"غرفة نجران :تستعد غدًا لإنطلاقة فعاليات منتدى نجران للاستثمار 2025"    أمير قطر يتلقى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي    حرارة شديدة ورياح على أجزاء من عدة مناطق في المملكة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    الإسلام دين الرحمة والتسامح لا مكان للكراهية والعنف    البرتغال وإسبانيا تجهزان الاتفاق للموسم الجديد    صندوق الاستثمارات يؤسس برنامجاً عالمياً للأوراق التجارية    حكاية مؤرخ رحل    أمير القصيم : عنيزة تمتاز بالسياحة الريفية والعلاجية    موعدنا في الملحق    ولي العهد للشيخ تميم: السعودية وضعت كافة إمكاناتها لمساندة الأشقاء في قطر    الأخضر السعودي لرفع الأثقال البارالمبية يحقق إنجازات عالمية في كأس العالم بالصين    التوتر اضطراب طبيعي واستمراره خطر    دراسة تحذر من تأثير ضربات الرأس في كرة القدم    «الأخضر» يصل سان دييغو لملاقاة المكسيك السبت المقبل    صحف عالمية: سالزبورغ خطف نقطة من الهلال    تداول يعوض خسارة بداية الأسبوع ويرتفع 135 نقطة    محمد بن سلمان: رؤية تُحوِّل الأحلام إلى حقائق    ترمب يدعو إيران لصناعة السلام    واشنطن تصدر «تحذيراً عالمياً» للأميركيين    الذكاء الاصطناعي والاستقلال المالي يشكلاّن مستقبل الإعلام    ختام مشاركة المملكة في معرض سيئول الدولي للكتاب    السدو.. نسيج الذاكرة ومرآة الهوية    6000 موقع عمراني جديد في السجل الوطني للتراث العمراني    "المركزي السعودي" ركيزة الاقتصاد وداعم الرؤية    وطن الشموخ    صناعتا الورق والمعدات الكهربائية تتصدران النمو الصناعي    افتتاح فعاليات منتدى الصناعة السعودي 2025    يرجى عدم المقاطعة!    تصعيد إيراني: ضربات تستهدف قواعد أمريكية في الخليج    قطر تعلن التصدي لصواريخ إيرانية والاحتفاظ ب"حق الرد المباشر"    قنصل إيران يشيد بجهود السعودية لتسهيل مغادرة حجاج بلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأمير فيصل بن خالد    قطر: تنويه بعض السفارات لرعاياها لا يعكس تهديدات محددة    "ومن أحياها" تستقطب 294 متبرعا بالدم خلال 3 أيام    الجوازات تواصل إنهاء إجراءات مغادرة الحجاج عبر كافة المنافذ    إنزاغي راض عن أداء الهلال أمام سالزبورغ    موعد والقناة الناقلة لمباراة السعودية والمكسيك في الكأس الذهبية    العربي إلى المرتبة الثالثة عشر ( بلدية محايل )    إطلاق النسخة ال5 من مبادرة السبت البنفسجي    علقان التراثية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض سيئول للكتاب.. الثقافة السعودية تعزز حضورها عالمياً    "فلكية جدة": القمر يقترن ويحجب نجم الثريا    الناصر في حوار مع "بلومبيرغ": دور السعودية سيظل رئيسياً في ضمان أمن الطاقة    السعودية تدين الهجوم على كنيسة في دمشق    اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا    حملة لإبراز المواقع التاريخية في العاصمة المقدسة    طهران: أخلينا المنشآت النووية في ثلاث مدن رئيسية    وزير الداخلية يستقبل سفير المملكة المتحدة    ضبط مقيم لنقله 13 مخالفاً لنظام أمن الحدود    نصائح لتجنب سرطان الجلد    العمل ليلا يصيب النساء بالربو    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    الجبهة الداخلية    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبًّا له ثم تَبّ
نشر في الداير يوم 15 - 09 - 2012

لما بَعَثَ الله نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى الناس .. وكانت بعثه إلى الناس كافة ..
حَرِص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من التِّيه والضلال الذي ترسف فيه ..
كما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من النار ..
تمثّل ذلك الحرص في دعوة الناس ليلا ونهاراً .. سِرًّا وجهاراً ..
وتمثّل ذلك الحرص في دعوة كل الناس ..
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى ..
وأرسل الرُّسُل والْكُتُب إلى الرؤساء والزعماء ..
تمثّل ذلك الحرص أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طفل يهودي يُصارِع المرض .. يوشك على مفارقة الحياة ..
