نائب أمير تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياة    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    نائب وزير الخارجية يلتقي رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبي    مجلس الوزراء يشيد بمضامين الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    عقد اجتماع لمدراء عموم فروع هيئة ‏الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة الجنوبية بمقر فرع الهيئة منطقة نجران    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    خبراء دوليون: تقنيات الذكاء الاصطناعي توفر 45% من استهلاك الطاقة في إنتاج المياه    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للحج ومناقشة عدد من الموضوعات المتعلقة بألاستعدادات المبكرة للحج    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    السعودية تنشئ مركزاً عالمياً بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي    ساعات حاسمة ..الهدنة أم غزو رفح؟    الجوازات في 2023.. أكثر من 41 مليون عملية إلكترونية داخل المملكة وخارجها    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    جامعة نايف العربية تفتتح في الرياض ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب    التشكيل المتوقع لمواجهة ريال مدريد وبايرن ميونيخ    التشكيل المتوقع لمواجهة الهلال والاتحاد    مشروعات تطوير البنى التحتية الجديدة في محافظة جزر فرسان تجاوزت ال 16.5 مليون ريال    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    الدكتور الربيعة يلتقي الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية    الشِّعر والنقد يفقدان النموذج الإنساني «عبدالله المعطاني»    محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة أمير منطقة الرياض    طعن واقتحام ودماء.. ثلاثيني يروّع لندن    الدفاع المدني يدعو إلى عدم الاقتراب من مجاري السيول وتجمعات المياه أثناء هطول الأمطار    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    محافظ أبو عريش يدشن فعاليات أسبوع البيئة    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    تراجع طفيف بأسعار النفط عالمياً    "هورايزن" يحصد جائزة "هيرميز" الدولية    تعاون "سعودي – موريتاني" بالطاقة المتجدِّدة    تسجيل «المستجدين» في المدارس ينتهي الخميس القادم    الخريف: نطور رأس المال البشري ونستفيد من التكنولوجيا في تمكين الشباب    العميد والزعيم.. «انتفاضة أم سابعة؟»    لوحة فنية بصرية    وهَم التفرُّد    عصر الحداثة والتغيير    العربي يتغلب على أحد بثلاثية في دوري يلو    «الكنّة».. الحد الفاصل بين الربيع والصيف    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل سفير جمهورية إندونيسيا    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    قمة مبكرة تجمع الهلال والأهلي .. في بطولة النخبة    تمت تجربته على 1,100 مريض.. لقاح نوعي ضد سرطان الجلد    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    الفراشات تكتشف تغيّر المناخ    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    السابعة اتحادية..    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    ولي العهد ووزير الخارجية البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والتصعيد العسكري في غزة    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصتان حريق القاهرة
نشر في الحياة يوم 08 - 09 - 2015

قررتُ أن أذهب إلى وسط البلد، لعلني أطمئن على حنان، عقب انفجار استهدف مبنى دار القضاء العالي. لم تعد الانفجارات تثير الرعب كما يفترض بها. باتت معتادة. بتنا ننظر إلى الانفجارات بطرف أعيننا، نمر بين دخانها من دون أن نخلع سماعات الموبايل من آذاننا ومن دون أن نوقف الشاب خالد عن الغناء.
أثناء مروري في شارع رمسيس، ظهر إلى جواري قرد ضخم. قرد حقيقي بشعر كثيف وجسد ينثني ومؤخرة حمراء. قرد كتلك التي نشاهدها في الأفلام، فأنا لم أر قرداً حقيقياً منذ أكثر من عشرين عاماً عندما زرت حديقة الحيوان لآخر مرة قبل أن يغلقوها ويطلقوا الحيوانات في الشوارع. قفز القرد عالياً ليلمس كتفي بيده المشعرة منبهاً إياي إلى وجوده. لم يكن محتاجاً لفعل ذلك، فوجوده كان لافتاً بما يكفي، ولكنه بدا لافتاً لي وحدي دون المارة المجاورين. كنت قد قرأت في الصباح خبراً عن هروب عدد من القردة من إحدى كليات الطب البيطري، ضحكتُ ولم أهتم. الأخبار كافة صارت تثير ضحكي دون اهتمامي. التفتُ إليه، فابتسم. ليست ابتسامته كابتسامتنا، ولكنك تستطيع أن تميز بوضوح أنها ابتسامة. ثم جلتُ بنظري بين المارة، فلم أجد بينهم متعجباً، ملتفتاً، متأملاً، أو حتى ضاحكاً. الكل يمشي بثبات محافظاً على تقطيبة جبينه ونظرة تائهة رغم ثباتها، ويد تزيح من طريقها من يعترضها في خضم الأجساد المتصادمة ببعضها البعض.
