تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    جدول الضرب    4 مسارات لتعزيز برنامج الأمن السيبراني في موسم الحج    18 معدة تعمل بالذكاء الاصطناعي تعزز سلامة طرق المشاعر    رئيس الوزراء الفلسطيني يصف الأوضاع ب"الجريمة الإنسانية".. إسرائيل تلوح بضم مستوطنات جديدة    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    استعرضا دعم العلاقات الثنائية بمختلف المجالات.. وزير الخارجية ونظيره الإيراني يبحثان التطورات الإقليمية    السعوديون يتألقون في دوري المقاتلين.. "صيفي" إلى نصف النهائي.. و"باسهل" يخطف الأنظار    هامشية بين الريدز والجانرز بعد حسم لقب البريمرليج.. معركة دوري الأبطال تجمع نيوكاسل وتشيلسي    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    السعودية مركز رائد في العلوم والابتكار والاحتفاء بالمعرفة    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    100 مركز للتوعوية في الحرم بعدة لغات في موسم الحج    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    6 مليارات قروض الخدمات الائتمانية    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    وصول أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من الصومال لأداء فريضة حج هذا العام    معرض للمجوهرات الثمينة بالمنطقة الشرقية    8 توصيات لتعزيز التنافسية في لوجستيات الأحساء    وزير الصناعة والثروة المعدنية يختتم زيارته الرسمية إلى مملكة الدنمارك    الشباب يخشى الأهلي والفيحاء يحل ضيفاً على الاتحاد    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. إقامة نهائي كأس الملك الجمعة في ال3 من ذي الحجة    تعزيز الأمن الدوائي    "باعشن".. يشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية    100 ألف ريال غرامة الحج دون تصريح    موعد مباراة الأهلي والشباب في الدوري السعودي    تدريبات النصر من دون رونالدو    نائب وزير الحرس: ثقة غالية من القيادة الرشيدة    فهد بن سعد يشكر القيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير القصيم    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    المملكة وضيوف الرحمن    فهد بن سلطان يرعى حفل تخرج بجامعة تبوك الأربعاء    أوكرانيا وحلفاؤها يقترحون هدنة شاملة لمدة 30 يومًا    الثقافة السعودية تحضر في بينالي البندقية    وزير «الشؤون الإسلامية» يلتقي برؤساء وأعضاء المجالس العلمية لجهة مراكش    وساطة تنهي أخطر مواجهة منذ عقود بين الهند وباكستان    القبض على 11 مخالفًا لتهريبهم 165 كجم "قات" في عسير    إبادة عائلة في غزة وتحذيرات دولية من كارثة إنسانية خانقة    علاج جديد لالتهابات الأذن    الأطعمة المعالجة بشكل مفرط تزيد من خطر الوفاة المبكرة    احتفال الجمعية السعودية للروماتيزم باليوم العالمي للذئبة الحمراء    الحرفيين الاماراتيين يجسدون الإرث الإماراتي الأصيل خلال مشاركتهم في مهرجان الحرف الدولي بمحافظة الزلفي    المملكة ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان والهند    الدكتورة إيناس العيسى ترفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينها نائبًا لوزير التعليم        الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يتنافس مع 1700 طالب من 70 دولة    بث مباشر من مدينة الملك عبدالله الطبية لعملية قسطرة قلبية معقدة    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    جازان تودّع ربع قرن من البناء.. وتستقبل أفقًا جديدًا من الطموح    هلال جازان يحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر في "الراشد مول"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يانيس ريتسوس سيد البساطة الماكرة ...والخفية عن العين
نشر في الحياة يوم 17 - 05 - 2009

في أيار (مايو) الجاري، تمر مئة عام على ميلاد يانيس ريتسوس، شاعر اليونان الأشهر بحكم عدد الطبعات في لغته، وعدد الترجمات على مستوى لغات العالم، وتأثيره الفادح في الشعرية العربية الراهنة.
