أطفال في عمر الورود تراهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء عند إشارات المرور ومحال تصليح السيارات والمزارع وفي الأسواق... عيونهم شاخصة تطلب الرحمة وتنذر بالضياع. سلبتهم الظروف القاسية متعة الطفولة، تراهم شئت أم أبيت أمام ناظريك وأنت تجوب العاصمة الأردنية عمّان. ليس لديهم وقت محدد، ليل نهار وصيف شتاء. يستيقظ عامر (15 سنة) صباحاً ليذهب الى عمله في كاراج (مرأب) لتصليح السيارات، في المنطقة الصناعية في البيادر، بينما يذهب أصدقاؤه الى المدرسة. ويقول عامر، بحزن وأسى، إنه يقضي سحابة اليوم وهو يعمل كي يستطيع إعالة والدته وأخت في السادسة من عمرها، بعدما تركهم والده، وطلق أمهم وتزوج أخرى «ليس في قلبها رحمة». وتمنى في نهاية الحديث أن يعود إلى المدرسة ويكمل تعليمه. أما أحمد (13 سنة) فيقضي نهاره عند إشارة المرور ليبيع العلكة، لبضعة أيام، قبل أن يتوجه لبيع المناديل الورقية، وفي الصيف، يبيع الورود. وهو يعمل مكرهاً. والده يجلس في البيت، ينتظر عودته ليأخذ منه ما جمعه من نقود. السلطات الأردنية تعترف بوجود هذه الظاهرة في شكل لافت، وتؤكد العمل الجاد لمواجهتها، وقانون العمل الأردني يمنع تشغيل الأطفال ويفرض عقوبات وغرامات مالية على أصحاب العمل. شرين الطيب، رئيسة قسم عمل الأطفال في وزارة العمل، تؤكد أن الوزارة تبدي اهتماماً كبيراً، بالتعاون مع الجهات المعنية، في مواجهة هذه الظاهرة، وتكثف الزيارات الميدانية للمؤسسات التي تشغّل أطفالاً. وتشير الطيب الى ضبط 1152 طفلاً عاملاً، بين تموز (يوليو) 2009 وآذار (مارس)2010، وتحرير 91 مخالفة وإصدار 66 إنذاراً بحق هذه المؤسسات. وتستمر الوزارة بحملات التفتيش عبر موظفي مديريات العمل في محافظات الأردن، كما تلفت الطيب، وقد خصّص أسبوع دوري لتفتيش المؤسسات، وتنفيذ حملات لمواجهة تشغيل الأطفال. وتنتظر وزارة العمل موافقة وزارة التربية والتعليم للقيام بحملات توعية في المدارس والمناطق النائية. وفي ما يخص عدد الأطفال العاملين في الأردن، تشير الطيب الى أن وزارة العمل ليس لديها أرقام محددة، ولكن الأرقام المعتمدة هي التي تصدرها دائرة الاحصاءات العامة، حيث يقارب عددهم 33 ألف طفل، وذلك من خلال تقرير صدر حديثاً، والنسبة الأكبر منهم تعمل في قطاع الميكانيك. وتستهدف حملات وزارة العمل أصحاب العمل والأهالي، وليس فقط الأطفال العاملين. وتقدم النصح والإرشاد، بالتعاون مع عدد من المؤسسات المعنية بشؤون الطفل، كالمجلس الوطني لشؤون الأسرة والصندوق الأردني الهاشمي، بالإضافة الى «اليونيسف» و «مؤسسة نهر الأردن» وغيرها... وتذكر الطيب أن الوزارة تستقبل شكاوى المواطنين عن أي طفل يعمل في أي مؤسسة، كما انها تحاول، من طريق قسم التشغيل إيجاد فرص عمل مناسبة لأحد أفراد الأسرة البالغين العاطلين من العمل. نظرة الأطفال الآخرين ليث في الصف السابع، يحب المدرسة ويتمنى أن يصبح مهندساً، وهو يرى أن الأطفال العاملين الذين يتركون المدرسة في سن مبكرة لا طموح لهم ولا مستقبل. ولكن لسامر (14 سنة) رأي مختلف، فهو بحبّذ عمل الأطفال، ولكن بشروط. سامر لا يرى أي خطأ إذا عمل الطفل عملاً مناسباً، من دون أن يكون على حساب التحصيل العلمي، كالعمل في العطلة الصيفية الذي يُكسب الطفل مصروفه الشخصي وخبرة وثقة بالنفس، ويخفف عبئاً عن الأهل. أم عمر أرملة تعيل أسرة مكونة من 4 أبناء، بين 7 سنوات و18 سنة، تقول إنها تملك محلاً صغيراً لصنع المعجنات. توفي زوجها قبل 4 سنوات، وهي الآن تعمل وتعيل الأسرة. وقد علمت أبناءها الاعتماد على النفس، وهم يعينونها في عملها، ولكن في أيام العطل الرسمية. وهي تعطيهم أجوراً رمزية، لتشجيعهم، ولا تسمح لهم بالعمل في أماكن أخرى. تشغيل الأطفال يعود الى تردي الأحوال المادية والاجتماعية، ولذا يُتوقّع أن يزداد عدد الأطفال العاملين نظراً الى تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد عدد أفراد الأسرة، وبالتالي ازدياد نسبة الفقر. ومن الضروري إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، تكون أكثر فاعلية من حملات الإرشاد والتوعية وإصدار مدوّنات حبر على ورق. فهؤلاء الأطفال معرضون للخطر، إذ يعملون في أعمال مرهقة ومضرة بالصحة، ولا يملكون أي تأمينات، ويعملون ساعات طويلة في شتى الظروف. ويتقاضون أجوراً تراوح بين 50 و150 ديناراً شهرياً. حقوقهم منتهكة، يعيشون حياة صعبة لم يختاروها بل أجبروا عليها.