في مواجهة النقص في المواد المستخدمة في تنفيذ أحكام الإعدام، تعتبر ولايات اميركية عدة أنها وجدت الحل الانسب من خلال اعطاء "الصيدليات" المستعدة لتزويدها بالمواد الحق في الابقاء على اسمائها طي الكتمان، في استراتيجية لا تخلو من المخاطر بحسب الخبراء. فخلال الشهر الحالي، باتت فيرجينيا آخر ولاية اميركية تنخرط في هذا المسار الرامي الى اعادة اطلاق عجلة احكام الاعدام في ظل تباطؤ ملحوظ في وتيرتها خلال الفترة الأخيرة. واقترح حاكم الولاية الديموقراطي تيري ماكوليف تعديل قانون مستقبلي يناقش حاليا للسماح للسجون في فيرجينيا بالتكتم على هوية الشركة المزودة للمنتجات المستخدمة في تنفيذ احكام الاعدام بالحقنات القاتلة. واعتمدت ولايات اخرى خصوصا اركنسو وميزوري وأوهايو تدابير مماثلة جاءت نتائجها الاولية مثيرة للجدل. وقدم ماكوليف فكرته على أنها "تسوية منطقية" تسمح بعدم جعل استخدام الكرسي الكهربائي بديلا تلقائيا عن الحقنة القاتلة خلافا لرغبة البرلمان المحلي الذي يهيمن عليه الجمهوريون. وسارعت الجمعيات المناهضة لعقوبة الاعدام الى التنديد بهذه الجدلية غير المحايدة القائمة على التفضيل بين الموت "صعقا بالكهرباء" او "بالسم السري". وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها: "اقتراح الحاكم يقوم على استبدال ممارسة همجية (الكرسي الكهربائي) بأخرى مشبوهة من الناحية الدستورية". ورحب بعض النواب الجمهوريين في المقابل بالتعديل المقترح، معتبرين انه حل للمأزق الراهن. فالنقص في "ادوية الموت" يؤججه خصوصا رفض الشركات العاملة في مجال الصناعات الدوائية، وهي أوروبية باكثريتها، تزويد الولاياتالمتحدة هذه المنتجات، ما ساهم في تسريع تراجع تنفيذ احكام الاعدام الى 28 حكما سنة 2015، في ادنى مستوى منذ 1991. وقاد هذا الوضع بعض الولايات الى اللجوء سرا الى جهات عاملة في مجال تصنيع الادوية غير حائزة تراخيص من جانب الوكالة الاميركية للاغذية والادوية (اف دي ايه)، او الى شبكات سرية في الخارج، في انتهاك للقانون الفدرالي. ويحتاج السجن عادة لإعداد مزيج قاتل، الى ثلاث مواد، الاولى لتنويم السجين والثانية لشل عضلاته والثالثة لوقف قلبه. غير أن جمع هذه المنتجات عمليا ضمن مسار فعال ومستوف تماما للشروط القانونية يمثل مهمة شاقة بالنسبة لسلطات الولايات الاميركية. وعمدت ولايات عدة منذ كانون الثاني (يناير) 2014 الى تنفيذ احكام اعدام اثارت انتقادات واسعة بسبب العذاب الطويل الذي قاساه المحكومون مع الام وحالات اختناق وصراخ واضطرابات عنيفة. وتمنع المادة الثامنة في الدستور الاميركي "الاحكام الوحشية او غير الاعتيادية"، كما أن محامي المحكومين لا يتوانون عن الطعن في الدقائق الاخيرة عبر التشكيك بفعالية المنتجات المستخدمة في الاعدامات، ويحققون في كثير من الاحيان مبتغاهم. ومن شأن الاستراتيجيات الجديدة للتكتم عن هوية الجهات المزودة بالمنتجات المستخدمة في تنفيذ احكام الاعدام أن تمنح المحكومين فرصا اضافية للطعن بأحكام الاعدام المزمع تنفيذها في حقهم بحسب خبراء. من هنا قد تسعى وسائل اعلام الى معرفة هوية الصيدلية من خلال الاستناد الى المادة الأولى في شأن حرية الصحافة. ويشير روبرت دانهام مدير مركز المعلومات بشأن احكام الاعدام الى ان "التدابير الخاصة بالسرية في الولايات تطرح ايضا تساؤلات بشأن مدى اعاقتها المكافحة الفيدرالية للجهات غير القانونية العاملة في مجال تحضير الصناعات الدوائية". في هذا الاطار، بدأت سريعا تسجل طعون قضائية رافضة للنقص في الشفافية لدى الصيدليات. ففي اركنسو (جنوب) حيث تحاول السلطات استئناف تنفيذ احكام الاعدام بعد عقد من التوقف، أيد قاض ثمانية محكومين كانوا يطالبون بمعرفة ماهية المنتجات التي سيتم حقنهم بها. وخلال الشهر الحالي، ابدت المحكمة العليا في اركنسو استعدادها للنظر في الملف. وفي اوهايو (شمال شرق) وميزوري (وسط)، يبدو أن اروقة الموت تقود في شكل متزايد الى قاعات المحاكم اكثر منها الى غرف الاعدام. كما ان غموضا كبيرا يكتنف المستقبل على ما يوضح المحامي المتخصص في احكام الاعدام دايل بايتش لوكالة "فرانس برس". ويقول "من الصعب التكهن بشأن الطريقة التي ستصدر فيها المحاكم احكامها. البعض امر بنشر المعلومات (في شأن الصيدليات) في حين ابقت اخرى على الموضوع طي الكتمان".