كان القرد أكبر وأطول من المعتاد. أو لعله كان أطول من تخيلي للقردة. كان مثل أولئك القردة في فيلم «كوكب القرود». طولُه يتخطى خصري. قلتُ هامساً إنه يبدو كغوريلا غير مكتملة النمو، فضحك! سألته إن كان يفهمني، هزَّ رأسه وقال نعم. تلفّتُ حولي متشبثاً بأمل أن يرى غيري ما أراه، ورغم أن ذلك الشاب المار إلى جوارنا سمعه وهو يتكلم، إلا أنه لم يبد التفاتة ولم تتغير ملامحه. أسرعتُ شاقاً طريقي بين الجموع محاولاً البُعد عنه، ولكنه كان ماهراً في اختراق الزحام عبر المرور بين السيقان تارة ومن فوق الأكتاف تارة أخرى. لحق بي ومشى إلى جواري وكأنه ظلي، لم يتكلم مجدداً، مجرد خيال يسير إلى جانبي.
فكرتُ أن أوقف أحد المارة المتجهمين لأسأله إن كان يرى بجواري قرداً أم لا. ولكنني خفتُ أن يعتبرني مجنوناً أو مستهزئاً به ويصب غضب يومه عليَّ، فصمتُّ.
تعلق القرد بساقي وأشار بيده إلى اليمين. ساقني خلفه في اتجاهات متعرجة بين بنايات وسط البلد العتيقة. لا أعلم لماذا تبعته من دون سؤال. ترددت نظراتي بين جسده كثيف الشعر وبين المارة غير المنتبهين. أشار إلى مقهى في أحد الشوارع الجانبية. قفز فوق أحد الكراسي الخشب التقليدية، ودعاني لأجلس إلى جواره. صفَّق، فأتى لنا القهوجي الذي لم يبد استغراباً. مثله مثل كل من رأونا اليوم. طلب منه القرد بمودة تليق بزبون معتاد أن يأتينا بكوبين من الشاي؛ «سكر بره». كان رواد المقهى الممتد في منتصف الشارع يدخنون الشيشة حتى غطتنا سحابة بروائح ممتزجة. كان يجلس إلى يميننا مباشرة رجلٌ ميت يجالس شابين مقتولين. كنتُ أعرفهم جيداً. حضرتُ العزاءات الثلاثة. كانوا يجلسون من دون كلام، فقط ينفثون دخان الشيشة. وعلى الجانب الآخر جلست فتاة جميلة، بدت كأنما تنتظر شاباً. لم تكن في جمال حنان ولكنها جميلة على أي حال. يقول بعض العابرين لنا بهدوء - لا يتناسب مع قولهم- إن حريقاً نشب في مبنى حكومي قريب. لم يتحرك أي من الجالسين من أماكنهم. سمعناهم ثم استكملنا حواراتنا، أو على الأحرى استكملنا صمتنا. قلتُ للقرد إننى أعلم أن حنان قريبة من هنا، ولكنه لم يعلق.
كانت رائحة دخان الحريق قد غزت جلستنا وامتزجت بروائح التفاح والأناناس والنعناع المنبعثة من «الشيش». زاد تداخلهما من كثافة سحابة الدخان التي تغطينا، ولكن لم يدفعنا ذلك لأن نتحرك. لم نتحرك حتى بعدما سمعنا أن الحريق يمتد نحونا. سمعتُ صوتاً يصرخ من داخل المقهى (خليها تولع). القرد وحده اختنق وتقطعت أنفاسه، فانتفض من على كرسيه وهو يكح ويبصق. قبيل قيامه، شدَّني كي أصحبه. حاول أن يقودني خارج دخان الحريق المشتعل ولكننا لم نجد مخرجاً.
لا أعلم كم كانت أعدادنا تحت ستار الدخان حيث أن لا أحد منا يرى أبعد من خطوتين. نتخبط جميعاً ونمشي في اتجاهات متعاكسة. تبادلنا الشتائم أحياناً والركل الأعمى أحياناً أخرى. واحدة فقط قالت لي (لا مؤاخذة) عندما اصطدمتُ بها، عرفتُها من صوتها؛ حنان، سألتُها ما الذي أخرجها من بيتها اليوم، قالت: «ساقي كانت مكسورة، وخرجت لأجربها». ابتسمتُ، قرفصتُ وحملتُها على كتفي مثلما كنت أراهم يفعلون في التظاهرات. كانت خفيفة مثلما توقعتُ، قبضتُ بيدي على ساقها التي لم تُشف تماماً، وأمسكت بيدي اليمنى القرد الذي تعرف وسط الجموع على أحد أصدقائه الفارين. سرنا نحن الأربعة متشابكين باحثين عن مخرج من تحت الدخان. لا أعرف إن كان آخرون قد انضموا إلينا أم لا. ربما أصدقاء لحنان أو للقرد أو أصدقاء لأصدقائهم، إلا أنني لم أشعر إلا بجسد حنان الطري فوق كتفي، ويد القرد الخشنة في يدي، ورائحة الدخان تحيطني، وضبابه يحاصرنا، يخنقنا ويعمي أبصارنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.