يَهتم به عليه الصلاة والسلام .. يَعتني به .. يَعرض عليه الإسلام : أسْلِم .. فَيَلْتَفِتْ الصبي إلى والده .. كأنه يستأذنه .. ولما كان والده يعرف حقيقة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : أطِع أبا القاسم .. فيتشهّد الطفل ويشهد شهادة الحق .. ثم يموت !
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فرحا مُستبشراً وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار . كما في صحيح البخاري .
وكما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعوة الأباعِد فقد حرص الأقارب .. فدعا قومه ورهطه .. فصاح بهم يوماً على الصفا وهو بمكة ، فجعل يُنادي :
يا بني فهر.. يا بني عَدي - لبطون قريش - حتى اجتمعوا ، فجعل الرَّجُل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تُريد أن تغير عليكم ، أكنتم مُصَدِّقي ؟
قالوا : نعم ، ما جَرّبنا عليك إلا صدقا .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تَبًّا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فَنَزَلت : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) . رواه البخاري ومسلم .
أبو لهب هو عبد العُزّى .. تَبّ وخسِر ، فما عَزّ !
ف (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) " الأول دعاء عليه ، والثاني خبر عنه " كما قال ابن كثير .
فقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) أي خَسِر وخاب ، وضل عمله وسعيه . (وَتَبَّ) أي وقد تَبّ : تحقق خسارته وهلاكه . قاله ابن كثير .
" وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبُغْضَة له ، والازدراء به ، والتنقّص له ولدينه " ..
فما زاد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عِزّة ورِفعة ..
وما زاد ( عبد العزى ) إلا ذلاًّ ومهانة .. فلا يُذكر إلا ويُذكر ذمّه !
زاد جهل أبي جهل .. وتباب أبي لهب ..
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتضوّع طِيباً .. كَعُودٍ زاده الإحراق طِيباً
أبو لهب .. ظنّ أنّ ماله ينفعه ، أو يُغني عنه شيئا .. فقال الله : (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)
ولم يقتصر الشقاء على أبي لهب بل تعدّاه إلى زوجِه ..
قال ابن كثير : وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل ، واسمها أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده ، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ، ولهذا قال تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) يعني تحمل الحطب فتُلْقِي على زوجها ليزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مُسْتَعِدّة له . اه .
قالت أسماء بنت أبي بكر : لما نزلت (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) اقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها وَلْوَلَة ، وفي يدها فِهْر وهي تقول : (مُذَمَّماً أبَيْنَا ، ودِينه قَلينا ، وأمْره عصينا)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني ، وقرأ قرآنا اعْتَصَمَ به ، كما قال تعالى (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا)، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، ولم تَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا أبا بكر إني أُخْبِرتُ أن صاحبك هجاني ! قال : لا ، ورب هذا البيت ما هجاكِ ! فَوَلَّتْ وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها ! رواه أبو يعلى ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، والحاكم في المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقد صَرَف الله عن نبيِّه صلى الله عليه وسلم سبّ حمالة الحطب !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تعجبون كيف يَصرف الله عَنِّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّما ، ويلعنون مُذَمَّما ، وأنا محمد . رواه البخاري .
حمّالة الحطب أنفقت مالها للصَّد عن دين الله ، فكان عليها حسرة وندامة !
وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأُنْفِقَنّها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير : فأعقبها الله منها حَبْلاً في جيدها من مَسَدِ النار .
صَبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك .. فكانت النُّصْرَة له ، والرِّفعة له ، والعِزّة له ..
وكانت الذلّ والصَّغار على من خالَف أمره ..
عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظَهَر فيها آية من آيات النبوة ، وعلامة من علامات صِدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ..
قال ابن كثير : قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نَزَلَ قوله تعالى : (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) فأخْبَرَ عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يُقيّض لهما أن يُؤمنا ، ولا واحد منهما ، لا باطنا ولا ظاهرا ، لا مُسِرَّا ولا مُعْلِناً ؛ فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة . اه .
عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وحملته المسعورة ضدّ دِين الإسلام .. لم تَثنِ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
بل كانت عداوته سبباً لِنشر دِين الله !
كانت عداوة أبي لهب سبباً للسؤال عن حَالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعن دعوته .. وعن لفتْ الأنظار إليه !
قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بِسُوقِ ذي المجاز إذْ أنا بإنسان يقول : يأيها الناس قولوا : لا إله إلا الله ؛ تفلحوا . وإذا رجل خلفه يرميه قد أدْمَى ساقيه وعرقوبيه ، ويقول : يأيها الناس إنه كذاب فلا تُصَدِّقوه . فقلت : من هذا ؟ فقالوا : محمد زَعَم أنه نبي ، وهذا عمه أبو لهب يَزعم أنه كذاب !
