انطلق ذلك السهم من كنانة ذلك الصياد المحنك ليستقر في نحر ذلك الغزال السمين.. كانت وجبة شهية.. عقبتها أمسية بهية... سدد ذلك الصياد القوي رمحه ليستقر في جنب ذلك الغزال المليئ.. استمتع الصحب بالشواء.. وطاب السمر بعد العشاء... صاحب السهم من قبيلة العمائميين.. قبيلة بسيطه.. صيتها متواضع.. انتصاراتها محدودة.. خيامها مرقعه.. صاحب الرمح من قبيلة المحزمين.. سيدة قبائل السهل والجبل.. صيتها ذائع.. انتصاراتها لا معدودة.. خيامها من الجوخ.. رحلة صيد برية... في أحد رحلات الصيد البرية.. صادف جماعة من صيادي العمائميين جماعة من صيادي المحزمين.. أبدى المحزمون استغرابا من صيد العمائميين بالسهم.. لم يلبث الاستغراب أن تحول جدلا.. انتهى الجدل بسخرية واستهزاء مرير بالصيادين العمائميين. طارت الأخبار... بلغت أخبار حادثة الصيد إلى شيخ قبيلة العمائميين.. تجاهلها و أعرض عنها.. بلغت الأخبار شيخ قبيلة المحزمين.. ضحك كثيراً.. لم يكد يصدق أن أحدا يستبدل الرمح بالسهم!.. قرر شيخ المحزمين إرسال وفد لإثناء العمائميين عن عادة الصيد بالسهم السخيفة هذه!!! حفاوة وترحيب... استقبل العمائميون الوفد بحفاوة و ترحيب.. قال المحزمون بأن قلقهم يتزايد من طريقة أصدقائهم العمائميين في الصيد بالسهام، وأن هذه الطريقة المضحكة في الصيد قطعا لا تصب في مصلحة أفراد قبيلة العمائميين، وأنهم يحبون أن يرون العمائميين وقد استلهموا روح العصر واقتدوا بالقبائل ذات الصيت واعتنقوا الصيد بالرماح... تقديرٌ مُبطّن... أجاب العمائميون بأنهم يقدرون حرص المحزمين على الصالح العام و يتفهمون قلقلهم على أصدقائهم العمائميين، ولكنهم يرون أنه كما أن للصيد بالرماح فوائد كثيرة، فإن للصيد بالأسهم فوائد، منها خفة وزن السهم، ودقة إصابة الهدف، وإمكانية صيد أكثر من حيوان بكنانة من السهام.. كما أنهم ليسوا متأكدين من تقبل أفراد القبيلة لفكرة تغيير طريقة صيدهم التي تتمتع ببعد تاريخي و إرث ثقافي... امتعاض... حك كبير المفاوضين المحزمين طرف شفته اليمنى بظفره و قد بدا الامتعاض واضحا على قسمات وجهه، و أنهى المفاوضات مقتضبا ومؤكداً على ثقته بأن قيادة العمائميين ستتخذ خطواتٍ ايجابيةً باتجاه استبدال السهم بالرمح قبل موسم الصيد القادم... تطلعات و تحركات... حل موسم الصيد التالي، لم يكن تحرك العمائميين على الصعيد الرمحي بقدر التطلعات و لا على مستوى التوقعات.. فوجئ العمائميون بحضرٍ على استيراد لحوم غزلانهم؛ حضرٌ فرضه المحزمون!! شُطِبَت أسماء صيادي العمائميين من قوائم المدعوين إلى مسابقة الصيد القبائلية.. لم يكن العمائميون بحاجة إلى غزير ذكاء ليخمنوا مصدر الإيعاز بالشطب!! كانت حملةً إعلاميةً شعواءَ تلك التي شنها المحزمون على كل ما يمت للهوية العمائمية بصلة.. جندوا مرتزقة طبالي القبائل ليهزؤوا بتخلف العمائميين، ويسخروا من تمسكهم بسهامهم .. "شرشحه" مبتذلة على جميع المستويات!! عمائميون مهزوزون... بدأ بعض العمائميين المهزوزون بالتساؤل عن جدوى هذا التمسك بالسهام البالية.. و أشاروا إلى أن السهام قد تكون سبب تخلفهم عن اللحاق بركب القبائل الناجحة.. و جزموا بأن سبب انتقال المحزمين إلى قمة الريادة القبائلية هو استخدامهم للرماح. دخل العمائميون في حلقة مفرغة من الجدل تدور حول ما إذا كان الخلاص و الفلاح يكمن في استبدال الأسهم بالرماح... يَال عادة الأزمان... أعزائي العمائميين، جرت عادة الأزمان بأن يكون لكل زمان طاووس و دجاجه. الطاووس، منتصر، دائما ينفش ريشه بنشوة، ولا ينظر إلا من طرف منقاره كلما أدار وجهه بعيدا عن المرآة. والدجاجة، مغلوبة على أمرها، لا تتقن إلا النقنقة؛ فمن نقنقة تتشكي فيها قهر الطواويس، إلى مشادات نقنقية مع باقي دجاجات الحظيرةِ حول أسعار الشعير، إلى نقنقات استفهامية عن ما إذا كان رص أعواد البرسيم على مؤخرات الدجاج سيفلح في تحويلهن إلى طواويس... مآلات الحوار... إذا اصطلحنا على أن الحوار هو تبادل أفكار للتلاقح أو التكامل أو المفاضلةِ أو ربما الخروج بأفكار جديدةٍ تَمُتُ أو لا تَمتُ بِصِلةٍ للأفكار المطروحة؛ فإن كل حوار لا يتحقق فيه تكافؤ الطرفان سيؤول للفشل. في الحوار اللامتكافئ، سيشعر الطرف الأقوى تلقائيا (وعيا أو لا وعيا) بالاستعلاء، وسيتخذ من ضعف الطرف المقابل مبررا لإفقاده الأهلية أو ربما الأحقية في اتخاذ القرار. وبالتالي سيتحول الحوار من كونه فرصة لتلاقح الأفكار إلى فرصة لفرض معتقدات القوي و اجتياح الضعيف فكريا؛ وقد يُستسَاغُ في سبيل هذا الاجتياح استخدام أساليب الضغط وليِّ الذراع. حوار الطاووس و الدجاجة... نشاهد حيثيات الحوار اللامتكافئ هذه يوميا على شاشات الأخبار في التفاعل بين الثقافات القوية المنتصرة والثقافات الضعيفة المهزومة. على الصعيد الخارجي، قد تتفاقم الرغبة في الاجتياح الفكري النابعة من الحوار الامتكافئ إلى اجتياح عسكري من الثقافة الأقوى للثقافة الأضعف. أما على الصعيد الداخلي، فغالبا ما يلي الحوار اللامتكافئ انقسام الثقافة الأضعف على نفسها بين مُتَمَسِكٍ بالثوابت والمنظومة القيمية الأصيلة، ومُعتَقِدٍ بأن الانتصار لن يتأتي إلا باحتضان ثوابت الثقافة الأقوى ومنظومتها القيمية الدخيلة. على كلا الصعيدين تواجه الثقافة الأضعف خطرا حقيقيا بالاندثار وضياع المعالم. إذا كانت هذه هي المآلات، فلماذا نهرول كلما دعتنا هيلاري كلينتون للحوار؟؟؟ سعد العواد