أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الراجحي    الهلال يُسيطر على قائمة الأفضل في مونديال الأندية 2025    ألمانيا تدرس شراء أنظمة باتريوت من أميركا لصالح أوكرانيا    يانيك فيريرا مديرا فنيا للزمالك المصري    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    القبض على 3 يمنيين في جازان لتهريبهم (140) كجم "قات"    البرازيلي كورنادو يعود إلى صفوف الشارقة الإماراتي    لقاء الهلال وفلومينينسي عبر شاشات البوليفارد سيتي    مجمع الملك سلمان وتنمية الحياة الفطرية يطلقان معجم "مصطلحات الحياة الفطرية"    نادي الصقور يعلن عن فعالياته في المملكة    انخفاض أسعار النفط مع تأكيد إيران التزامها بالمعاهدة النووية    استشهاد 19 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    السديس في خطبة الجمعة: الهجرة وعاشوراء دروس في اليقين والشكر والتوكل على الله    سمو ولي العهد يستقبل سمو نائب حاكم أبوظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي    إحباط محاولة تهريب 646 ألف حبة من مادة "الإمفيتامين" المخدر مُخبأة في إرسالية    وفد وزارة الرياضة يختتم مشاركته في منتدى "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    الاتفاق يبيع عقد غراي    فراس آل الشيخ، المدير الإقليمي لشركة ريد هات في المملكة: بناء المستقبل الرقمي للمملكة.. دور "ريد هات" في تمكين الابتكار والأمن السيبراني    قتيلة في جنوب روسيا    استمرار الرياح النشطة على معظم مناطق المملكة    الدولار يتماسك أمام اليورو والين    أمين منطقة القصيم يتفقد مشروعي امتداد طريق الأمير محمد بن سلمان وطريق الملك سعود بمدينة بريدة    بلدية عنيزة تُطلق مهرجانيّ «كرنفال السعادة» و«صيف عنيزة» بالتعاون مع القطاع الخاص بمتوسط حضور يومي يتجاوز 8000 زائر    جمعية الكشافة تختتم مُشاركتها في ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    بلدية محافظة الأسياح تنفذ 4793 جولة رقابية في النصف الأول لعام2025م.    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    قطاع أحد رفيدة الصحي يُفعّل "اليوم العالمي للبهاق" و "اليوم العالمي لإضطراب مابعد الصدمة"    الإسباني"إيمانويل ألغواسيل"مدرباً للشباب    محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    الإنجاز والمشككون فيه    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامي مهدي يرثي المدينة التي ضاعت
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2009

لو تأملنا في الأبواب الأربعة التي وزّع الشاعر سامي مهدي فيها قصائد مجموعته الجديدة «لا قمر بعد هذا المساء» (بيت الشعر - رام الله)، والتي تتحدد بكلمات مفردة (مشاهد، أشكال، أحوال، نهايات) لوجدنا ترتيب تجربته الشعرية، على رغم وحدة الرؤية والموقف، وهي تعكس حالات، وتتمثل في أوضاع إنسانية ومواقف، كما نجدها متعددة زوايا الرؤية للواقع والأشياء.
ولعل القصائد، التي تندرج بعد كل عنوان من العناوين الأربعة، تتميز بخاصيتين، هما: خاصية الرؤية - بما تتخذ من زاوية نظر الى الأشياء، والحالات، والخاصية الأخرى التي تتعين في أسلوب البناء الشعري ومقوماته الفنية واللغوية:
ففي «مشاهد» تتعّين حالات، وتتجسد رؤى، وتتمثل مصائر، ويأخذ أسلوب البناء الفني فيها منحىً سردياً يتراوح بين التمثيل على الشيء (في كل الألعاب/شيء من معنى القتل...) وتجسيد الشيء من خلال الحالة التي يتعين فيها رؤية ورؤيا (كلّهم كان يفتح أبواب هذا السعير)، ووضع ذلك في مشهدية وجود (تنهدّ الأسوار/ ويفر الجند يميناً وشمالاً،/ وتطيش الأفكار). وقد يتعّين المشهد عنده في مشاعر وأحاسيس تندرج في مستوى تمثيل الواقع، أو التعبير عن الحضور- المعاناة، (كل شيء تأخر عن وقته،/ ومواعيدنا أخلفت/ ولذا لن يكون لنا قمرٌ بعد هذا المساء) .