ظنَ أبو لهب .. فَخَابَ ظنّه !
ظنّ أنه يحجب الشمس بالْمُنْخُل ( الغربال ) .. فَخَابَ ظنّه !
ظنّ أن ماله يُغني عنه .. فَخَابَ ظنّه !
ظنّ أنه يَصدّ عن دِين الله .. فَخَابَ ظنّه !
ظنّ أنه سوف يثني عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يُفرِّق الناس عنه .. فَخَابَ ظنّه !
ولئن مات ( أبو لهب ) وهَلَك .. فإن لكل وارث !
وما تناقلته بعض الصحف والمواقع .. وما أثير على المنابِر .. من أخْبَارِ وَرَثَة ( أبي لهب ) الذين حاولوا اقتفاء أثَرَه ! والسير بسيرته المذمومة ! والاستهزاء بِسيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ..
فَخَابَ ظنّ الوَرَثَة كما خَابَ ظنّ المورِّث !
خابوا وخسروا ..
ولئن ساء كل مسلم ما نُشِر في بعض مقاطع اليوتيوب عن فِيلم يُسئ إلى رِسُولنا الحَبِيب .. فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لم يَخْلُق شَرًّا مَحْضاً !
ف ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
فقد كان تضمّن ذلك السوء خيراً ، منه :
= ظهر وانكشف وجه الحقيقة عن وجه الحضارة الغربية .. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) .
= ظهر لكل ذي بَصَر عداوة النصارى .. وأنّ من يطلب رضاهم مُتطلِّب في الماء جذوة نار !
وقول الله أصدق وابلغ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ..
= تجلّى نفاق بعض الصُّحُف والكُتَّاب .. الذين التَزموا الصمت تجاه هذا الْخَطْب الْجلل !
فماذا عساهم يقولون ؟
ماذا عسى أُغَيْلِمة الصحافة وسفهاء قومي يقولون ؟
أليسوا الذين كانوا يُلمِّعُون الغَرْب والغُراب ! تحت شِعار ( الآخر ) سَتْراً للكافر !
إلا أن الحقيقة التي تجلّتْ .. كشَفَتْ عن وجوه من الحقائق !
وصَمَتْ من كانوا يُنادون باحترام ( الآخر ) !
ومن كانوا يَودّون لو صَمَتَ دُعاة الإسلام ..
أليسوا هم من يُنادي ب ( حُريّة الفِكر ) فإذا هم يُنادون ب ( حُريّة الكُفْر ) !
إذا تكلّم ( صادق ) نَصَبُوا له العِداء ..
وإن تَبجّح ( كافر ) سَكَتُوا وكأن الأمر لا يَعنيهم .. وهو لا يعنيهم .. لأن انتسابهم إلى الإسلام ( دعوى ) من غير بيِّنَة !
هاهو ( الآخر ) بزعمكم يتطاول على دين الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبماذا أجبتم ؟
= تَهَافُتْ دعاوى ( قبول الآخر ) الذي لم ولن يَقبلكم ! حتى " يجتمع الماء والنار ، والضَّب والحوت " !
شأنكم في ذلك شأن ذلك ( الْمُتَفَرْنِس ) الذي أمضى عمره في التذلّل للغرب .. ولو كان على حساب دِين ومبدأ .. فإذا الغرب يَرفضه ويَلفظه .. بل وينبذه نَبْذ الحذاء المرقّع !
وها هو يقول عن نفسه : " وأصبح (محمد أركون) أصولياً متطرفاً !! أنا الذي انْخَرَطْتُ منذ ثلاثين سنة في أكبر مشروع لنقد العقل الإسلامي ! أصْبَحْتُ خارج دائرة العلمانية والحداثة "
ويقول أيضا : " والمثقف الموصوف بالْمُسْلِم يُشار إليه دائماً بضمير الغائب : فهو الأجنبي المزعج ! الذي لا يمكن تمثّله ، أو هضمه في المجتمعات الأوروبية ، لأنه يَسْتَعْصِي على كل تحديث أو حداثة ! " .
وقد أخبر الله عن ذلك الرفض ، وعن تلك العداوة المتأصِّلة بقوله : (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) .
= وفي هذا الْحَدَث تميّز الطيب من الخبيث .. والصادق من الكاذب .. (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) .
إذا اشتبكت دموع في خُدود = تَبَيَّنَ من بَكى ممن تباكى
تبيَّن الْمُحبّ الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدَّعِيّ الْمُدَّعِي !
