قد لا يتسنى لاحد الباحثين يوماً ان يجري نوعاً من المقارنة بين الامام الملك الموحد عبدالعزيز آل سعود تغمده الله بواسع رحمته والساسة الذين لعبوا دوراً في تشكيل الخارطة الجغرافية السياسية للمنطقة. واحد نفسي ألفت الى هذه الشخصية الفذة والتي تتفوق من جوانب عديدة عن بعض الساسة في تلك الحقبة التاريخية من تاريخنا العربي المعاصر. فقد اسس الامام الملك الموحد رحمه الله دوراً أساسياً في صياغة شكل المنطقة ويقيم دولة موحدة في شبه الجزيرة العربية ويقدمها لتكون اساساً ونموذجاً لما يجب ان تكون عليه دول المنطقة الاخرى خاصة التي تماثلها في الاوضاع والتكوين. واذا كان المؤرخون سيتوقفون طويلاً عند العقد الذي نعيشه الآن خاصة عند بدايته لان احداثاً كثيرة وهامة وقعت خلاله فلابد من الاشارة الى ان السياسة السعودية التي ارسى قواعدها المؤسس رحمه الله لها جانب واضع المعالم بعيدة عن العنف والاستقطاب والمحاور مبنية على تطبيق الشرعية الدولية وحقوق الانسان بعيدة عن العنف والحقد والدمار والمهاترات والمزايدات الزائفة وعدم التدخل في شؤون الغير وتحقيق مكاسب على حساب غيرها. آخذة في الاعتبار ان السياسة في المحصل الاخيرة لا تعتمد على الرغبات او العواطف او الشعارات وانما على المصالح وعلى موازين القوة بكل ما تعنيه الكلمة في الاقتصاد في الثقافة في المجال العسكري والتقدم الاجتماعي والتكنولوجي او بكلمة اخرى القوة بمقاييس العصر الذي نعيش فيه. والى جانب هذا وذاك فقد كان الامام الملك الموحد يولي عناية فائقة وتعاطف ودعم وتأييد لمصالح البلدان الاسلامية والعربية خاصة القضية الفلسطينية المرتبطة ارتباطاً لا تنفصل عراه بتاريخ العالم العربي كله خلال الجزء الاكبر من هذا القرن، لاسيما منذ وعد بلفور سنة 1917م الذي تعهد لليهود بانشاء وطن قومي لهم في فلسطين وهو الوعد الذي استنكره الامام عبدالعزيز، فقد كان رحمه الله يطالب الغرب باسم الفلسطينيين باعادة الحقوق المشروعة لهم محذراً من مغبة تجاهل حل عادل لهذه القضية وهو ما اثبتته الاحداث الى يومنا هذا. وإذا كان المغفور له باذن الله تعالى الامام الملك عبدالعزيز آل سعود واحد من ابرز القادة في العالم فان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله قد ارتبط اسمه جنباً الى جنب مع اسم والده لانه خريج مدرسته والسائر على خطاه والمترسم لنهجه يقود بحكمته وحنكته السياسية مسيرة الامة نحو الارتقاء بجهد وتفكير وتخطيط سليم والعمل المدروس بجانب حسن التصرف. في اعطاء الرأي بالمنطق والاسلوب كبداية صحيحة تؤدي الى عدم التراكمات والى ايجاد مجموعة من الاعراف السياسية السليمة تفضي الى نمط جديد في العلاقات العربية المبنية على الاحترام المدركة ما لها وما عليها بعيدة عن حالة الضياع والتناحر في تكوننا وتفكيرنا واضعين كأمة واحدة اولويات لاهدافنا وان نقيم علاقات موضوعية ما بيننا وبين الآخرين. إنما يميز المملكة العربية السعودية عن غيرها من دول العالم قدرتها على احداث التوازن والمواءمة والمحافظة على القيم الاسلامية والاجتماعية التي تأسست عليها وترسمتها في كل خططها ومشروعاتها في حياتها مما اكسبها احترام وتقدير دول العالم مما حقق لها مستويات عالية من التقدم والرقي والتطور مواكبة ما يشهده العالم من قفزات سريعة واحترام الآخرين لها.