تجربة فريدة، خادعة البساطة، مترامية الأطراف، لا تحيط بها دراسة، أو ترجمة (أكثر من مئة عمل شعري). سمتها الجوهرية تعدد الأبعاد والأشكال والأعماق. هو تعدد التآريخ والجغرافيات والأساطير والأزمنة والأصوات الضاربة في أعماق الوجود الإنساني. كأنه أراد اكتشاف واختصار جوهر الوجود الإنساني، في التاريخ وخارجه. هو حضور الإنسان - بكل أشكاله وفاعليته - في الوجود: وقائع تاريخية، وشخصيات أسطورية، وأصوات معاصرة، وفانتازيات، وأحلام، وغناء ومخاطبات.
تعددية فرضت - على تجربته الشعرية الشاسعة - تعددية مقابلة، مكافئة، وربما غير مسبوقة، في الأشكال الشعرية. تعددية تستغرق المونولوج، والحواريات، وأشكال السرد المختلفة، وتكوين المشهد، والمخاطبة، والبوح، والغنائية الوجودية. ولكل منها بنيتها ولغتها وإيقاعها العام. لكل منها حضورها المكتمل، المستقل أحيانًا، وأحيانًا المتضافر مع شكل آخر أو أشكال أخرى. وذلك يعني أن ما انكب عليه المترجمون العرب من قصائده قد لا يقدم إلاَّ بُعداً - أو شكلاً - واحدًا، من تجربته.
هكذا، تتراوح قصيدته بين أقل عدد من السطور (سطرين أو ثلاثة) إلى حوالى العشرين صفحة أو ما يزيد، دون أن تختل الكثافة الشعرية، أو تترهل. ففي جميع الحالات، لا زوائد أو ارتخاء في الإيقاع العام الذي يشد بنية القصيدة. لا رطانة، أو فائض إنشائية. هي - بالضبط - القصيدة.
وثمة ولعٌ خاص بالتفاصيل؛ تفاصيل العالم والوجود لا الذات، الأنا الشخصية؛ تفاصيل الشخوص وإيماءاتهم الحميمة، العابرة. فالعالم، الآخر أو الأخرى، هي مركز القصيدة، فيما تلعب «الأنا» - فحسب - دور الراصد والراوي، دون إقحام نفسها في القصيدة؛ دون أن تصبح مركز القصيدة والعالم. فالتفاصيل هي الأداة التي تحقق له «تجسيد التجريد»، بلا تأمل ذهني أو استغراق في أفكار مجردة، من أجل اكتشاف الطبقات التحتية المتراكبة للوجود الإنساني المركَّب. هي التفاصيل البسيطة، العادية، اليومية، إلى حد السِّريَّة، لكن تراتبها - داخل النص، وصيرورتها العميقة - هي، بالتحديد، ما يفجر الشعرية من النثرية، والدلالة الكونية من البساطة.
بساطة خادعة، ماكرة، لأن أعماقها خفية عن العين العابرة، المتعجلة، غير المتأملة في بنية النص الشعري، فلا تمتلك منها سوى السطح الذي يبدو عاديًّا؛ سطح كل جملة على حدة، دون قدرة على اكتشاف الأعمق، الأرهف، الأجمل.
قارة شعرية لا تزال دائماً بحاجة إلى مزيد من الاكتشافات، بالترجمة البصيرة، والتأمل الرهيف، للإحاطة بتخومها الأساسية، وأشجارها الوارفة المزدهرة التي بهرت شاعراً بحجم وقامة إيلوار، لدى اطلاعه على مختارات من قصائده للمرة الأولى.
وفيما يلي، نقدم ترجمة كاملة لنص مكتمل، احتفاءً بذكرى ميلاده المئة.
