ضربت أسواق المال العالمية الأسبوع الماضي موجة من الاضطرابات، أرجعها البعض لخفض أسعار الفائدة بالولايات المتحدة، والبعض الآخر لحركات جني أرباح ببعض الأسواق المالية، ومهما تنوعت الأسباب فإن النتيجة غالبا واحدة ..ضحايا من المستثمرين يدفعون ثمن التقلبات الحادثة في البورصات نتيجة لأسباب حقيقية أو وهمية . ويعتبر التاريخ أكبر معلم لمن يعتبر، وعليه فمعرفة الأجواء المحيطة بالصدمات والانهيارات السابقة لأسواق المال قد تساعد البعض على تقليل خسائره في ذلك الخضم المتلاطم، والذي يصعب دائما تحديد الوجهة المناسبة لإبحار آمن خلاله . وفي محاولة لذلك نشرت صحيفة The Independent بموقعها على الإنترنت 2008 / 1 / 23 موضوعا بعنوان " السؤال الكبير : ماذا يمكن أن نتعلم من صدمات الانهيار السابقة لأسواق المال " . وكانت بداية الإجابة عن هذا السؤال هي تحديد أسباب إثارته، والمتمثلة في انخفاض أسعار الأسهم حول العالم يوم / 1 / 22 2008، مع قرار الخزانة الفيدرالية بالولايات المتحدة خفض أسعار الفائدة بقيمة 0٫75 ٪،ويرى العديد من المحللين أن ما يحدث هو نوبة انهيار فجائي للبورصات . * لماذا تحدث تلك الانهيارات؟ تتطابق أو تتماثل الانهيارات المالية، لكنها تشترك في بعض الخصائص، حيث يصبح الاستثمار على بعض الأسهم شائعًا ومشهورًا، ويبدأ الإقبال على شراء تلك الأسهم ويظل السعر يرتفع، ويلحق بعض الأشخاص ممن لا يدركون ماذا يشترون بالركب كي .-لا يفوتهم المكسب المتوقع بما يعرف بسياسة " القطيع " بالبورصة، وبمجرد انتشار خبر سيئ صغير يندفع حاملو الأسهم للبيع في وقت واحد ويبدأ الانهيار في سعر السهم وتتزامن تلك الانهيارات عادة، وإن لم يكن دائما، مع دورة الأعمال في الاقتصاد، ويمكن أن نلخص تلك العملية بالتزلج على موجة شعور بالجشع يتبعها شعور بالنشاط والخفة، وأخيرا الخوف . ويقول الاقتصادي جيه كيه جالبرايث J K Galbraith في مؤلفه عن " التاريخ الموجز للنشاط المالي ":إن هناك نوعا من الهوس الجماهيري ( الجماعي ) يسيطر على المستثمرين بالبورصة، فعدد ضخم منهم لديه رغبة في التمسك بالتوقع الخطأ لأسعار الأسهم التي يشترونها أو يمتلكونها .حتى لو لمسوا الدليل على أن الأسهم مقيمة بأعلى من سعرها الحقيقي ." * لماذا لا يتعلم المستثمرون من التاريخ؟ لأنه في كل مرة تحدث فقاعة بالبورصة تظهر دائما عبارة " الأمر مختلف هذه المرة " ، ويكون التفسير المعتاد لنوبات المضاربة محفوفة المخاطر بالبورصة أنها انعكاس لما يحدث من تغيرات بالاقتصاد . ففي هولندا عام 1620 كان هناك اعتقاد بأن الزنابق المستوردة من الإمبراطورية العثمانية ستكون جميلة جدדָا لدرجة أن سعرها سيعلو سعر الذهب .وكذا فقاعة بحر الشمال في 1710 كانت مدعومة بتوقعات عالية لربحية التجارة الجديدة عبر الأطلنطي . وفي بداية التسعينيات من القرن العشرين بدأ الهوس من اليابانيين وتزامن مع اشتعال فقاعة التجارة الإلكترونية وانتقال القوة للإنترنت . * هل هناك أي خصائص مشتركة لتلك الانهيارات؟ الفقاعات المالية السابقة للانهيارات عادة ما تتضمن ابتكارات مالية مشكوك في نتيجتها، ففي بداية القرن السابع عشر تم تضليل المستثمرين بنموذج جديد لتمويل العجز الحكومي . وأشار J .K Galbraith إلى تفسيرات سيكولوجية أساسية للازدهار الاقتصادي أو للانهيارات اللاحقة له، " فهناك احتمالات قوية لقبول المستثمرين بالسلوك المتهور، خاصة فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بكسب الأموال " . * إذن هل هذه هي نفس قصة الهبوط الأخير بأسواق المال؟ هذه الكارثة تختلف اختلافا طفيفا، فهي ليست نتيجة فقاعة في أسعار الأسهم، ولكنها على الأرجح أزمة بنكية مقترنة ببداية تباطؤ اقتصادي، والبورصات بدأت تتأثر بهذين العاملين . ولكن الجانب البنكي للكارثة له نفس الخصائص للأزمات المشابهة السابقة، فعلى سبيل المثال توق البنوك لعوائد وأرباح ضخمة قادهم لبيع قروض الإسكان لمئات الآلاف من الأمريكان في السنوات الأخيرة، والتي لا يستطيعون ردها .وحينها قامت اتحادات المستثمرين ورجال التأمين بشراء مديونيات، مثل " سند الدين المكفول " والمكون من قروض غير آمنة ،دون أن يدركوا حقا ما الذي سيحصلون عليه . * هل الصدمات تعتبر أخطر في الوقت الحاضر؟ ربما كان النمو في السنوات الأخيرة قد تأثر بصناديق التحوط واستخدام الكمبيوتر في عمليات البورصات، فصناديق التحوط تراهن بأموال ضخمة - عادة تكون مقترضة - على التحركات الصغيرة بالسوق، ويعتقد البعض أن هذا قد يؤدي بالأسواق المالية إلى كارثة . انهيار صندوق التحوط الأمريكي طويل الأجل (LTCM)نموذج واضح لذلك، فعندما تخلفت الحكومة الروسية عن دفع قيمة السندات الحكومية في أغسطس 1998، قام المستثمرون بالهروب من تلك السندات لورقة حكومية أخرى ..إلى ملاذ آمن في سندات الخزانة الأمريكية . وكنتيجة لخسارة الصندوق مليارات الدولارات - اقترض أغلبها من شركات للاستثمار في سندات دولية - أجبر الصندوق على بيع أذون خزانه لكي يحاول أن يحصل على بعض السيولة دافعا بسوق الائتمان الأمريكي في حالة من الاضطراب الشديد . ومتسببا بارتفاع أسعار الفائدة . وبالإضافة لذلك فقد أثر دخول الكمبيوتر في تنفيذ المضاربات بالبورصات تأثيراً دراماتيكياً في الانهيارات، ففي أكتوبر 1987 ، فاقم نظام المضاربة عبر الكمبيوتر من هبوط أسعار الأسهم حيث يتم تنفيذ أوامر البيع بشكل أوتوماتيكي عندما تصل أسعار السوق إلى مستوى معين . وباتحاد الاتجاهان معا في نهاية الصيف الأخير تم إفراغ قيم الأسهم بشكل آلي، وتفاقم وضع عدم الاستقرار بالأسواق المالية . * كيف يجب أن تستجيب السلطات؟ إن تجربة انهيار " وول ستريت " 1929 أوضحت كيف يمكن أن تؤثر السلطات المالية بشكل سيئ في الأزمة إذا ما تصرفوا بغباء .في هذه الحالة قام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة لحماية قيمة الدولار والحفاظ على مستوى احتياطي الذهب .وجففت بهذا الفعل السيولة من السوق، وانهار النظام المالي وانتقلت العدوى على مستوى الاقتصاد ككل، وأغلقت العديد من الشركات وسُرح كم ضخم من العمال، وأصبح ثلث قوة العمل عاطلين وانكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة .٪50 أما الآن فالحكومات قد تعلمت من تجاربها السابقة فالبنوك المركزية أصبحت أكثر فاعلية وسرعة في التعامل مع أزمات السيولة . * إذن هل تخفيض سعر الفائدة حل للمشكلة؟ هناك مخاطرة بهذا التوجه، فتخفيض الفائدة أثناء أزمة 1987 ببريطانيا ساهمت بشكل ما في فقاعة الإسكان، والتي انفجرت في بداية التسعينيات، وقادت إلى فترة ركود . إن المخاطر من تخفيض الفائدة أصبحت أكثر سطوعا ووضوحا بعد فقاعة شركات الدوت كوم عام .2000 كما أن شبح تخفيض سعر الفائدة بالبنوك المركزية ببريطانيا والولايات المتحدة مازال يخيم على الأجواء الاقتصادية ، فالائتمان الرخيص والمتوافر، هو الذي وضع بذور الأزمة الحالية وفي اليابان ما زالت الدولة تتعافى من أزمة 1990 ورغم أن الشركات المتعثرة أطلق سراحها بأسعار الفائدة شديدة الانخفاض . إلا أن المستهلكين اليابانيين ما زالوا يرفضون الإنفاق . وتظل البنوك المركزية تأمل بقوة ألا تتكرر هذه الفترة من التاريخ مرة أخرى .