المياه الوطنية: 1 أكتوبر المقبل فصل خدمة المياه نهائيا للعدادات غير الموثقة    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 30.4% في شهر يوليو 2025    الأمين العام للأمم المتحدة يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي ويدعو لحظر الأسلحة ذاتية التشغيل    الأسبوع العالمي للتبرع بالأعضاء.. دعوة إنسانية تمنح الأمل لآلاف المرضى    الدولار يقترب من أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع    اختتام برنامج سلطان بن عبدالعزيز العالمي للتدريب اللغوي في بشكيك    برعاية خادم الحرمين الشَّريفين تنظِّم جامعة أمِّ القُرى الملتقى العلمي 25 لأبحاث الحجِّ والعمرة والزِّيارة    محافظ محايل يرعى أحتفال الأهالي باليوم الوطني 95 في صدر الكرامة والذي نظمته بلدية المحافظة    وكيل وزارة التعليم للتعليم العام يشارك طلبة تعليم الطائف فرحة الاحتفاء باليوم الوطني ال95    بلدية وادي الدواسر تُفعّل مبادرات اجتماعية بزيارة المستشفيات    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    ولي عهد الكويت يشكر السعودية على دورها في دعم حل الدولتين    رصد تحليق مسيّرات فوق مطارات دنماركية    أمانة تبوك تختتم احتفالاتها باليوم الوطني    رئيسة جمهورية سورينام تلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية    القادسية إلى دور ال16 في كأس الملك    في الجولة الرابعة من دوري روشن.. صراع القمة يجمع الاتحاد والنصر.. والهلال يواجه الأخدود    سجن لاعب مانشستر يونايتد السابق لعدم دفع نفقة أطفاله    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    « البلديات والتجارة»: أبلغوا عن مخالفات السكن الجماعي    العمران والغراش يحتفلان بزواج مهدي    «راشد» يضيء منزل اليامي    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    أشرف عبد الباقي بطل في «ولد وبنت وشايب»    لجهوده في تعزيز الحوار بين الثقافات.. تتويج (إثراء) بجائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    المركز السعودي للموسيقى بجدة يحتفل باليوم الوطني    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    الخطاب الملكي صوت الدولة ورؤية الحزم والعزم    الإبداع النسائي.. حكاية وطن    المملكة وقطر تدعمان الاستقرار في سوريا ب89 مليون دولار    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الملك سلمان.. نبضُ وطنٍ وقلبُ أمة    عزّنا بطبعنا: التعليم ركيزة القيم الوطنية    كيف يستخدم الناس ChatGPT فعليا    «كلاسيكو» الاتحاد والنصر.. مقارنة القيمة السوقية بين الفريقين    إنزاغي: سأعالج مشكلة الكرات الثابتة    فهد العجلان: ذكرى البيعة تجسد التحولات العظيمة وتمكين الإنسان في عهد الملك سلمان    تداول يكسر الهبوط ويرتفع 5.06%    لوحات تشكيليين تزين اليوم الوطني    طرح تذاكر دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي والفائزين بجوائز محلية ودولية    القبض على (6) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (90) كجم "قات"    اليوم الوطني المجيد 95    وطن شامخ    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    إنطلاق فعاليات الاحتفاء باليوم الوطني ال95 بمدارس تعليم جازان    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الشرق والغرب في صورته النسائية
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2010

تأخذنا الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق في روايتها «أقاليم الخوف» إلى رحلة بين عالمين، عالم الشرق الذي يشهد الويلات والحروب، وعالم الغرب المتمثل بأميركا، ذلك العالم الذي تملّكه الطمع في خيرات الشرق. فيظهر الغرب متمثلاً بمارغريت، شخصية الرواية الرئيسة التي بَنت عليها الكاتبة وصراع الأديان والحضارات وصراع المطامع والمصالح.
تجول الفاروق في فضاء مارغريت المتناقض، مارغريت التي تكلمت بمرارة عن فقدانها والدتها وأخيها في انفجار «شرم الشيخ» الذي نجت منه بأعجوبة، وخرج منه والدها وهو يعاني الإعاقة في قدميه.
تناقضات الحب والكره، والحماسة والفتور، وتقلّب المزاج والرغبات، كلّّها سمات جمعتها مارغريت وهي تسرد أحداث الرواية بضمير المتكلم... تصارعت مع الشرق الذي حيّرها، فخاطبته كأنه معشوقها، ثم وصفته بأنه: «شرق الخيال المؤلم... له رائحة الدماء والبارود... شرق الشرّ... شرق الجرائم»، هي الأميركية المسيحيّة من أصل لبناني، التي عادت مع زوجها اللبناني المسلم لتستقر في لبنان الذي غيّر أطباعه، وعاد إلى شرقيته.
