«لا جديد تحت الشمس»! قد تعني تلك العبارة أن ما هو جديد عندك قديمٌ عند غيرك. وربما تعبر عن رتابةَ الحياة في محيط ساكن. وقد تعني انطفاء الدهشة، وفقدان روح الطفولة. وإذا قُرِأتْ هذه العبارة بعيدا عن سياقها، أمكن القول إنه «لا جديد تحت الشمس» في ظل هذا التطور التقني الهائل الذي يشهده هذا العصر. فقديما لم تكن سرعة التطور التقني عالية، كما هي عليه الآن. ومنذ أن هتف أرشميدس وجدتها (يوريكا)، كان بين (اليوريكا) والأخرى مسافة زمنية طويلة. «لا جديد تحت الشمس» في عالَم حافلٍ بالجديد! فقبل أيام، وفي احتفال توزيع جوائز الأوسكار، تعثرت الفنانة جنيفر لورنس أثناء توجهها إلى المنصة لاستلام جائزتها كأفضل ممثلة. الآن، وفي هذا الزمان الذي لا جديد فيه تحت الشمس، وحين يضمك مع الأصدقاء مجلس، وفي الذاكرة نكتة تظن أنها جديدة، ستتردد طويلا قبل أن تحكيها لهم. لقد ولَّى زمن الجدة، كما ولَّى زمن الدهشة. .وما كان بإمكانها، وهي ترتدي فستانا فضفاضا عند قدميها. أن تراقب خطواتها. وحصل ما حصل.. بعد دقائق شاهد العالم كله، وبمختلف لغاته تلك «العثرة» التي لا تعني شيئا لو لم يكن المتعثر نجمة تلاحقها الكاميرات. لكن هذا هامش على المتن، أما المتن فهو أننا نعيش في عصر ينتقل فيه الخبر، وتنتقل فيه الصورة بسرعة مذهلة، بفضل تقنيات الاتصال الحديثة، وأنه «لا جديد تحت الشمس»، إذا جاء ذلك الجديد على شكل خبر على فضائية، أو تغريدة على تويتر، أو صورة على اليوتيوب، أو نكتة عبر الهاتف المحمول. في الزمان الجميل (وهذا تعبير نسلي به أنفسنا، نحن أبناء ذلك الجيل) كان بالإمكان أن تفاجئ الأصدقاء بنكتة جديدة: «عندي نكتة جديدة»، فيقولون لك: هات! ثم تحكيها لهم بثقة متناهية، فهي فعلا نكتة جديدة، لأن زمان ال (واتس آب) لم يوجد بعد. الآن، وفي هذا الزمان الذي لا جديد فيه تحت الشمس، وحين يضمك مع الأصدقاء مجلس، وفي الذاكرة نكتة تظن أنها جديدة، ستتردد طويلا قبل أن تحكيها لهم. لقد ولَّى زمن الجدة، كما ولَّى زمن الدهشة. ربما تغامر وتحكي تلك النكتة، فإذا كان الأصدقاء لبقين، فسيتظاهرون أنهم لم يسمعوا بها، وسيضحكون ضحكة باهتة تفرضها أصول اللباقة. وإذا استثنيتَ الجانب السلبي للتقنية الناتج عن استخدام أولئك الذين يعيشون على هامشها، ولا ينتسبون لها ثقافيا، وشوهوا وظيفتها الحضارية، واستثمروها لتكريس التخلف، والتحريض على العنف، إذا استثنيت ذلك الجانب السلبي، فقد اختصرتْ ثورة الاتصالات المسافات، وقاومت العزلة، وحققت مقولة «لا جديد تحت الشمس» بدلالة أخرى بسيطة ومعاصرة. ساهمت التقنيات الحديثة في تغيير أساليب العيش التقليدية. ومن يتأمل أحداث العالم المتلاحقة، وتغير أنماط التفكير، واختلاف طرق التواصل الاجتماعي ، يدرك أن وراء هذه التقنية الحديثة (وليس الأكمة) ما وراءها. فقد ولَّى عصر الأكمات، وبدأ الناس يرون ما وراءها بواسطة هذه التقنيات الذكية. العبارة حمَّالة أوجه، وفي قراءة أخرى لها، يمكن أن نقول: «لا جديد تحت الشمس» في الأماكن التي تتثاءب سأما، وتعيش زمنا دائريا، ويبدو الوقت فيها فارغا وبلا معنى، وتنقصها شروط ودوافع الابتكار والإبداع. أما المضحك المبكي فهو أن يتحقق ذلك «الجديد» الذي طال انتظاره. لكن، سرعان ما تؤكد لك النتائج صدق العبارة القائلة: «ما كلّ ما يلمع ذهبا»! ولعل أفضل ما يعبر عن هذا المأزق هو قول الشاعر: «ربَّ يومٍ بكيتُ منه فلمَّا.. صرتُ في غيره بكيتُ عليه»! ولا جديد تحت الشمس! [email protected]