عرفت كاتباً صحفياً ممتازاً -رحمه الله- حكى لي قبل ثلاثين سنة قصة رجل لجأ إليه في حل مشكلته. قال كتب إليّ أحد القراء أنه قصير القامة وقد رزقه الله بولد مثله. وهو لا يريد ابنه أن يعاني من هذه الصفة المزعجة، ويسأل هل يجد عند الصحفي البارز ما يعين على تطويل قامة الولد البالغ في ذلك الوقت ست سنوات. فكان جواب الكاتب أن على السائل أن يسارع بالذهاب إلى المستشفى ويطلب إلى طبيب متخصص في العظام أن يقص ساقي الولد ثم يثبت في داخلهما أسياخ من الفولاذ (أو ربما من القصدير وأنا أجهل الفرق بينهما) بزيادة بضع سنتيمترات لكل ساق ويمط الجلد فيما بين طرفي كل من الساقين المقصوصين وينتظر حتى يلتئم الجلد مع الجلد. وبعد انقضاء فترة النقاهة يستطيع أن يسير عليهما كأي إنسان عادي. لست أعلم هل حقا نشر الكاتب غفر الله له هذه المشورة؟ وهل وافق الأب على عملية كهذه لقص ساقي فلذة فؤاده؟ وما الذي يضمن أن تنجح عملية خطيرة كهذه فيصيح الولد كسيحا وأقصر مما كان عليه لو نفذ ولي أمره نصيحة الكاتب الناسي لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". إن الكتابة مهنة احترافية ولكن الكاتب الصحفي مهما بلغت ثقافته ليس أهلا لأن يفتي مثل أهل الاختصاص. وأذكر أني استأجرت ذات يوم نجارا لتحريك دولاب مكتبتي. وكان نحيفا لم أكن أظنه يستطيع تحريك الدولاب. وغفلت عنه دقائق وإذا به قد تمكن من تحريك الدولاب بصورة مذهلة دون سحب الكتب. فتعجبت وسألته كيف؟ فسخر مني. نحن معشر الكتاب لسنا أطباء ولا مهندسين ولا صيادلة ولا رواد فضاء ولا نجارين. ولكننا نتلصص على العلوم والفنون. وقد قالوا من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.. نعم هناك متخصصون في الاقتصاد أو في الفن أو في القانون أو في الرياضة بل إن هناك المراسل الحربي وهو الذي يعرف في التاريخ والجغرافيا والسياسة وأنواع الذخائر والأسلحة من المسدس إلى الصاروخ. أما المراسل العلمي فهو الواسع الثقافة في العلوم المختلفة. والناس يقرأون ويعجبهم ما نكتب فيظنون أننا قادرون على حل مشاكلهم الهندسية والطبية والاقتصادية والنفسية والفكرية. ذكرت أعلاه عدم تمييزي بين سيخ الفولاذ وسيخ القصدير ولم أسأل عنهما. فذلك ليس من شأني. وأتعشم ألا يهجم الناس على الفتوى دون علم. حتى أن منهم من زعم أن وقفة عرفة في أي يوم من أشهر الحج. فليته وأمثاله يقبلون نصيحة النجار الأمي العامي الذي قال لي ساخرا: خليك يا سيدي في الكتابة والقراية.