تبدأ مارغريت حربها الخفيّة على الشرق، فهي تعودت أن ترى المجتمع الشرقي متخلفاً ومتأخراً. نراها مشحونة بالعداء وهي الصحافية المثقفة التي ترصد القضايا القومية، تعمل على تعرية الواقع الاجتماعي ونزوعه المادي والديني. والخلل الذي صاحب مارغريت هو عدم شعورها بالانتماء الأسريّ، ففشلت في محاكاة محيطها، وانتقدت العادات التي يتمسك بها أفراد أسرة زوجها في علاقاتهم في ما بينهم، مما زاد من حنقها على الشرق فلامت الدين وأثره في سلوك الأسرة، وخصوصاً الحجاب المتمثل في شخصية أخت زوجها، المتزوجة من الثريّ المتدين عبدالله، الذي لا يصافح النساء... والذي منح زوجته شهد سلطة المال، ففوجئت مارغريت بذلك، فهي تنافي فكرتها عن النساء العربيات، وتكتشف أن الغلبة لصاحب المال والنفوذ، إمرأة كانت أم رجلاً.
إن الولوج في أعماق مارغريت وتحليلها ليسا بالعمل الهين نظراً إلى اضطراباتها النفسيّة التي يمكن وضعها في الإطار النفسي الذي أحاط بظروف نشأتها الأولى. فكما يقول علم النفس: «إن المشكلات النفسيّة والعقليّة في مرحلة الرشد تعود إلى الطفولة». ويظهر هذا الأمر جلياً حين نكتشف أن مارغريت يتيمة حرب، ووالدها بالتبني كان يعمل تاجر أطفال في الحرب الأهلية. ومارغريت وأخوها أسعد كانا آخر طفلين لديه، وقام بتبنيهما حين علم أنه عقيم، فأخذهما وسافر بهما إلى أميركا.
نجحت الكاتبة فضيلة الفاروق في الإمساك بزمام شخصية مارغريت الجدلية، المضطربة والمتناقضة، التي بقيت غامضة للقارئ، فكل ما فعلته هو انتقاد الشرق وأهله. فهي تحمل الفكر الغربي ودمها يلفظ شرقيتها.
قارنت مارغريت بين الحياة المنظمة في أميركا والفوضى التي تعم بيروت. فرّت مع زوجها من ضوضاء بيروت إلى ماليزيا لقضاء أسبوعين من الراحة. كانت هذه الإجازة حلماً جميلاً وذلك للقائها صديقاً قديماً اسمه «نوا»... مارست معه الحب، وبرّرت خيانتها لزوجها بقولها: «كنت زوجة جائعة تبحث عن المتعة»، ثم انفصلت عنه لتتفرغ لعشيقها وعادت إلى أميركا. وهناك لم تنته مأساتها الشرقية، بل اشتاقت روحها إلى كل ما ساءها وضايقها في بيروت، فترنحت بأفكارها ومشاعرها، وكي لا تمنح بيروت شرف حنينها إليها، جعلتها المتنفس القريب للسياح والمنفيين والهاربين. ولا بد من أن يتراءى للقارئ الصراع النفسي والخواء الروحي والفكري اللذان تتخبط بهما مارغريت... هي التي تذمرت حين واجهها طليقها بأنها تتصرف وفق السياسة الخارجية لأميركا... ترتبط وتطلق وتراقب وتتصرف وفق أطماع خفيّة.
دخلت مارغريت في صراعها مع الشرق مدخلاً حساساً حين قالت إن «إسرائيل هي «البعبع» الذي يخيف العرب جميعهم من الخليج إلى المحيط، وبالنسبة إليّ لم تكن أكثر من الإبرة التي يخاف منها الأطفال». اختزلت مارغريت العدو الصهيوني الذي يهدد ويتوعد، ويجتاح الأراضي، ويدنّس المقدسات، ويسفك الدماء في كونه «إبرة». والشرق الذي استفزها هو الذي أفقرته الأطماع الغربية والصهيونية، فأضعفته وفككت أوصاله.
وما إن تنتهي مارغريت من قضية خطرة، حتى تلج في قضيّة أشد خطورة وعمقاً، فتنتقد الدين. ونستجلي أكثر ما كان يدور في رأسها من قولها: «فالمؤلم في هذه الحلقة أنني أردت أن أفهم لماذا قتلت عائلتي باسم الدين... وهل للتطرّف والإرهاب والاستعمار دين أو اسم أو هويّة؟». ملّت مارغريت من طبيعة عمل عشيقها «نوا» الذي يتنقل في بلاد الحروب، من أفغانستان إلى كوسوفو وكابول ودارفور وغزّة، فاحتدمت الخلافات بينهما ثم تخلّت عنه. وكانت متأكدة من أن حبه للعدالة وسعّيه إليها سيدمّرانه، وهذا ما نكتشفه لاحقاً.