تَلمِيحَات
1970 – 1971
فِي جَيْبِكَ الْخَاوِي قِطْعَةُ عُمْلَةٍ قَدِيمَة، مَنْسِيَّة-
لَمْسَتُكَ تَتَعَرَّفُ عَلَى نَحْوٍ أَعْمَى عَلَى أَعْضَاءِ الإِلَهِ الْعَارِيَة.
*
الشَّجَرَةُ، وَالتِّمْثَالُ، وَالْحَدِيقَةُ، وَالْمَرْأَةُ الْعَجُوز-
فِيمَا تُؤْمِنُ بِدَيْمُومَةِ الْكَلِمَاتِ، فِيمَا تَمْضِي
خَارِجَ الزَّمَنِ، خَارِجَ مَدْخَلِ الْقَصِيدَة.
*
يَبْتَسِمُ رَجُلٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي الظَّلاَم،
رُبَّمَا لأَنَّه يَسْتَطِيعُ الرُّؤْيَةَ فِي الظَّلاَم،
رُبَّمَا لأَنَّه يَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ الظَّلاَم.
*
دَعْكَ مِنَ التَّفْسِيرَات - فَمَا قِيمَتُهَا؟ فَهيَ، عَلَى الْعَكْسِ،
تُؤَدِّي إِلَى تَشْوِيشٍ أَكْبَرَ لِلأَشْيَاء - طَالَمَا أَنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ الشِّعْر،
الْعَارِي، وَالْمُتَوَاضِعَ وَالْمُتَكَبِّرَ، لَيْسَ أَكْثَرَ مِن
التَّحْقِيقَ الْمُدْهِشَ لِمَا يَسْتَعْصِي عَلَى التَّفْسِير.
*
قَطَعَت الْفَتَاةُ غُصْنَ صَفْصَاف، بَعِيدًا
وَتَشَمَّمَت أَصَابِعَهَا - حَرَكُتُهَا هَذِه
كَانَت إِسْقَاطًا لِلزَّمَنِ دَاخِلَ الْعَبِير.
*
وَرَاءَ أَزْهَارِ عَبَّادِ الشَّمْسِ الْكَبِيرَةِ، كَانَ الْجِدَار،
وَرَاءَ الْجِدَارِ، الطَّرِيق - لاَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُه أَبَدًا.
ثُمَّ الْمَنَازِلُ، وَالأَشْجَارُ، وَالتِّلاَلُ، وَالْجَرَائِم. فِي الظَّهِيرَة
يَذْهَبُ عُمَّالُ وَرْشَةِ الأَخْشَابِ إِلَى هُنَاكَ لِيَبُولُوا.
فِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ الْمَوْتَى لِيَطْلُوا الْجِدَار.
*
لاَ تَحُم حَوْلَ الْمَوْضُوع، فَلْتَتَكَلَّم بِفَظَاظَةٍ، بَل بِلُهَاث،
(التَّضْمِينَاتُ وَالْمَحْذُوفَاتُ الْجَمِيلَةُ - يَقُول - هِيَ مِنْ أَجْلِ اللَّيَاقَة)-
فَحَتَّى تَهْشِيمُ الْقَصِيدَةِ قَد يُوَلِّدُ قَصِيدَة.
*
فَلْتَتْرُكِ الْحَرْبَةَ دَائِمًا فِي رُكْنِ الْغُرْفَة،
وَلْتَتْرُكِ الدِّرْعَ مَقْلُوبًا لِيَمْتَلِئَ بِالْمَاء
فَقَد تَأتِي الطُّيُورُ لِتَشْرَبَ وَأَنْتَ تَنْظُرُ عَبْرَ زُجَاجِ النَّافِذَة،
وَأَنْتَ تُشَاهِدُ الأَرَانِبَ تَمْضُغُ أَوْرَاقَ الْكُرُوم
بِصَرِيرِ ذَيْلِ طَائِرَةٍ وَرَقِيَّةٍ وَهوَ يَغُوصُ فِي الزُّرْقَة.
