تكريم المنشآت الفائزة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة    مباحثات برلمانية سعودية فرنسية    وزير الخارجية: ندين الاعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه إيران    رسميًا... الأهلي يعلن رحيل أليوسكي    فيصل بن فرحان ووزير خارجية موريتانيا يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    ترحيل 7238 مخالفًا للأنظمة    موسى محرق.. رحيل إعلامي ترك أثرًا لا يُنسى    "سلوك خطأ" يحرمه الشرع ويجرمه القانون    هل تموت الكلمات؟    لا يفوتك هذا المقال    الصبّان: نُعد دراسة استراتيجية لتطوير الموسم المقبل بمشاركة خبراء التايكوندو    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي في غزة إلى 55908 شهداء    بين الشهادة والوظيفة مسافة اسمها المهارة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على صاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود    الجبهة الداخلية    ‫ الأمن العام في الأردن سقوط مسيرات في مناطق عدة ونؤكد ضرورة اتباع الإرشادات    صفقات الهلال المليارية    الموساد يكشف تفاصيل عملياته داخل العمق الإيراني    "المنافذ الجمركية" تسجل 1084 حالة ضبط خلال أسبوع    احتفل دون إيذاء    دبلوماسية الطاولة العائلية    استغلال أوقات الفراغ في مراكز الأحياء    "ريف السعودية" يستعرض قصة نجاح مُلهمة لإنتاج عنبٍ محلي يفوق جودة المستورد بالطائف    مساعد يايسله يُحذر سالزبورغ من قوة الهلال    "يونيشارم" تُرسخ قيم الأسرة في الخليج باحتفالها الأول بيوم الأب برعاية "بيبي جوي"    "التخصصي" يستعرض ريادته في التقنية الحيوية بمؤتمر Bio الدولي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تباين    أمطار وزخات برد على جازان وعسير وتحذيرات من الغبار بالشرقية والرياض    الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد    بنفيكا يقسو على أوكلاند سيتي بسداسية في كأس العالم للأندية 2025    ختام مثير لمنافسات اليوم الثاني من بطولة حائل للدرفت لفئة شبه المحترفين    رسمياً .. عمر السومة ينضم للوداد المغربي    ترامب: مديرة المخابرات جابارد مخطئة بشأن برنامج إيران النووي    عون : لبنان سيبقى واحة للسلام وينبض بالحياة ولا أحد يريد الحرب    المنهاج التعليمية تتفاعل مع قصة الطفلة زارعة الكبد اليمنية ديانا عبدالله    أرامكو السعودية تدشن المركز الإقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية في جزيرة أبوعلي    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    خطيب المسجد النبوي: التفكر في تعاقب الأيام سبيل للفلاح وميزان للربح والخسران    خطيب الحرم: محاسبة النفس دليل على كمال العقل وسبيل للفلاح    مدير تعليم جازان يكرم "افتراضيًا" الطلبة المتفوقين دراسيًا والمتميزين في الأنشطة المدرسية    أمير المنطقة الشرقية يؤدي صلاة الميت على والدة سعود العطيشان    تغير خطط سفر السعوديين أزمات العالم    تجريد المساحة وإعادة تركيب الذاكرة البصرية    خدمة الحجيج.. ثقافة وطن وهوية شعب    مشاعر الحج    1200 كائن فطريّ في الطبيعة    عشرة آلاف خطوة تقي من السرطان    زرع مثانة في سابقة عالمية    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    أمير منطقة جازان يتفقد مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة جزر فرسان    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    وكيل وزارة الحج والعمرة يدشّن جائزة "إكرام للتميّز" لتحفيز مراكز الضيافة خلال موسم حج 1446ه    دعوات لتسريع تطبيق حل الدولتين.. إدانة دولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدانة إسرائيلية وأخرى عربية!
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2009

في الوقت الذي تتوالى فيه الدعوات من مختلف المؤسسات الحقوقية في العالم لضرورة التحقيق في ارتكاب «جرائم حرب إسرائيلية» أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تأتي صفحة أخرى جديدة لتأكيد تهمة «جرائم الحرب» هذه من باب «وشهد شاهد من أهلها» هذه المرة.
ذلك أن الروايات التي أدلى بها ضباط وجنود إسرائيليون الشهر الماضي، ونشرتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يومي الخميس والجمعة الماضيين، تضمنت اعترافات صريحة وخطيرة بارتكاب «جرائم حرب» من المحاربين أنفسهم، وبأوامر مباشرة من قادتهم العسكريين.
فقد شملت التصريحات المشينة اعتراف قائد وحدة في سلاح المشاة، بقتل امرأة فلسطينية مع وليدها بمدفع رشاش قتلاً متعمداً! كما شملت الاعترافات أيضاً قتل امرأة فلسطينية مسنّة كانت تسير في الشارع وحدها، على رغم أنها لم تكن تشكل أي خطر على الجنود الإسرائيليين! ومن تلك الاعترافات أيضاً، ما ذكرته الصحيفة من أن الطيارين الإسرائيليين كانوا يتعمّدون استهداف بيوت المدنيين، ومن دون تحذير سابق للسكان، خلافاً لادعاءات الجيش الإسرائيلي!
ويبدو واضحاً من تصريحات الجنود الإسرائيليين أن التعليمات التي حصلوا عليها كانت تقضي بعدم الاكتراث بحياة الفلسطينيين المدنيين، وأن هؤلاء الفلسطينيين لا يجب أن يعاملوا «معاملة البشر» كما صرح بذلك بعضهم! يؤكد هذا ما قاله أحد الجنود الإسرائيليين: «الجميل في غزة أنك ترى شخصاً على أحد الطرقات، ولا يجب أن يكون معه سلاح، ولكن يمكنك أن تطلق عليه النار بكل بساطة»!