ونجد في «أشكال» عناوين القصائد ممثلاً لمسارها، ومتمثلاً فيه: ملوك الغاب، حاكم، دمى، ضفدعة، رجل ذو قبعة، زائر، أسيرة، رجال... وهي قصائد تجمع «الاسم» و «التسمية» المعبرين عن حالة ووضع إنساني- وجودي، الى الرؤيا التي بها/ ومن خلالها يتعين موقف الشاعر، والذي قد يكون موقف تعاطف وتحية، كما يكون موقف إدان وتخوين.
وفي «أحوال» تجتمع الدلالات المعنوية الى الحالات الإنسانية لتفرز معطياتها الواقعية المعبرة عن روح انساني يهتزّ لاهتزاز أرض الواقع من حوله.
وإذا كان «الحزن/ يبقى نكهة الشعراء» فإن «سقوط الحلم» أحد بواعث هذا الحزن، الذي وجده الشاعر وقد «تبعثر مثل دقائق الحصى في التراب»، أو هكذا أحسّه وشعر به. إلاّ أن الشاعر، وهو يواجه تعدد الأحوال ويرى الى تمزّق حالاتها على أرض الواقع المستباح، يجد نفسه مكتفياً بما عنده: «مكتفٍ بوجودي،/ ومعناي مكتمل بي،/ ولا شيء ينقصه/ من معانٍ تشظت وراء حدودي»- لنلمس في تعبيره/ موقفه هذا تمثيلاً لأشدّ حالات التماسك الذاتي في زمن الانهيار الصعب.
أما في «نهايات» فنجد إحساساً عميقاً بالزمن وبفعل الزمن. لكن «فعل الزمن» هذا ليس تلاشياً وعبوراً نحو النهايات، وإنما هناك، من خلاله نظر الى «التنامي» المتجدد. وإذا كانت العودة الى البيت لا تكشف له إلاّ عن فراغ ووحشة، بل إن الباب لم يفتح له حين جاء، فإن عودته «متلبس الخطو،/ رخو اليدين» أتاحت له ان يرى «نخلة الدار» لم تزل واقفة: «سعفها أذرع، ورؤوس عراجينها زردٌ/ وهي كالديدبان» – وإن وجد نفسه، في هذا أمام «قفر» لا شيء له فيه، ومنه، سوى: «أرض يابسة يتبخر فيها الصوت/ ويمر الموت/ لا يبحث عن أحد فيها/ أو يسأل عمن يرويها/ فجميع أهاليها موتى/ والميت لا يسأل عن ميت».
يأتي هذا كله بلغة تستعين برموز الواقع (مسرح الرؤيا، وفضاء الفعل) لتأكيد واقعية الحدث، بقدر ما يعمل الشاعر، من خلال هذه الرموز، على إضاءة معالم الحاضر بما له من تاريخية - وتاريخية مضادة. ونجد الشاعر لا يشرك في «صناعة» هذا التاريخ طرفي معادلة الصراع: المتغلّب بقوة سواه على من لا قوة له سوى « قوة الذات» التي يرقى بها الى مستوى «التعبير الرافض» مرتفعاً بهذه «الذات» الى مستوى التاريخ وما هو تاريخي ليؤكد: إن الحاضر الذي انفرط عقده سيكون في غد «أمساً» «نُطلّ عليه من «يوم جديد». وإن جاء الغزاة الى أرضنا فلن يمكثوا عليها إلاّ الى حين، ذلك أن «طروادة لم تسقط، بل سقطت أوهام أغاممنون، وظلّ الطرواديون يصيدون اليونانيين، فرادى وجماعات، فتعود السفن الموبوءة بالموت الى اليونان، محملة بتوابيت القتلى، ووصايا المنتحرين، ووساوس من ظلوا أحياء».