*
مَعْنَى الْفَنِّ - قَالَ - قَد يَتِمُّ الْعُثُورُ عَلَيْه
فِيمَا تَمَّ حَذْفُه، عَن قَصْدٍ أَو غَيْرِ قَصْد،
شَأنَ تِلْكَ السِّكِّينِ الْوَامِضَةِ الْمَخْفِيَّةِ تَمَامًا فِي السَّلَّة
تَحْتَ الْعِنَبِ الأَحْمَرَ، الذَّهَبِيِّ، الأُرْجُوَانِي.
*
أَيًّا كَانَ مَا تُرَاكِمُه فِي صُنْدُوقِكَ فَهوَ يَتَّخِذُ طَرِيقَ الْمَوْت.
أَيًّا كَانَ مَا تَهبُه فَهوَ يَتَّخِذُ طَرِيقَ الْحَيَاة. الأَعْمَى الْعَجُوز
يَتَعَرَّفُ عَلَى الْعُمْلاَتِ الْمُزَيَّفَةِ بِاللَّمْس. يَلْمَسُ بِأَصَابِعِه
كُلَّ شَيْءٍ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، يُسَمِّيهَا وَاحِدًا وَاحِدًا،
وَلاَ يَهمُّ كَم تُخْفِي فِي الرُّكْنِ أَو وَرَاءَ السِّتَارَة.
*
يَزْدَادُونَ ابْتِعَادًا، الْوَاحِدُ عَنِ الآخَر؛ لَم يَعُودُوا يُؤْمِنُونَ بِالْبَرَاءَةِ؛ لَم يَعُودُوا يُؤْمِنُون
بِالأَفْكَارِ، بِالْكَلِمَاتِ، بِالزُّهُور. وَهُم يَنْفَصِلُون
كَانَ كُلٌّ مِنهُم يَبْدُو أَنَّه يَحْمِلُ جَبَلَه عَلَى ظَهْرِه.
*
لاَ تَسَل كَم سَيَسْتَمِرُّ ذَلِك - لَن يَسْتَمِر؛ الآخَرُونَ يَتَّخِذُونَ الْقَرَارَات.
فَلْتَقْلِبِ الْمِنْضَدَةَ رَأسًا عَلَى عَقِب؛ فَلْتُطْفِئ الْمِصْبَاح.
الْمِرْآةُ مَلِيئَةٌ بِثُقُوبِ الرَّصَاص. لاَ تَنْظُر إِلَى الدَّاخِل.
سَأَنْظُر - قَالَ الآخَرُ - خِلاَلَ هَذِهِ الثُّقُوب.
كُلَّ مَرَّةٍ أَرَى وَجْهِيَ الْمَسْرُوقَ مِنْ جَدِيدٍ، لَم يُمَس.
*
السَّفِينَةُ رَحَلَت. الأَضْوَاءُ ذَوَت. عَلَى رَصِيفِ الْمِينَاء
ظَلَّت الأَكْيَاسُ الْمُمْتِلَئَةُ بِالدِّينَامِيتِ مُكَدَّسَةً فِي صُفُوف.
وَفِي الْمَيْدَانِ الْعَامِ، أَمْسَكَ التِّمْثَالُ بِالثِّقَاب.
*
طُوَالَ وَقْتٍ مَا أَنْهَكَ الْكَلِمَات. وَمَعَ ذَلِك،
فَهوَ دَائِمًا يَنْتَظِر، وَمِصْبَاحُهُ مُضَاء،
خَشْيَةَ أَنْ يَلْتَقِي مُصَادَفَةً بِالْقَصِيدَةِ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْل.
*
دَائِمًا مَا يُرَاقِبُ التِّرمُومِتر عَلَى الْحَائِط.
حَسْبَ الدَّرَجَاتِ، يَزْدَادُ سُخُونَةً أَو بُرُودَة.