يصل إلى أسماع مارغريت خبر خطف «نوا»، فتعتبر أن الشرق الذي دافع عنه هو الذي خطفه، فسافرت إلى العراق للبحث عنه... تصف لحظة وصولها: «رائحة البارود تنبعث من... كل شيء»... وتقول بحنق: «جرّني «نوا» إلى بغداد كما جرّني إياد قبله إلى بيروت»... كان في انتظارها المصور الصحافي الذي كان يعمل مع «نوا»، واسمه ميتش، وهي لم تأت على ذكره سابقاً.
في العراق تتوه بنا مارغريت في متاهات الأماكن والأسماء والخطط والخرائط والاغتيالات، وكل شيء يومئ بموت «نوا»، وفوضى رحلتها مع ميتش مستمرة. فجأة ومن دون سابق إنذار تترك ميتش وترافق شخصاً آخر اسمه عروة، والذي علمت منه أن ميتش قتل برصاصة اخترقت رأسه. ولم تفاجأ بمقتله، فهو جزء من خطة متكاملة تُنفّذ تفاصيلها بدقة.
في هذه اللحظة، وبعد طول انتظار، تنجلي شخصية مارغريت الحقيقية، فإذا هي عميلة أميركية سرّية تم تجنيدها على يد «منظمة النسور السوداء» بعد انفجار شرم الشيخ، وأُرسلت إلى الشرق الأوسط في مشروع «حقول البذور الذكيّة» الذي نجح بالنسبة إليها نجاحاً باهراً في بيروت ولكنه فشل في بغداد.
حلقات كثيرة متفككة، وأحداث متناقضة تبدأ بالظهور. وصلت مارغريت إلى البروفسور «شنيدر»، وعلمت أنها أصبحت جزءاً من مشروع «حقل البذور الذكيّة»، فوجدت نفسها مع صبيّة رومانية، عرّفت عنها قائلة: «رمتها الأقدار إلى شارع المعاملتين في بيروت الشرقية، وبين ليلة وضحاها تحوّلت من عازفة كمان راقية إلى بنت ليل». لم تأتِ مارغريت على ذكر علاقاتها الجنسية بإياد أو «نوا»، فيتراءى للقارئ أن الكاتبة لا تريد إقحام الجنس في الرواية، لكن المفاجأة التي نتبيّنها لاحقاً، أن مارغريت كانت تسعى في علاقاتها الجنسية إلى أمر مختلف.
يظهر في هذه اللحظة صراع مارغريت مع نفسها. محمد يعذبها وهي تشتهيه، أثارتها شراسته واستمتعت بقسوة... هو يغتصبها بعنف، وهي تطلب المزيد بمفردات سوقية. وحين واجهها بأنه اغتصبها، أجابته: «لقد مارست الحب للتو». بعد ذلك اعترفت لمحمد بالمهمة الموكلة إليها، وأنها رئيسة الشبكة، التي وظفت «نوا» و «ميتش» من دون علمهما، وكانت تستخدم نطاف زوجها إياد ليزرع في أرحام نساء ذوات قدرات عالية، بعدما رفض البقاء في أميركا لتطوير أبحاث حول الطاقة النوويّة. ثم أشارت إلى أنها كانت تضع له عقار محو الذاكرة فترة زواجها به، وحين أصبح غير قادر على الانتاج تركته وأقفلت ملفه. ما علاقة عقار محو الذاكرة بمهمتها، والتوقف عن إنتاج ماذا؟
كل شيء بالنسبة إلى مارغريت كان مخططاً له، والأمر الوحيد غير المخطط له ظهور محمد، الذي فاجأها بأنهم كانوا يزرعون في أرحام النساء حيوانات منوية ضعيفة. عندئذٍ تذكرت كلام الحاج عبدالله زوج شهد حين قال لها كلاماً لم تفهم مغزاه وقتها: «أنتم الأميركان تطبقون خططكم على أراضي الناس، متناسين تماماً أن هؤلاء قد يفاجئونكم بخططهم الخاصة التي لم تكن في الحسبان». توقعت مارغريت حكماً بالإعدام لما اقترفته. لكن محمد طمأنها إلى أنهم لا يقتلون النساء... وعللت سبب كل أفعالها قائلة: «كنت أكره... وها أنا أحب اليوم...».استمعت مارغريت في مصر إلى خبر موتها في الإذاعة: قتيلة في بغداد... وأدركت أن تاريخاً نُسف بسطرين.
استخدمت فضيلة الفاروق خيالاً مُحلّقاً في رسم شخصية مارغريت في صراعها الداخلي والخارجي، وكأنها تريد أن تقول إن الإنسان هو الحلقة الأضعف والأرخص في عالم الأطماع والمصالح مهما كانت جنسيته أو توجهه أو انتماؤه العرقي أو الديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.