلها. صحيح أن ثمة هنا امرأة محبوبة وعائلة طيبة، وأن بطل الفيلم يريد لهما حياة رغيدة... لكن أساليبه للوصول الى تلك الحياة ليست شابلنية في أي حال من الأحوال. في الماضي، أي في العشرات من أفلامه السابقة، كان تشارلي (شابلن تحت سمات المهرج الطيب) يرتكب بعض الموبقات ويمارس بعض الشرور، ولكن دائماً ضمن حدود المعقول، وكنوع من الثأر البسيط من مجتمع يترك أمثاله من البائسين الضعفاء بلا حول ولا قوة. أما هنا، في «مسيو فردو» فإن شابلن (تحت ملامح المجرم) أوصل الشر الى حدوده القصوى: الى حدود القتل. والأدهى من هذا ان الفيلم لا يتورع عن اثارة شيء من التعاطف مع المجرم، أولاً من ناحية لعب شابلن بنفسه للدور، ثم من ناحية التبريرات التي يقدمها الفيلم للجرائم التي يرتكبها فردو، وثالثاً من ناحية الصورة المقززة التي بها يصور بعض ضحايا المجرم. فهل معنى هذا أن شابلن عاد في هذا الاطار والتقى ويلز، الذي لم يكن ليرى في الشر شراً... وكان دأبه أن يرصد خلف الأحداث والجرائم حقيقتها؟
ربما... وربما لم يكن هذا مقصوداً تماماً. المهم في الأمر أن تشارلي شابلن قدم في «مسيو فردو» عملاً جاء استثنائياً في مساره الفني، وربما استثنائياً في فن السينما في ذلك الحين. ولا بد من أن نشير هنا الى ان الفوارق في استقبال الفيلم في الولايات المتحدة وفرنسا، تشير الى تأثير هذا الفيلم، إذ انه حقق فشلاً نسبياً في أميركا المحافظة، حيث لا يقبل أي تبرير للجريمة مهما كانت خلفياته، بينما حقق نجاحاً كبيراً في فرنسا، مثلاً، ولم يكن النجاح فقط لأن الفيلم يروي حكاية فرنسية حقيقية، بل لأن النظرة الفرنسية الى مسائل الخير والشر كانت - وتظل دائماً - نظرة نسبية. وفيلم «مسيو فردو» يدعو الى هذه النظرة، حتى وإن كان يختتم احداثه بعقاب المجرم، من دون أدنى اهتمام بكونه - هنا - يظهر تحت ملامح تشارلي شابلن.
إذاً، كما فهمنا، فإن «مسيو فردو» ينطلق من حادثة حقيقية، متعددة السمات، حدثت في فرنسا، ليقدم لنا بطله فردو، وكان في الأصل أمين صندوق، وأباً طيباً وزوجاً مخلصاً... وكان يمكنه أن يواصل حياته على ذلك النحو الشريف الهادئ، لولا الكساد الاقتصادي الذي أوصله الى مأزق حقيقي، فلم ير بداً من سلوك درب الإجرام بطريقة مبتكرة، إذ انه اعتمد على وسامته ولباقته ولطفه اللامتناهي، لكي يوقع في حبائله ارامل وعوانس تمتلك كل واحدة منهن بعض مال يخيل اليه أنها لا تحتاجه وأن من حقه هو امتلاكه... وهكذا، يغير تكتيكاته في كل مرة، ويغوي أولئك النساء، ثم يقتل كل واحدة منهن تباعاً بعد أن يستولي على أموالها... محولاً جزءاً من ذلك المال الى عائلته التي لا تعرف شيئاً عن ممارساته. وفي نهاية الأمر يكون فردو قد أغوى 12 امرأة وأجهز عليهن بعدما حصل على الأموال... وإذ يكون العمر قد تقدم به بعض الشيء عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، يبدأ إخفاقه في السيطرة عليه، إذ تباعاً يفشل ثلاث مرات في تحقيق غايته، مرة مع سيدة ثرية تعرف جيداً كيف تدافع عن نفسها. ومرة ثانية مع امرأة قوية لا يمكن قهرها... ومرة ثالثة مع متشردة أفاقة لا يتمكن منها. وهكذا يشعر صاحبنا بأنه لم يعد قادراً على ممارسة «فنه الجميل» هذا، فيقرر التقاعد، هانئ العيش في بيت جميل ذي حديقة ساحرة، ولكن هنا بالتحديد تتمكن الشرطة من القبض عليه ويُحاكم ويُعدم. واللافت هنا ان أسلوب فردو في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة جاء قوياًً في ادانته لمجتمع التفاوت الطبقي، وكأن شابلن أراد أن يرى في الجريمة - مهما كان شرها وحجمها - وسيلة للتنديد بهذا المجتمع.
ومهما كان الرأي في أخلاقيات هذا الفيلم، فإن كثراً من النقاد رأوا فيه جوانب فنية تفوّق فيها شابلن على نفسه، كممثل وأيضاً كمخرج. ويرى الناقد والمؤرخ الفرنسي جورج سادول، الذي كان من كبار المدافعين عن هذا الفيلم منذ البداية، أن في «مسيو فردو» مشاهد جديرة بأن تدخل تاريخ السينما من باب واسع: مشهد فردو وهو يقلّم الزهور ويشذّبها، غطاء الطاولة حين يسحبه فردو بعد أن يقتل السيدة العجوز، العرس الذي لم يتم فصولاً، المحاكمة كلها... وصولاً الى مشهد الإعدام.
اما تشارلي شابلن (1889 - 1977) نفسه فكان ينظر الى فيلمه هذا على أنه «كوميديا الجرائم» وذلك ما كانه عنوانه الفرعي على أي حال... ذلك أن المتفرج، على رغم تعاطفه أحياناً مع الضحايا، كان لا ينسى أبداً أن القاتل هو شابلن، وشابلن - على سبيل ايجاد نوع من التغريب بين متفرجه وبين مشاهد الجرائم - حوّل هذه المشاهد الى نوع راق من الفن الجميل. والفيلم في نهاية الأمر أتى عملاً ممتعاً، علماً أن شابلن لم يحقق من بعده سوى ثلاثة أفلام (واحد في الولايات المتحدة، كان فيلمه الأخير فيها «أضواء المسرح» - 1952 - واثنان في الخارج: «ملك في نيويورك» - 1957، و «كونتيسة من هونغ كونغ» - 1966 -). أما قبله فقد حقق عشرات الأفلام القصيرة، منذ بداياته الأميركية في العام 1914، اضافة الى عدد لا بأس به من أفلام طويلة يعتبر بعضها معلماً في تاريخ السينما العالمية: «الأزمنة الحديثة»، «الهجمة على الذهب»، «الصبي»، «السيرك»، «أضواء المدينة» و «الديكتاتور».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.