وَعِنْدَمَا انْكَسَرَ التِّرْمُومِتْرَ ذَاتَ يَوْمٍ، ارْتَبَك -
لَم يَعُد يَدْرِي مَتَى يُدْفِئُ نَفْسَه أَو يَبْتَرِد.
قَطَرَاتُ الزِّئْبَقِ انْسَابَت عَلَى الأَرْضِيَّة
مَعَ حُرِّيَّةٍ مُبَدَّدَةٍ، غَيْرِ مَقْبُولَةٍ، مُرْعِبَة.
*
يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ التِّمْثَالَ التِّذْكَارِيَّ لِضُفْدَعَةٍ صَغِيرَة -
لاَ الضُّفْدَعَةَ نَفْسَهَا - إِنَّهَا النُّعُومَةُ مَا يُرِيد،
الْمِيكَانِيكِيَّةُ الْمُرَكَّبَةُ لِلْقَفَزَاتِ الْوِرَاثِيَّة
فِي الْحَدِيقَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي اللَّيْلِ تَحْتَ الدُّبَّيْن
لَحْظَةَ أَن كَانَت هِيلِين تَخْلَعُ ثِيَابَهَا خَلْفَ الْبَابِ الزُّجَاجِي.
*
سَأُغَادِر ُ- يَقُولُ - أَصْوَاتَ السُّوقِ، وَالثَّلاَّجَاتِ، وَالسِّلاَل،
الْمُنْتَجَاتِ الْمُتَنَوِّعَةَ، التَّافِهَةَ، وَالإِعْلاَنَاتِ الْجَدِيدَة؛
سَأَذْهَبُ إِلَى الْمَنْزِلِ، أُغْلِقُ الْبَابَ، أَجْلِسُ فِي مِقْعَدِي،
أَبْرِي سِنَّ قَلَمِي الرَّصَاصِ بِأَدَبٍ، بِعِنَايَةٍ، وَأَصْرُخ.
*
شَرِيحَةُ بَطِّيخٍ أَحْمَرَ فِي الطَّبَق.
الْكِتَابُ الَّذِي أَعَرْتَه لِي كَانَ جَمِيلاً.
أُفَكِّرُ الآنَ فِي كِتَابَةِ قَصِيدَة.
فِيهَا، لَن يَتَحَادَثَ سِوَى الطُّيُور.
*
كُلُّ مُعْتَقَدٍ - يَقُول ُ- إِمَّا سَذَاجَةٌ أَو جُبْنٌ أَو ذَرِيعَةٌ مَاكِرَة.
أُدَخِّنُ سِيجَارَتِي بِسَكِينَةٍ تَحْتَ أَنْفِ الْمَوْت؛
أُزَرِّرُ قَمِيصِي أَو أَفْتَحُه؛ أُغَادِرُ أَوَّلاً
قَبْلَ أَن يَتَمَكَّنُوا مِنْ مُطَالَبَتِي بِالْمُغَادَرَةِ أَو طَرْدِي.
فِي اللَّيْلِ أَجْلِسُ نُقْطَةً مَيِّتَةً فِي الْفَرَاغِ، أَعْقِدُ ذِرَاعَيَّ،
أَتَظَاهَرُ بِأَنِّي جُثَّتِي أَمَامَ الْمِرْآةِ وَأَمْضِي لأَنَام.
*
طُوَالَ أَيَّامٍ بِلاَ انْقِطَاعٍ تَتَلَمَّسُ يَدُه فِي جَيْبِه
عِظَامَ الْخَدِّ النَّاتِئَةَ لِلْفَرَاغ. ثُمَّ فَجْأَةً
يُخْرِجُ دُمْيَةً عَمْيَاءَ، يُضِيفُ لَهَا عَيْنَيْن،
وَيُعْطِيهَا لابْنَةِ مُتَعَهِّدِ الأَشْيَاءِ الْمُسْتَعْمَلَة.
تُعَرِّيهَا بِاسْتِمْتَاعٍ، وَتُخْرِجُ عَيْنَيْهَا مِنْ جَدِيد.