= وفي الغرب ( مُنصِفُون ) .. فقد تُثيرهم تلك الحملات الشعواء على طلب الحقائق .. فيهدي الله بِتلك الصحيفة رجالاً ونساء كانوا في ( عَمَاء ) !
ومن سُنّة الله " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " كما في الصحيحين .
وفي شِعْر أبي تمام :
وإذا أراد الله نَشْر فَضَيلة = طُويت أتَاحَ لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جَاوَرَتْ = ما كان يُعْرَف طِيب عَرف العُود
= أن الصِّدام المباشِر ، والمساس الواضِح أبلغ وأيقَظ للقلوب .. وهذا يُبيِّن مدى خطورة الغزو الفكري ، وأنه أخطر من الغزو العسكري – وإن كان مُدمِّراً – .
ذلك أن اليهود والنصارى يقولون في الله قولاً عظيماً .. ومع ذلك وُجِد من يُحبّهم أو يتعاطَف معهم .. إلا أن هذا الذي صَدَر من النصارى أيقظ في الأمة قلوباً غافلة ، أو مُستَغفَلة ! ..
فالنصارى قالت قولاً عظيماً في الله من قَبْل ومن بعد .. قالوا في الله قولاً عظيماً (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) .
وما قالته النصارى في حقّ الله أعظم وأكبر ..
وقد أخبر الله وخبره الحقّ ، وقال وقوله الصِّدْق (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) .
وإن تلك الحملات الشعواء على الإسلام وأهله .. لم تُغيِّر قناعات الشعوب ..
يقول مُحدِّثي : سَافَرْتُ إلى بلد أفريقي في رِحلة عمل .. فاقتضى الأمر أن أتعامل مع (أفريقي نصراني) .. فلما انتهى تعاملنا معه .. سألناه عن أفضل مدينة سياحية في بلدهم .. فأرشدنا إليها .. فسألناه عن طبيعتها وأمْنِها .. فأخبرنا أن غالبية سُكانِها من المسلِمين ..
يقول صاحبي :
فسألته : كيف تكون الأكثر أمْناً وغالبية سُكانها من المسلمين ؟ .. مع ما نسمع في وسائل الإعلام عن المسلمين ؟!
فقال النصراني : هذه جعجعة إعلامية !
نحن نعرف المسلمين .. فَدِينُهم يأمرهم بذلك !
يقول : فتعجّبت من شهادة النصراني وهو في بلده ..
إن ما يُقال أو يُثار ضد الإسلام أو ضدّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم يسوء كل مسلم ..
إلا أنّ هذا الشرّ لا يَخلو من خير ..
هُم يُريدون أمراً .. والله يُريد أمراً .. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
دبّروا .. ومكروا .. وقلّبوا الأمور .. فأبْطَل الله سعيهم .. ووردّ كيدهم في نحورهم .. وحاق بهم مكرهم ..
وهذه سُنَّة الله في نصر أوليائه ، وخُذلان أعدائه ..
لقد سَعى المنافقون بكل حيلة .. فَصَرّفوا الأمور ، وأرادوها ظهرا لبطن ، وبَطْناً لِظَهْر وطلبوا بكل حيلة إفساد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فَنَصَرَ الله نبيّه .. وأظْهَر دينه ..
قال تعالى : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ)
(وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ) أي دَبَّرُوها من كل وجه ، فأبْطَل الله سعيهم . كما قال ابن جُزيّ .
قال ابن كثير : يقول تعالى مُحَرِّضاً لِنبيه عليه السلام على المنافقين (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ ) ، أي لقد أعْمَلُوا فكرهم ، وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك ، وخُذلان دِينك وإخماده مدة طويلة ؛ وذلك أول مَقْدَم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رَمَتْه العرب عن قوس واحدة ، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ، فلما نصره الله يوم بدر ، وأعلى كلمته ، قال عبد الله بن أبي وأصحابه: هذا أمْرٌ قد تَوَجَّه ! فَدَخَلُوا في الإسلام ظاهرا ، ثم كلما أعَزّ الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ، ولهذا قال تعالى : (حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) . اه .
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على نُصْرَة هذا الدِّين ..
فقال عليه الصلاة والسلام : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين ، بِعِزّ عزيز ، أو بِذُلّ ذليل ، عِزًّا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر . رواه الإمام أحمد .
والله ليكونن هذا وإن رَغِمَتْ أنوف !
والله ليُتمَّنّ الله نوره ولو كَرِه الكافرون ..
مِن دعاء عمر رضي الله عنه في القنوت :
اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ، اللهم خالف بين كلمتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.