في الصيف الماضي عندما عقدت العزم للسفر إلى بلاد الهند لأزداد من رؤيتي لهذا البلد القديم العهد الحديث التقنية وعندما وصلت إليها فوجئت بتناقضات رهيبة !! تناقضات معيشية , وتعليمية , ودينيه , وكان اعتقادي أنها بلد تقنيه ليس بالسهل أن تجد فيها جهلاً بهذا الكم العجيب .. حيدر أباد وكانت محطتي الأولى (حيدرأباد) والتقيت هناك بعدة أشخاص من الجالية السودانية وقد قدموا إلى الهند لغرض الدراسة ولا أزكيهم فقد وجدتهم مثلا يحتذى به من الدارسين ومع أنهم يدرسون على حسابهم الخاص إلا أنهم يصرفون نصف مايصرفه الطالب السعودي المبتعث إلى هناك !! مكثت معهم في مقر إقامتهم الخمس نجوم !! ولو عشت معهم يوما واحدا ورأيت تكاتفهم وحرصهم على دينهم وعلى دراستهم ولو رأيت بساطة معيشتهم وروحهم الجميلة لنسيت النجوم كلها ! كان اثنين منهم يحضرون للماجستير وهم قدوة لمن معهم يرشدون من يأتيهم عن أفضل الجامعات وأفضل الدورات التعليمية بل ويذهبون معهم إلى حيث الجامعة الأفضل ويسعون معهم ومع ذلك كله هم لا يرجون إلا الدعاء فقط , رجال لديهم المعرفة وحب الخير وفهم المجتمع واحترام الذات والناس , ما أن وصلت إليهم حتى لبست مثل لبسهم وأكلت من زادهم وكأني أعيش معهم منذ فترة طويلة !! ما دعاني لأفعل هذا إلا أنهم ملكوا القلب بسحر تعاملهم وبحبهم للخير ... بقيت معهم قرابة الثلاثة أيام ولكن لم أجد في تلك المنطقة الأجواء الجميلة الباردة كما كنت أتوقع وكانت هي المنطقة الأكثر أقليه إسلاميه فوجدت المسلمين فيها بكثرة ولكن بعد وصولي بعدة أيام اشتد الحر وازدادت الأجواء سوءا وأخبرني أحد الزملاء أن منطقة ( بنقلور ) هي الآن في أفضل الأجواء وأن أهلها يتحدثون الانجليزية جيدا بجانب الهندية فاستخرت الله سبحانه وتعالى وعقدت العزم على الذهاب إلى هناك وحجزت تذكرتي ولم أنسى كلمة الأخ ( مصطفى ) عندما أخبرته بأني عقدت العزم على الرحيل قال (صلي على النبي ) وقال أنت لم تكمل معنا إلا أيام الضيافة وترحل بهذه السرعة وكان قلقاً من ذهابي إلى تلك المنطقة لأمور يعلمها من ذهب إليها... في بنقلور وموقف مع أحد المبتعثين : عندما وصلت ورأيت المبتعثين من أبنائنا من غير من هيئته فأصبح لا يُعرف ومن وضع السلاسل على رقبته وبها رموز لديانات هندية فعجبت منهم ومن حالهم وسألت أحدهم بكل جرأه .. أنت سعودي ؟ قال : نعم , على استحياء .. قلت : ولم تقولها باستحياء ؟ قال : ربما تستنكر هيئتي ! قلت : ولمَ ؟ فأنا سألتك عن جنسيتك ولم أسألك عن ديانتك !!! وانصرفت . وأيضا بالأمانة وقد لاترضي المبتعثين أني وجدت منهم من يرغب بزيادة المكافأة الشهرية وهي مايقارب 59000 روبية هندية وعندما سألت العاقل منهم قال الحمد لله ووالله أنني أرسل منها لأهلي ! بلاد الهند : الهند كلها تعاني من مشكلة عدم الاهتمام بالنظافة العامة بل ماشد انتباهي هو أنهم - أعزكم الله - يقضون حاجاتهم في الشارع ويعتبر شيء عادي جداً لديهم بل ركبت يوماً ما في عربه بثلاث عجلات تسمى ( رِكشا ) وفجأة توقف السائق على يمين الطريق ونزل ثم تبعته بنظري ووجدته ذهب لكي ........ وعاد وكان شيئا لم يحدث . فلما عدت إلى مقر إقامتي أتى إليّ مساعد مدير الفندق ( أحمد خان ) كالعادة يسألني عن المنطقة وانطباعي تجاه أهلها وانتهزت الفرصة لأسأله لماذا هذه التصرفات العشوائية اللا أخلاقيه وقلت أعجب من أنهم يرونها شيء عادي جدا فقال المسلمون هنا رحمهم الله بتعاليم هذا الدين العظيم وانه دين طهر ونظافة ولذلك من أسلم من أهل هذا البلد يرى التغير بعينه لأنه عاش الكفر والهمجية فيصبح أكثر تمسكا بدينه فقلت : ليت قومي يعلمون ! وعن أسباب تلك الأفعال قال : منذ أن استعمر الانجليز الهند عام 1857 إلى أن أصبحت الهند دولة مستقلة عام 1959 وهي أطول مدة استقلال , شهد هذا القرن من الزمن قمع وتعذيب وتنكيل وفقر الله به عليم وفي تلك الفترة كل شيء تراه في الشارع الهندي وهي ردة فعل وخلال هذا القرن لم تنثني الهند عن المقاومة بل كره الانجليز البقاء فيها حتى تركوها ويُقال أن الشارع الهندي تعمّد فعل مثل تلك القذارة لطرد الاستعمار فقلت : ولكن الهند الآن دولة مستقلة قال : نعم , ولكن لم يتمكنوا من تغيير عادات تأصلت فيهم خلال مائة عام ! هو في الحقيقة لم يكن السبب المقنع ولكن كان أحد الأسباب و أرى أن الفقر والجهل وبعدهم عن الدين أرداهم أيما مردى !!! ثم نظرت ومع جهلهم وسوء حالهم إلا أن الحكومة منعت وجود الملاهي الليلية بل وشددت في هذا بعكس الدول المجاورة لنا والتي تحمل اسم الإسلام ديانة لها!!!!! في الحقيقة بلاد الهند غنية عن التعريف بالنسبة لنبوغ الأساتذة منها في العلوم التقنية بل أصبحت شركة مايكروسوفت تستقطب العلماء من بلاد الهند ومع فقرهم وسوء معيشتهم إلا أنهم رفعوا راية التقنية فوق دول تحمل الثراء شعارا لها , وهذا مايكسر قاعدة أن الدول الغنية هي من تفوقت على الدول الفقيرة في العلم والمعرفة .. سلطان الحسني