*
كَانَ الشِّعْرُ مِنْ جَدِيدٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَعَ حُدُوسٍ بِاحْتِمَالاَتٍ مُعْجِزَة. كَانَت خُطَى
الْمَرْأَةِ الآثِمَةِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تُلاَزِمُ الْجِدَار،
وَحَفِيفُ ثَوْبِهَا أَعْلَى الزَّعْرُورِ الْكَبِيرِ فِي حَقْلِ الْكِلاَب؛
أَضِيئَت رَائِحَةُ إِبِطَيْهَا فَجْأَةً بِمِصْبَاحِ الشَّارِعِ فِي مَيْدَانِ الْمَدِينَة
لَحْظَةَ أَن كَانَت يَدُ الْمَوْتِ تَخْتَبِئُ خَلْفَ هَذَا الْمِصْبَاحِ بِالذَّات.
*
لاَ يَهُمُّ كَم يَكُونُ الْمَرْءُ وَحِيدًا فِي خَوْفِهِ وَأَلَمِه،
مَعَ الطَّحَالِبِ وَزُجَاجِ النَّوَافِذِ، مَعَ ظِلاَلٍ مَجْهُولَةٍ عَلى السَّقْفِ الْوَاطِئ،
الخَطُّ الأَحْمَرُ لِنَارِكَ مِنْ الْفُرْجَة تَحْتَ الْبَاب
يُخْبِرُنَا مِنْ جَدِيدٍ عَن أَبْجَدِيَّة الْحَيَاةِ، التَّلاَحُمِ، وَالامْتِيَازِ، وَالْكِبْرِيَاء،
اللَّحْظَةِ الْجَمِيلَةِ عِنْدَمَا تُغَادِرُ الْمَنْزِلَ وَتَلْتَقِي بِشَجَرَة،
عِنْدَمَا تُصْبِحُ وَرَقَةَ شَجَرٍ وَسْطَ الأَوْرَاق، فِي نَفْسِ الأُغْنِيَة،
يَا أَنْتَ الَّذِي تَنْبَثِقُ مِنَ التَّمَاثِيلِ وَأَشْجَارِ السِّرْوِ الطَّوِيلَة.
*
فِي الْحَقْلِ الْمُقْفِرِ نُحْرِقُ ظِلاَلَنَا فِي اللَّيْل.
تَوَهَّجَت النَّار. وَسْطَ اللَّهِيب
انْتَصَبَ عُكَّازٌ ضَخْمٌ نَحْوَ السَّمَاء
مِثْلَ نَجْمَةِ الدَّيْنُونَة.
أَسْفَلَ ذَلِكَ السُّلَّم
هَبَطَ الْمَلاَكُ الْمُحْتَرِقُ، مُحْتَضِنًا جَنَاحَيْهِ إِلَى قَلْبِهِ كَفَتَاتَيْن مَيِّتَتَيْن.
*
سُئِلُوا عَن رَغْبَتِهِم الأَخِيرَة.
«حَقَائِبُ وَرَقِيَّة»، قَالُوا. جِيءَ لَهُم بِهَا.
نَفَخُوهَا، اسْتَدَارُوا،
فَجَّرُوهَا عَلَى الْجِدَارِ، وَسَقَطُوا.
*
مُنْذُ أَن عَرِفَ أَنَّهُم يُرَاقِبُونَه مِنَ النَّافِذَة،
كَيْفَ يُمْكِنُ لَه أَن يَتَحَرَّكَ بِبَسَاطَةٍ، بِجَمَال؟
أُرِيدُ مَعْرِفَةَ مِيكَانِيكِيَّةِ هَذِهِ الْبَسَاطَة.
أُغْلِقُ الْمَصَارِيعَ، أَنْظُرُ إِلَى نَفْسِي فِي الْمِرْآة.
يُحْبِطُنِي ثُقْبٌ فِي جَبِينِي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.