ولعل أخطر تلك الاعترافات هو تصريحات بعض الجنود بأن منشورات كتبها حاخامات يهود، تصف الحرب بمصطلحات دينية تثير الأحقاد، كانت وزعت عليهم، حيث أشار أحد الجنود أن تلك المنشورات احتوت على «رسالة واحدة واضحة: نحن أهل إسرائيل وصلنا إلى البلاد بمعجزة تقريباً، والآن علينا أن نقاتل لاجتثاث غير اليهود...»!
وقد وقفت طويلاً عند كلمة «اجتثاث غير اليهود»، حيث أنها تحمل في طياتها تهمة خطيرة في القانون الدولي تسمى تهمة «جريمة الإبادة»، حسب المادة 6 من نظام المحكمة الجنائية الدولية! وغني عن القول إن مثل هذه التعليمات الدينية في ساحة المعركة تلهب المشاعر وتؤجج العواطف، ولعل هذا ما حدا بالجنود إلى الإسراف في القتل، حيث وصف أحد الجنود مشاعره بقوله: «ما شعرته هو الكثير من العطش للدم»!
وإذا كانت هذه المنشورات وزعت رسمياً من الجيش الإسرائيلي كما تدل على ذلك شهادة الجنود الإسرائيليين فتهمة «جريمة الإبادة» - التي تعد أخطر جريمة في عالم القانون الدولي اليوم - يجب أن تلاحق دولة إسرائيل رسمياً، حيث أن الجيش الإسرائيلي مؤسسة رسمية يمثل الدولة الإسرائيلية في كل ما يقوم به، تماماً كما كان الجيش الألماني النازي إبان الحرب العالمية الثانية.
وإذا كانت التهمة تثبت في القانون الجنائي إما بالاعتراف أو بالبيّنات - بما في ذلك الشهادات والشهود - أو بالقرائن، فإن الأدلة المتوفرة في حرب غزة الأخيرة قد جمعت هذه الطرق الثلاثة جميعاً، ولم يبق سوى جمعها وتوثيقها ومن ثم تقديمها الى المحاكم المختصة. وبطبيعة الحال، فإن هذه الجرائم الإسرائيلية تتطلب محاكمة من نوع محاكم نورمبرغ وطوكيو أو محاكم يوغسلافيا ورواندا.
ولكن المريب في الأمر هو أن الحكومات العربية تبدو غير مكترثة بهذا الأمر، وكأنه لا يعنيها. وفي الوقت الذي طالبت فيه منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان في جنيف، ومؤسسات حقوقية أوروبية عديدة بملاحقة إسرائيل قضائياً، وفي الوقت الذي دعا فيه مسؤولون دوليون من أمثال المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة السيد ريتشارد فولك، إلى إجراء تحقيق حول ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب، لعله من المؤسف أن لا تشمل تلك الدعوات الرئيس الفلسطيني أو رئيس وزرائه أو حتى أياً من أعضاء حكومته أو مستشاريه، على رغم أنهم هم المعنيون قبل غيرهم بهذا الأمر!
بيد أن العمل القانوني لإثبات التهم الرسمية ضد إسرائيل ليس بالأمر المستحيل، والمحاكم الأوروبية تقبل النظر في مثل هذه القضايا. والمحامون المتطوعون قد بدأوا بالفعل هذه الخطوات من دون انتظار موافقة الحكومات العربية. ولكنهم لا يستغنون عن مساعدة مادية تعينهم على متابعة هذا الأمر، ويخشى أن تكون الكلفة المادية عائقاً يحول دون مواصلة هذا الكفاح القانوني. وبحسب ما أخبرني أحد المتطوعين في جمع الأدلة وتقديمها للمحاكم الأوروبية، فإن كلفة مثل هذا العمل القانوني قد لا تتعدى كلفة الإعداد لمؤتمر متوسط الحجم في أية دولة عربية! بل إن الأسوأ من ذلك ما صرحت به نائبة أوروبية من أن محامين عرباً طلبوا منها ومن شخصيات أوروبية عديدة، عدم المشاركة في مؤتمر ديربان - الذي يتهم إسرائيل بالعنصرية - المقرر عقده الشهر القادم، حيث رصدت إسرائيل عشرات الملايين من الدولارات لمحاربته!
خاتمة القول إن التهم التي تطوق عنق إسرائيل اليوم جراء حربها الأخيرة في غزة، قد تجعل الإفلات منها أمراً صعباً، وأحسب أن المحامين الذين يحملون عبء الدفاع عن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي في وضع لا يحسدون عليه!
وبغض النظر عن قبول أو رفض المحكمة الجنائية الدولية للجرائم الإسرائيلية، فإن ما يجب القيام به اليوم هو التقدم بهذه الأدلة والبراهين التي يزداد توافرها وقوتها يوماً بعد يوم، إلى المحاكم المختصة في داخل الدول الأوروبية بموجب المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي بموجبها تقبل الدول الأوروبية ملاحقة مجرمي الحرب أياً كانوا. ومعلوم أن اتهام أي مسؤول إسرائيلي في أية دولة أوروبية، سيمنعه من دخول بقية دول الاتحاد الأوروبي لوجود معاهدة تبادل المجرمين بين هذه الدول.
ولكن إذا أضاعت الأمة العربية هذه الفرصة القانونية السانحة، فإن اللوم لم يعد على إسرائيل وحدها، بل يشمل الدول التي أضاعت الفرصة!
* حقوقي دولي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.