قصائد هذه المجموعة محملة بنبرة حزن، وهي تأتي بلغة رثاء للحاضر، ولكن ليس فيها ظل ليأس، ولا تنفتح عن نظرة عدمية الى الواقع، على رغم كل ما ساد هذا الواقع من حالات العدم. بل نجد التساؤل، فالشاعر وهو يرى خنازير الغابة « يكادون يهوون من وزر ما يحملون»، يتساءل: «كم ترى يكرهون/ كم ترى يذخرون من السمّ؟! كم ينفثون؟».
لكنه من زاوية أًخرى، يجد الظلام يطبق، كما يرى بشراً يجوسون الظلام – الى الطريق، وقد ضاع منهم الدليل. ولكنه لا يتبنى لغة الهزيمة والضياع في التعبير عن ذلك، ولا يهجس بالتيه، وإنما نجد، هنا، رؤيا تشعّ من داخل النفس بأضواء صبح آخر. وعلى رغم أن الطريق الى الحلم قد سدّ أمام انسانه فإنه يعلن، في وقوفه أمام خان مرجان، أنه ينقب «في خلل الخان عن أثر للجميع». ويواجه الموت، ويرى الى الأشلاء مقطعة، والى القبور. ومع هذا لا يجد الأرض تتشح بالسواد، ولا الحالة تدعوه الى رثاء الواقع والأشياء بلغة الانكسار والهزيمة، بل يجد ما هو أكثر دلالة على استمرار الحياة: نهر تتواصل مياهه، وصوت يقول: «نحن ما زلنا هنا في الطرقات/ غابة تمشي/ وأشجاراً تسوق الريح والغيم/ وتذرو الظلمات».
وليس في المجموعة شيء مما يحسب على مجانية التعبير، أو الرؤيا المنحدرة عن وهم التخييل، وإنما هناك «تمثّل مجسّد» لأفكار ورؤى ومواقف، ورموز حية تعبّر عن هذا كله بحيوية الفعل الكامن في داخلها، والذي من بعض تفجراته اللغة والصورة والتشبيه، تتصاعد من خلال المعاني بدلالاتها الكبيرة: رفض ما هو كائن/ طارئ وعابر، والبحث عن «المدينة الذهبية» التي ضاعت، والتي يؤكد لصاحبه، وهو يخاطبه بشأنها: «سنظل نطلبها، وإن ضاعت/ ونبحث عن طريق/ في وحشة الصحراء يحملنا إليها(...) ويهدينا الى أبوابها يوماً/ وإن من بعد حين./ وسنخبر الأبناء عنها قبل أن نفنى/ ونوصيهم،/ فهم قد يعثرون/ عرضاً عليها، مثل عبد الله،/ إن متنا ولم نعرف إليها من سبيل».
والإنسان في قصائد هذه المجموعة، مخاطِباً ومخاطبَاً، يقتفي أثر روحه، دليله رؤاه، وأما معانيه فمستمدة من معايناته ومعاناته، وليس بين الحالتين من فاصل أو حدود، فكلاهما تمثل الطريق الى قرينتها: المعاينة الى المعاناة، والمعاناة بفعل المعاينة.. لينشأ عن ذلك صراع لا أشدّ منه ولا أبعد، تحرك روح هذا الصراع «قوة طارئة» على الواقع، ولكن تواجهها قوة هي قوّة النفس - الواقع، الذات - التاريخ، ليعلن بها/ ومن خلالها: «سأقاوم النسيان (...) فلا شيء يوقف مدّ الحياة/ ولا شيء يطفئ في القلب نور اليقين».
ومن هذه اللغة يؤلف الشاعر، معجمه الشعري وهو ليس لغة سائرة، أو محايدة، وإنما هي لغة استثنائية لكونها لغة مقاومة من أجل استعادة الواقع: لغة مفتوحة على الإنسان والواقع، ومحملة بأعباء رؤيا المصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.